قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

منال نوار تكتب: الغجر.. من هم.. ومن أين جاءوا


"ادفنني واقفا لأني عشت طول عمري مذلولا منحنيا على ركبتي".. هكذا تقول الأنشودة الغجرية.
الغجر.. من هم.. ومن أين جاءوا؟..
لطاما راودني هذا السؤال كثيرا من قبل وأنا صغيرة عندما كنت أقضي إجازتي الصيفية في قريتنا في المنوفية عندما كان يأتي إلى القرية من وقت إلى آخر نساء غجريات رحل ببشرتهن السمراء يرتدين ملابسهن الحمراء الواسعة المزركشة وأقراطهن النحاسية الكبيرة لبيع بعض الحلي والمشغولات اليدوية أو لقراءة الكف.
وعاودني الفضول مرة أخرى عندما لاحظت الشبه الكبير بين لفظ غجري (Gypsy) باللغة الإنجليزية واسم مصر الذي يطلقه عليها الغربيون أيضا باللغة الإنجليزية (Egypt)، وتساءلت: "هل هناك علاقة تربط بين الاثنين؟؟!!!".
عاودني الفضول مرة ثالثة بشدة عندما صادفني أكثر من مرة مصطلح الغجر في محاولة تعرفي على جمهورية التشيك، البلد الذي سأسافر إليه الأسبوع المقبل.
التشيك وعاصمتها براغ من أجمل عواصم أوروبا التي تقوم حضارتها البوهيمية وجزء كبير منها على موسيقى وملابس وتراث الغجر وتقيم فيها نسبة كبيرة من الغجر.
وتتردد الشكوى من استياء المواطنين من حين إلى آخر ضد الغجر وعاداتهم، في حين تتردد الشكوي من الغجر ضد المواطنين والدولة بتهمة إهمال الغجر.. شعوب قليلة جدا تلك التي قيل عنها هذا القدر من الأساطير والخرافات مثلما قيل عن الغجر.
الغجر أكثر جنس مشتت في العالم، لا أحد يعلم من أين أتوا ولا أحد يعرف لهم تاريخا، ويقال: "ينسب الغجر إلى طائفة في إيران فارسيّة تتكوّن من السحرة والعرّافات، إلاّ أنّ هذه الأسطورة لها جانبها الافتراضيّ المعاكس المثير للفضول"، فعلاً الافتراض يقول إنّ الغجر هم أنفسهم المصريّون الذين قاموا بمطاردة اليهود في الصحراء وتاهوا أثناء المطاردة وما زالوا تائهين إلى الآن.
لكن الأعتقاد الأوسع الشائع في أذهان عموم الناس هو أن الغجر لم يكونوا شعبا "حقيقيا" أبدا، بل عصبة من المتشردين والمجرمين قامت بصبغ جلودها بعصير الفواكه ليكتسبوا اللون الكستنائي الذي يزدهون به، إضافة الى أنّهم يتحدّثون لغة خاصة بهم أوجدوها بأنفسهم كي لا يطّلع أحد على أسرارهم.
"غجر" كانت محملة على الدوام بمترادفات سيئة،لا تشرّف أحدا، فقد التصقت عبر التاريخ في أذهان الناس بالمتشردين واللصوص، بالشحّاذين والسحرة، وقارئات الكفّ، حتى أنّ العديد من الكلمات السيئة التي تزخر بها بعض اللغات ترجع بجذورها إلى كلمة "غجر"، ففي اللغة السلوفاكيّة يعني الفعل: الكذب، وفي التشيكيّة والسلوفاكيّة شيء عاديّ جدّا أن يُقال "مخادع مثل الغجريّ!".
بلغ عدد سكان الغجر في جميع أنحاء العالم حوالي 10 ملايين، وهناك مجموعتان رئيسيتان وكل مجموعة تخرج عنها مجموعات أخرى متعددة.
أولا: الرومن: تعدادهم الكلي حوالي 7.304.000 مليون وينقسمون إلى عدة مجموعات أهمها: الفلاكس ويتركزون في رومانيا والبرازيل والبوسنة والهرسك والولايات المتحدة الأمريكية، لغتهم الأساسية هى الرومنية، ديانتهم الأساسية هى المسيحية.
البلقان الرومن، ويتركزون في أوكرانيا وصربيا وبلغاريا، ولغتهم الأساسية هى الرومنية باللهجة البلقانية، كما يتواجدون أيضا في تركيا ومقدونيا وإيران والبوسنة والهرسك وأفغانستان والجزائر، غجر الكالو يتركزون في إسبانيا وجزر الكناري والبرازيل رومن الكاربات، ويتركزون في التشيك وسلوفاكيا.
ثانيا: الدومر: تعدادهم الكلي 2.563.000 مليون، ثلثاهم في الشرق الأوسط (خاصةً في مصر) حوالي مليون غجري مفرقة في جميع أنحاء البلاد، ومن كثرة هجرتهم إلى مصر قديما يقال إن الأوروبيين أطلقوا على مصر لقب إيجيبت (Egypt ) نسبة إلى الغجر جيبسي (GYPSY) أقاويل أخرى أن لقب "إيجيبت" جاء من القبطية القديمة.
وقد صورت حياتهم وتقاليدهم في مصر في عدة أفلام ومسلسلات درامية، منها فيلم "تمر حنة" الشهير لرشدي أباظة ونعيمة عاكف.
ويعمل الغجر في مصر في صناعة المناخل من شعر الخيل والرقص الشعبي وتدريب القرود ـ خاصة من يسكنون منطقة الأزبكية بالقاهرة ـ وأعمال البهلوانات في الموالد، وتعمل نساء الغجر في قراءة الطالع، وتعيش هذه المجموعة في منطقة تسمى "حوش بردق"، كما يقمن بعمل الوشم، ومن أشهر الأعمال التي تمارسها الغجريات الغناء والرقص (ويسمين الغوازي) والتسول، حيث تقوم المرأة بالتسول بينما ينتظر الرجل عودتها إلى البيت بالنقود والمؤن، وتقوم جماعة النوَر بوجه خاص بالسرقة بطرق متنوعة.
من مشاهير الغجر في مصر الذين اشتهروا بالغناء الشعبي، الريس متقال، الريس شمندي، وخضرة محمد خضر.
لكل غجري ثلاثة أسماء، اسم سري واسم يعرف به بين أفراد جماعته أو عشيرته، وثالث يدعى به أمام الناس من غير الغجر ولغرض تسجيله في سجلات الدولة التي يقيم بها، فللاسم الحقيقي قوة خرافية خاصة وسريته ضرورية في عرف الغجري.
ويقول بول كليبر، مؤلف كتاب "الغجر"، إن "الاسم السري يُهمس في أذن الفتى أو الفتاة عند بلوغهما سن الرشد كي يستوعباه مرة أخرى وهما يدخلان عالمها الجديد.
والغجر قديما كانوا مولعين بالحصان إلى حد التقديس والوله ولا يتورعون سابقا وفي أية أرض عن الاستيلاء على أي حصان يعجبهم والفرار به، ويقول عالم الغجريات موريس دي برنارد إن الغجري عندما يحبك لا يقول "أتمنى أن تعيش سعيدا"، بل يقول: "أرجو أن تعيش خيولك طويلا".
يتزوج الغجري بالغجرية في سن مبكرة جدا، وذلك الزواج يتبع التقاليد الغجرية بصرامة من حيث طريقة الاحتفال، ففي البدء يعطي الغجري البنت التي يختارها للزواج لفافة عنقه، وإذا ما ارتدت البنت تلك اللفافة فهذا يعني أنها قبلت الزواج به والطلاق نادر الحدوث بين الغجر، وهناك عادة قفز الزوجين للمكنسة وبعدها يغادران مكان الاحتفال ولا يحضران إلا في اليوم التالي للمشاركة في الغناء والرقص وبذلك يتم الزواج.
في اجتماع الرايخ الألماني عام 1497 حُدّد الغجر كجواسيس للأجانب، حاملي طاعون وخونة للمسيحيّة، وظلّت هذه اللعنة ضاربة بخناقها عليهم في جميع أنحاء أوربا بكلّ ما سيصاحبها من إذلال وتعذيب بشع، وبيعهم كرقيق في أسواق النخّاسين ولم تنته هذه اللعنة ـ إلاّ بمحرقة الهولكوست النازيّة على يدي هتلر، محرقة ذهبَ ضحيتها عشرات الآلاف من الغجر بأغانيهم ورقصاتهم، بملابسهم الملونة وأقراطهم الفضّية بعرباتهم وخيولها الهزيلة ضحايا لن يسأل عنها أحَد ولن يطالبوا لهم بتعويض، لأنهم ليس لديهم الأموال أو البترول أو اللوبي الذي يقوم بالضغط على الغرب أو الأمم المتحدة للمطالبة بحقوق هؤلاء الضحايا المشردين والمعذبين في الأرض.