الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كسر هيمنة الدولار.. ما العملة البديلة للأخضر وكيف سيكون مستقبل الاقتصاد العالمي؟

الدكتور رائد سلامة
الدكتور رائد سلامة مع ميرنا رزق محررة صدى البلد

تتصاعد خلال هذه الفترة المطالب باستخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية بين الدول بدلا من الدولار الأمريكي، وهي المطالب التي ارتبطت بالسياق الراهن للاقتصاد العالمي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الدول المالية.

الدولار الأمريكي 

كسر هيمنة العملة الأمريكية 

ومنذ أن حل الدولار الأمريكي محل الإسترليني بصدارة عملات الاحتياطي العالمي بموجب اتفاق بريتون وودز بنهاية "الحرب العالمية الثانية"، بزغت عديد من المحاولات المرتبطة بكسر هيمنة العملة الأميركية في فترات مختلفة، فقد سعت على سبيل المثال دول أميركا اللاتينية للابتعاد عن الدولار في الثمانينات التسعينات، ووعززت الأزمة المالية العالمية 2007-2008 كذلك تيارا مماثلا حول العالم للتخلي عن الدولار.

ورغم ذلك لم تظهر آثار مؤثرة لتلك المحاولات بشكل عملي، إلا أن تتابع الخطوات المرتبطة بالتخلي عن الدولار في الفترات الأخيرة في ظل المتغيرات الجيوسياسية واسعة النطاق، يضع هيمنة الدولار أمام تحد مصيري، وفي خط متواز مع صعود الصين كقوة اقتصادية، والعقوبات المفروضة على روسيا أخيرا وتبعاتها المختلفة، وغيرها من العوامل ذات الصلة.

ولقد عززت عديد من الدول إلى التعامل بالعملات المحلية على غرار انخراط روسيا والصين بالفعل في تجارة الروبل اليوان وتسوية التعاملات بينهما بالعملات المحلية وكذلك مع عدد من شركائهما التجاريين حول العالم.

كما تستمر بلدان أخرى في البحث عن طرق لبناء روابط تجارية تتجنب الدولار، وآخرها ما تم الإعلان عنه في أميركا اللاتينية، فيما البرازيل والأرجنتين، وكذلك إعلان البنك المركزي الروسي أخيراً البدء في تحديد أسعار الروبل مقابل مجموعة من العملات الأجنبية من بينها الجنيه المصري، كعملات تبادل تجاري، وعديد من الخطوات الأخرى ذات الصلة.

العملة المصرية والروسية 

تصاعد دور الصين وروسيا

واستضاف موقع "صدى البلد"، الدكتور رائد سلامة المقرر المساعد للجنة التضخم وغلاء الأسعار بالحوار الوطني، والباحث الاقتصادي، في ندوة خاصة، للحديث عن الدولار الأمريكي وإمكانية الاستغناء عنه بعد اتفاق الدول لاستخدام العملة المحلية في التبادل التجاري بينهم.

وقال سلامة ـ بعد "الحرب العالمية الثانية" لم يعد الدولار يمثل فحسب عملة محلية لكنه صار عملة دولية يتم بموجبها تسعير اغلب البضائع والعملات التي تتحرك عبر المحيطات في العالم كله خاصة مع تطور الاهتمام بالعولمة بجناحيها الاقتصادي والعسكري. 

وتابع: وتزايدت أهمية الدولار من هذه الزاوية بعد الغاء أمريكا لقاعدة الذهب في السبعينات ثم الطفرة النفطية ومن بعدها ترسخ وضع الدولار كعملة عالمية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كمنافس لأمريكا ونشأة الاتحاد الأوروبي ضعيفا في ظل انهيار اقتصادات الدول الفقيرة خاصة في أمريكا اللاتينية وافريقيا.

وواصل: كل هذه الأمور جعلت الطلب على الدولار يتزايد، وبدأ مركز الدولار يهتز عالميا مع تصاعد دور الصين وروسيا ومحاولات دول أخرى للخروج من دائرة الهيمنة الامريكية وبالذات بعد الازمة المالية في عام 2008 والتي طالت آثارها الجميع ثم أزمة المناخ وأخيرا أزمتي كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية.

الدكتور رائد سلامة 

يشهد الدولار مزيد من المصاعب 

وأكد الباحث الاقتصادي: من المتوقع أن يشهد الدولار مزيدا من المصاعب حيث المنافسة مع الصين تقتضي من الإدارة الامريكية (أيا كانت ديمقراطية او جمهورية) مزيدا من الانفاق وهو ما اثبتته المفاوضات بينهما حيث لم يتعرض الجمهوريين لموضوع تقليص الانفاق العسكري مثلا لضمان عدم تدهور مركز المنافسة مع الصين. 

وأضاف: وهذا الانفاق الهائل سيزيد من صعوبة وضع الدين العام الامريكي وسيضطر الاحتياطي الأمريكي الي مزيد من رفع سعر الفائدة في الأجل القصير او على الأقل تثبيتها حتى تضع الحرب في أوكرانيا اوزارها وتتضح ابعاد العلاقات الدولية مع إدارة افضل للدين العام وعدم الاسراف فيه بما يتجاوز السيولة المتاحة لدى المجتمع الأمريكي.

ولفت: من المهم إذن أن نتفهم أن انقاذ الدولار كعملة أمريكية هو في حقيقية الامر نوع من انقاذ العملة الدولية التي تترجم كل معاملات العالم من خلالها، وبالتالي فقد كانت الخسائر العالمية ستصبح فادحة لو لم يتم رفع سقف الدين العام الأمريكي حيث كان العالم سيشهد ارتفاعا في أسعار الفائدة بكل عملات الدنيا وكانت موجات التضخم ستتزايد وبالأخص في أسعار الغذاء والطاقة مما كان سيزيد من معدلات الفقر والبطالة عالميا.

وأوضح: لو لم تحسن الإدارة الامريكية التعاطي مع الفرصة المتاحة لتدعيم مركز الدولار فستتكرر ازمة الدين بعد فترة وستكون هي الازمة الأخطر على الاطلاق، ولو لم يتم التعامل مع ازمة المناخ باستخدام التمويلات المتاحة، وهذا كان احد اهم أسباب استقالة الأمريكي ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي الذي لم يكن مؤمنا بأزمة المناخ ولا بمساهمة بلاده في استفحالها ليتم تعيين الأمريكي من اصل هندي آجاي بانجا بديلا له امريكي لإعطاء ازمة المناخ أهمية خاصة.

الدكتور رائد سلامة 

أمر أنادى به شخصيا منذ زمن

معقبا: اقول لو لم يتم التعامل مع ازمة المناخ على نحو مختلف فإن ازمة الدولار كعملة عالمية ستزداد لأنها ستكون فرصة أفضل للصين وروسيا للدخول على الخط، ولهذا كنت دوما أنادي بالاعتماد على سلة للعملات وبالانضمام للبريكس تحديدا لتلافي اثار حساسية تأثر اقتصادنا بأي تذبذب عالمي يشهده الدولار وحسنا فعل البنك المركزي بتبني مثل هذا التوجه وكذلك تبنى الحكومة المصرية الانضمام الرسمي للبريكس وهي خطوة بالغة الأهمية ومحل تقدير بالغ.

وتابع: في العموم، أظن أن الإدارة الأميركية تعي أن الأزمة صارت واضحة تماما وأظن أن هذا سيعود بالنفع على كثير من المجتمعات المتضررة لأن أمريكا ستكون مضطرة للتدخل لحل أزمات دولية كبرى بديلا عن توسيعها في ظل ظروف منافسة قوية مع الصين ستستدعى مرونة في تطبيق سياساتها الاقتصادية وتهدئة من نوع ما ومن ثم سيؤدى ذلك الي ترسيخ السلام الدولي لفترة قادمة.

وأما الحديث عن انهيار الدولار، قال الدكتور رائد سلامة، أن الدولار مازال وسيظل مسيطرا بحكم تأثيره كعملة تبادل وبحكم كونه انعكاسا للاقتصاد الاضخم في العالم وبحكم كونه تعبيرا عن تركيبة علاقات سياسية واقتصادية متشابكة مازالت تتحكم في أمور كثيرة في العالم في ظل ظروف دولية استثنائية كأزمة أوكرانيا وأزمة المناخ.

وأكد: لابد أن نفرق بين تحليل اي خطوة تقوم بها قوة كبرى كدول البريكس من خلال فهم وتحليل الواقع وبين الأماني والأحلام حتى وإن كانت مشروعة لكن من المهم ان يكون العمل لتحقيقها مبنى على فهم موضوعي للواقع.  

الدكتور رائد سلامة ومحرره "صدى البلد" 

الأجواء قد صارت مناسبة 

ولفت: اتمنى ان تنجح خطوات البريكس لفك الارتباط بالدولار وهو أمر أنادى به شخصيا منذ زمن طويل لكن لابد من ان يكون حراكهم مؤسس على واقع عملي لا على أمنيات تحكمها العاطفة والشعارات وحتى لا يتم استبدال الدولار (وهو امر إن حدث فسيستغرق فترة طويلة جدا) بعملة أخرى لقوة أخرى تمارس نفس ما تمارسه أمريكا الان من هيمنة على العالم، اخذا بالاعتبار ضرورة تطوير نظام جديد بديل للسويفت وربطه بالنظم المصرفية بالدول الأعضاء بما يستدعى النظر في تقييم مدى جاهزية البنى التحتية لهذه الدول لاستيعاب النظام البديل ومدى توافر الدولار لديها لاستخدامه كمرحلة انتقالية حتى يتم التحول الكامل للنظام الجديد.

وأكد أن من المهم جدا على مستوى المعاملات الدولية ان تكون هناك مؤسسات متنافية وعملات مختلفة يتم التبادل بناء عليها وفقا لحجم التجارة البينية بين الدول وخطوة البريكس هي خطوة إيجابية جدا أشجعها وأتمنى لها النجاح خصوصا وأنني كنت من أوائل الداعين لها.

وأضاف: الأوضاع الجيوسياسية في العالم الآن تشير الي أن الأجواء قد صارت متنافسة للمضي قدما في تطوير هذا الموضوع أخذا بالاعتبار ان انضمام دول جديدة مؤثرة كبعض دول الخليج سيكون مهما جدا باعتبارات انتاجها وتصديرها للنفط.

وواصل: الأكثر أهمية الآن هو ضرورة تقييم الموضوع من خلال النظر الي تأثير الدول المنتجة للغاز الطبيعي كمصدر من مصادر الطاقة النظيفة لأن تحول العالم من النفط الي الغاز هو أمر سيحدث وفقا بجميع الأحوال حسب تعهدات الدول في مؤتمر شرم الشيخ "كوب27" وبالتالي فمن المتوقع ان تشغل صادرات الغاز الطبيعي جزءا ضخما من حسابات تلك الدول مما سيغير من ميزان التبادلات التجارية وسيؤسر بشكل أساسي على جهود البريكس ومؤسساتها المالية.

العملة المنافسة للدولار

وتابع: بالإضافة الى ذلك، فمن المهم الإشارة الي ان علاقات التكتلات الدولية لها أثر بالغ أيضا في هذا الأمر فالتحالفات الأوروبية مع أمريكا هي تحالفات استراتيجية وما الصفقة الفرنسية مع الصين سوى صفقة تكتيكية لا ترقى من وجهة نظرى لأن تكون مؤشرا لتغيير جوهرى كبير، وبالتالى فلن تكون مسألة التحول لعملة جديدة -وهو التحول الذي تتزعمه وتدعمه الصين- مسألة بسيطة في الاجل القصير طالما ظلت التحالفات قائمة بين أمريكا من ناحية وأوروبا واسرائيل من ناحية أخرى.

وأوضح: من المهم كذلك ان نأخذ بالاعتبار دعم العملة المحلية أيا كانت عملة التداولات الدولية بزيادة التصدير وخفض الاستيراد تدريجيا في مجالات الصناعة والزراعة حيث ستحل العملة المنافسة للدولار محله بينما العملة المحلية لا تغيير فيها.

ولفت: زيادة التصدير وخفض الاستيراد يخلق طلبا على العملة المحلية، وبالتالي يستعيد لها قوتها وهذا هو الاعتبار الأول حاليا بعدما مر به العالم أجمع من أحداث سواء كورونا ام الحرب الروسية الأوكرانية.

الدكتور رائد سلامة