منحه الله سبحانه وتعالى تسبيح الجبال وعلمًا بالقضاء، علمه الله لغة الطير ومنطقه، ولغة سائر الحيوانات، إذ كان يفهم منها ما لا يفهمه غيره من البشر، وكان يتحدث معها في بعض الأحيان... إنه سيدنا سليمان بن داود.
أورث الله النبيّ سليمان عليه السلام ملك أبيه ونبوته، وذلك تصديقًا لما ورد في قوله تعالى "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد".. صدق الله العظيم.
من هو؟..
سليمان بن داود ينتهي نسبه إلى إسحاق بن إبراهيم وهو أحد أنبياء بني إسرائيل، وقد رزقه الله النبوة والملك وأعطاه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فكان ملكه واسعًا وسلطانه عظيمًا، وذكر اسم سليمان عليه السلام في القرآن الكريم في ست عشرة آية وفي سبع سور.
سخّر الله له الجن، والإنس، يخدمونه بما يريده، ولا يخرجون عن طاعته، وإلّا عذبهم عذابًا شديدًا، كما سخر له مردة الشياطين، حيث كانوا يغوصون له في البحار لاستخراج اللآلئ والجواهر، ويقومون بالأعمال التي يصعب على البشر القيام بها، كبناء القصور العالية، والصروح الضخمة، والقدور الثابتة، ويقيد من يشاء منهم بالأغلال لحماية الناس من شرهم.
بلقيس ملكة سبأ
وتبدأ قصة سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ عندما فصل سليمان عليه السلام عن وادي النمل حيث وقع سليمان مع جنوده في أرض جدباء لا ماء فيها فعطش الجيش فسألوه الماء، وكانت وظيفة الهدهد في جيشه أنهم كانوا إذا أعوزوا الماء واحتاجوا إليه في الصحارى في حال الأسفار أن يجيء الهدهد فينظر لهم هل بهذه البقاع من ماء، وكان الهدهد يدله على الماء بما خلق الله تعالى له من القوة التي أودعها فيه حيث كان ينظر إلى الماء تحت تخوم الارض، وكان يرى الماء في الارض كما يرى الماء في الزجاجة بمشيئة الله تعالى، فكان الهدهد إذا دلّهم على الماء وقال: ههنا الماء، شقَّقت الشياطين الصخر وفجّرت العيون، واستنبطوه وأخرجوه واستعملوه لحاجتهم.
فعندما عطش جيش سليمان عليه السلام واحتاجوا إلى الماء تنفقّد الطير فلم يره بينهم ولم يجده، ثم أقبل الهدهد إلى سليمان عليه السلام، فلما سأله عن غيبته أخبره بأنه اطلع على ما لم يطلع عليه، وأخبره بخبر يقين صادق وهو أنه كان في اليمن في بلدة سبأ وأنّ هناك ملكة على هذه البلاد تُدعى “بلقيس” قد ملكت على تلك الأمة في اليمن وأوتيت من كل شيء يُعطاه الملوك ويؤتاه الناس، ولها عرش عظيم مزخرفٌ بأنواع الزينة والجواهر مما يبهر العيون، ثم ذكر لسليمان عليه السلام كفرهم بالله تعالى وعبادتهم الشمس.
فعند ذلك بعث سليمان عليه السلام كتابًا ليوصله إلى هذه الملكة مختبرًا صدق الهدهد، وكان هذا الكتاب يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله ورسوله.
وحمل الهدهد كتاب سليمان عليه السلام وجاء إلى قصر بلقيس فألقاه إليها وهي على سرير عرشها ثم وقف ناحية ينتظر ما يكون من جوابها عن كتاب سليمان عليه السلام، وأخذت الملكة “بلقيس” الكتاب فقرأته ثم جمعت أمراءها ووزراءها.. فكرت بلقيس بالأمر مليًا وبروية وعلمت أن صاحب هذا الكتاب قوي السلطان يغلب أعداءه ولا يخالف ولا يُخادع.
حكاية وفاته
ولما مات نبي الله سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لم يعلم أحد من الإنس أو الجن وفاته إلا بعدها بعام كما ذكر بعض العلماء، بل ظل قائمًا متكئًا على عصاه، وظل الجن يعملون ما كلفهم به دون أن يدروا بموته.
وقبل أن يحين أجل سّيدنا سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسّلام ظل في البيت المقدّس يتعبّد ويقوم الليل كعادته وكان يفعل ذلك لعام أو عامين كل فترة، وقد وافته المنيّة وهو يصلي متكئًا على عصاه واقفًا، وقد كانت الجنّ ينظرون من طرف خفي إلى داخل البيت المقدّس فيرون سيدنا سليمان واقفًا فيظنّونه على قيد الحياة، ولم يدركوا حقيقة موته إلاّ عندما التهمت الأكلة عصاه، فخرّ على الأرض.