باسم يوسف

تابعت بشغف، كغيري، الحلقة الماضية للإعلامي الساخر باسم يوسف، بعد فترة انقطاع دامت عدة أشهر، وحقيقةً أبهرني مدى احتفاظه بقدرته على خطف الأبصار بخفة ظله وطريقته المميزة في تقديم "البرنامج"، ولكن لم يخطر ببالي أنه سيعود إلى ذات النقطة التي أنهى بها الحلقة الأخيرة من موسمه الثاني، التي كانت سببا غير مباشر في إنهاء تعاقده مع "cbc"، فضلا عن السبب المباشر المتمثل في الخلاف المالي البحت بينه وبين إدارتها.
باسم، عندما كنت تسخر من قادة جماعة الإخوان وأتباعها، كان معظم الناس يتفاعلون مع هذه السخرية، كنوع من الانتقام أو كرد على لغة الخطاب الصلف والمتعالي الصادر عنهم وقتها في معظم برامج التوك شو وخلال المؤتمرات والمليونيات التي كانوا يدعون لتنظيمها، لكن الآن وقد انزاحت تلك الغُمة عن الحكم، لا أفهم لماذا تصر على السخرية من المشير السيسي، وما ذنبه أن كل المواضيع في مصر حاليا تؤدي إليه؟ وما وجه التقصير من قبل الرئيس عدلي منصور حتى تقول عنه المشير عدلي منصور، وكأنك تقول عنه ضمنا أنه "إنسان مش موجود في الوجود"، من تريد أن يحكم إذًا؟ وما وجه التقصير الذي يدفعك للهجوم عليهما طالما قد خاطبت المنطق في حلقتك الماضية؟
لست من أنصار المشير السيسي أو غيره، ولكن كيف لقائد جيش أن يعطي أمرا وقد سخر منه الجميع على شاشات التليفزيون وردد هذه السخرية الملايين على المقاهي وعلى صفحات الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل؟
أتفهم هجومك خلال الحلقة على وسائل الإعلام التي شنت هجمة شرسة غير مبرّرة على برنامجك خلال فترة توقفه أو عقب الحلقة الأخيرة من موسمه الثاني، لكن أن تعرض صور معظم الإعلاميين وكأنك تتوعدهم بهجوم لا هوادة فيه خلال الفترة المقبلة، أرى أنها معركة ليست مطلوبة؛ لأن لكل فعل رد فعل، وهل تقبل أن يسخر منك أحد منهم؟ وإن قبلت فما العائد على المشاهد من رؤية تصفية الحسابات بينكم، أنت تسخر منهم وتعرض صورا مهينة لهم، وهم يهاجمونك في برامجهم ويتهمونك بالعمالة وبكل الموبقات، أعتقد أنه لا ذنب للمشاهد في هذه المعركة التي لا يعد طرفا فيها، فضلا عن أنها لن تجلب إلا مزيدا من الهجوم من قبل الطرفين.
الإصرار على الاعتماد على الإيحاءات الجنسية والسباب المصحوب بتشويش خلال الحلقات أتصور أنه لا يتوافق والمحتوى الإعلامي الذي تقول إنه يفوق غيره على الساحة المصرية، وأنه يتفوق على الإعلام "اللي ده وقته"، فضلا عن أن هناك أُسرا محافظة تشاهد حلقاتك، فقدم لهم البديل الجيد عن الإعلام الذي تنتقده ليل نهار، وتقول عنه إنه "إعلام التسخين".
هناك مئات بل آلاف الموضوعات التي من الممكن أن تستغل برنامجك لمعالجتها، عن طريق النقد، كالممارسات اليومية الخاطئة لبعض الناس في الاستهتار بنظافة الشوارع والكتابة على الجدران وإلقاء كل ما يخطر وما لا يخطر على بال أحد فيها، بل والتبول تحت الكباري، حتى تكون السخرية وسيلة من أجل التقويم والإصلاح لا هدفا في حد ذاتها.
خصص حلقات وحلقات لانتقاد الموظف المقصر في عمله، والشاب المتفرغ لمعاكسة الفتيات والتحرش بهن، والشيوخ "المليونيرات" الذين يدعون الناس للزهد والتقشف في الحياة، انتقد المرأة المهملة، والرجل البخيل، والصديق الخائن، والأب غير القادر على تحمل المسئولية، والأم المتفرغة للزينة والموضة على حساب أبنائها، فضلا عن مئات الموضوعات التي قد يتسبب برنامجك ذو نسبة المشاهدة العالية في تصحيح سلوك نسبة كبيرة من مشاهديه، لكن الإصرار على التركيز فقط على قائد الجيش "أيا كان اسمه"، أو الرئيس "أيا كان اسمه أيضا"، أعتقد أنه أمر غير مفهوم.