الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حمى الضنك والتغيرات المناخية.. تحذيرات منظمة الصحة العالمية من تفشي الأمراض والأوبئة

انتشار حمى الضنك
انتشار حمى الضنك

تُعد التغيرات المناخية من أخطر ما يواجه الكرة الأرضية الآن، حيث إنها تُخلف آثاراً سلبية على جميع المستويات سواء بيئياً، اقتصادياً، وحتى صحياً، حيث يقف ارتفاع درجة حرارة الكوكب عائقا أمام الكثير من الأمور، كما أنه يسبب تفشي أمراض وأوبئة فتاكة تهدد حياة البشر.

نشاط فيروسات بسبب المناخ

حذرت منظمة الصحة العالمية، من أن حمى الضنك وأمراضاً أخرى تسببها فيروسات ينقلها البعوض، تنتشر بشكل أسرع وأوسع نطاقا بسبب التغير المناخي، مبدية الخشية من تفشي المرض على مستوى العالم.

ودق خبراء منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر بشأن ارتفاع حالات الإصابة بحمى الضنك وداء شيكونغونيا، وقالوا إنهم يتوقعون تفشي فيروس زيكا مجدداً في العالم.

وتتفشى هذه الأمراض الثلاثة بسبب فيروسات تُنقل عن طريق المفصليات، تنتقل إلى الإنسان عن طريق البعوض من جنس "الزاعجة"، التي تُسمى بعوضة النمر.

وفقا لفرانس برس قال منسق مبادرة منظمة الصحة العالمية لحمى الضنك والفيروسات رامان فيلايودان، خلال مؤتمر صحفي "لقد أدى تغير المناخ دوراً رئيسياً في تسهيل انتشار نواقل البعوض"، ودعا فيلايودان وزميلته ديانا روخاس ألفاريس، المسؤولة عن مكافحة فيروسي شيكونغونيا وزيكا، إلى اتخاذ إجراءات سريعة للحد من انتشار البعوض، في مواجهة خطر تفشي المرض خارج مناطق انتقال العدوى التاريخية.

وقالت روخاس ألفاريس "مع تغير المناخ، تضاعف البعوض وتمدد انتشار هذه الأمراض، على صعيد خطوط الطول والعرض"، ووصفت الوضع بأنه "مقلق".

وحذرت من أن هذا التفشي القوي في الأميركيتين "يمكن أن يشكل مؤشراً لما قد يكون عليه موسم الصيف المقبل في نصف الكرة الشمالي".

وأضاف فيلايودان، أن عدد الحالات ارتفع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، من حوالى نصف مليون في عام 2000 إلى 5,2 ملايين في عام 2019، وهو أسوأ عام على الإطلاق.

في المقابل انتشرت حمى الضنك في 29 دولة بأنحاء العالم إضافة لـ100 دولة أساسية تعتبر مستوطنات للحمى، بينما تشهد منطقة الأميركتين ارتفاعاً كبيراً وفقاً لحديث روخاس ألفاريس، التي أشارت إلى ارتفاع نسب الإبلاغ عن الحالات ليصل حوالي 135 ألف حالة في هذه المنطقة منذ يناير، مقارنة بـ50 ألفاً في النصف الأول من عام 2022.

ولم يتم الإبلاغ عن الحالات بشكل صحيح خلال جائحة كوفيد، لكنّ الأرقام ظلت مرتفعة، وفى الوقت نفسه، فإن الإصابات بشيكونجونيا، التى تم الإبلاغ عنها حتى الآن فى 115 دولة منذ اكتشافها فى خمسينيات القرن الماضى، تشهد ارتفاعاً كبيراً فى منطقة الأمريكتين، حسبما قالت روخاس ألفاريس.

ومنذ يناير الماضى جرى الإبلاغ عن حوالى 135 ألف حالة فى هذه المنطقة، مقارنة بـ50 ألفاً فى النصف الأول من عام 2022.

وغالبًا ما يسبب كلا المرضين أعراضًا خفيفة (الحمى وآلام الجسم والطفح الجلدي). ويشعر معظم الأشخاص الذين يصابون بداء الشيكونجونيا بالأعراض لمدة أسبوع فقط، لكن 40% منهم يشعرون بالآثار لأشهر أو حتى سنوات.

ونبّهت روخاس ألفاريس من أن الشيكونجونيا يمكن أن يؤدى إلى إعاقة دائمة.

الأمراض المعدية تزداد مع التغيرات المناخية

قال فريق من الباحثين بجامعة هاواي إن 58% من الأمراض المعدية البشرية المعروفة قد تتفاقم بسبب تغير المناخ وذلك بسبب الاحترار وظواهر الطقس المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات أو موجات الحرارة الشديدة، وأن هناك ارتباطا وثيقا بين تزايد انتشار مسببات الأمراض وبين التغير المناخي.

وذكرت الدراسة التي نُشرت في مجلة "Nature Climate Change" إلى قائمة تضم 375 مرضًا منتشراً في جميع أنحاء العالم، تسببها مسببات الأمراض المختلفة مثل الفيروسات والبكتيريا، وكذلك حبوب اللقاح أو الفطريات، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الألمانية، ووجد الباحثون خلال الدراسة أكثر من 1000 مسار مرتبطة بتغير المناخ ينتهي كل منها بالإصابة بالمرض، وفي كل واحد من هذه المسارات وُجد أحد مسببات الأمراض التي عزز نشاطها بشدة تغير المناخ، حيث إن الأمطار الغزيرة والفيضانات واحترار المحيطات وموجات الحر والجفاف الذي يجلب الخفافيش التي تحمل العدوى الفيروسية، إضافة إلى البعوض والفئران والحيوانات الحاملة للأمراض، بحسب ما نشرت وكالة اسوشيتدبرس.

قال تريستان ماكنزي - من جامعة هاواي "لقد وجدنا أكثر من 100 مرض تزايد انتشارها وشدتها بواسطة التغيرات المناخية".

من جانبه قال رئيس معهد روبرت كوخ، لوثار فيلر، "قد يؤدي تغير المناخ إلى توسع مواطن البعوض والقراد في ألمانيا.. يمكن للعديد من أنواع البعوض والقراد أن تنقل العوامل المعدية الفيروسية والبكتيرية والطفيلية بين البشر"، وقد يكون أحد هذه العوامل المسببة للأمراض، على سبيل المثال، فيروسات زيكا أو حمى الضنك… من الممكن أيضًا عودة الملاريا إلى بلادنا مرة أخرى".

فيروس زيكا 

فيروس ينقله البعوض ظهر لأول مرة في أوغندا 1947 في القردة ثم ظهر على إصابة البشر، ثم انتقلت العدوى بعد ذلك في بلدان أفريقية خلال خمسينات القرن الماضي، وفي عام 2007 سجلت فاشيات لاندلاع مرض فيروس زيكا في أفريقيا والأمريكتين وآسيا والمحيط الهادئ.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية فقد شهدت حالات الإصابة بمرض فيروس زيكا انخفاضاً على الصعيد العالمي اعتباراً من عام 2017، ولكن أبلغ عن أول حالات محلية لمرض فيروس زيكا المنقول بالبعوض في أوروبا في عام 2019، واكتشف نشاط لتفشي فيروس زيكا في الهند في عام 2021، وحتى الآن، أبلغ ما مجموعه 89 بلداً وإقليماً عن وجود بينات على عدوى فيروس زيكا المنقولة بالبعوض؛ ومع ذلك، لا يزال الترصد محدوداً على الصعيد العالمي.

معظم الأشخاص المصابين بفيروس زيكا لا تظهر عليهم أعراض، ومن بين أولئك الذين يصابون بأعراض، تبدأ الأعراض عادةً بعد ما يتراوح بين 3 أيام و14 يوماً من العدوى، وتكون خفيفة عموماً وتشمل الطفح الجلدي، والحمى، والتهاب الملتحمة، وآلام العضلات والمفاصل، والشعور بالضيق والصداع، وغالباً ما تستمر بين يومين إلى7 أيام. وهذه الأعراض شائعة في أمراض الفيروسات الأخرى المنقولة وغير المنقولة بالمفصليات؛ وبالتالي، فإن تشخيص العدوى بفيروس زيكا يتطلب تأكيداً مختبرياً.

وتشير التقديرات إلى أن 5 إلى 15% من الرضع الذين يولدون لنساء مصابات بفيروس زيكا أثناء الحمل لديهم بينات على حدوث مضاعفات مرتبطة بهذا الفيروس  وتحدث التشوهات الخلقية بعد العدوى العرضية وعديمة الأعراض على السواء، كما يمكن أن تسبب عدوى زيكا أثناء الحمل مضاعفات مثل فقدان الجنين، والإملاص والولادة المبكرة. 

وقد تتسبب العدوى بفيروس زيكا كذلك في الإصابة بمتلازمة غيّان-باريه، والاعتلال العصبي والتهاب النخاع، خاصةً لدى البالغين والأطفال الأكبر سناً.

ولا يوجد حتى الآن لقاح للوقاية من العدوى بفيروس زيكا أو علاجها. ولا يزال تطوير لقاح لفيروس زيكا مجالاً نشطاً للبحث.

حمى الضنك 

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية فقد ارتفع عدد الحالات التي أُبلغت بها المنظمة من 430 505 حالة في عام 2000 إلى 5.2 مليون حالة في عام 2019، وتكون معظم حالات الإصابة بها عديمة الأعراض أو خفيفة ومدبرة العلاج ذاتياً، ويقلّ بالتالي معدل الإبلاغ عن الأعداد الفعلية لحالات الإصابة بها، وتشير دراسة في تقديراتها عن معدلات انتشار حمى الضنك إلى أن نحو 3.9 مليار شخص معرّضون لخطر الإصابة بعدوى فيروسات حمى الضنك.

وقد أصبح المرض الآن متوطناً في أكثر من 100 بلد من البلدان الواقعة في الإقليم الأفريقي وإقليم الأمريكيتين وإقليم شرق المتوسط وإقليم جنوب شرق آسيا وإقليم غرب المحيط الهادئ التابعة للمنظمة، وتعتبر أقاليم الأمريكيتين وجنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ الأكثر تأثراً بالمرض، حيث ترزح آسيا تحت وطأة ما نسبته 70% من عبئه العالمي.

وأُبلغ في عام 2019 عن أكبر عدد من حالات الإصابة بحمى الضنك على الإطلاق في العالم، وتأثرت جميع أقاليم المنظمة بالمرض وسُجِّل لأول مرة انتقال عدوى حمى الضنك في أفغانستان، وأبلغ إقليم الأمريكيتين عن 3,1 مليون حالة، منها أكثر من 25 الف حالة صُنِّفت بأنها وخيمة، وأُبلغ عن عدد كبير من حالات الإصابة بالمرض في كل من بنغلاديش 101 الف حالة وماليزيا 131 الف حالة، والفلبين 420 ألف حالة، وفيتنام، 320 الاف حالة في آسيا.

ولا تزال حمى الضنك تؤثر على البرازيل وكولومبيا وجزر كوك وفيجي والهند وكينيا وباراغواي وبيرو والفلبين وجزر ريونيون وفيت نام منذ عام 2021.

ما يقرب من نصف سكان العالم معرّضون لخطر الإصابة بحمى الضنك في الوقت الراهن، حيث تشير التقديرات إلى حدوث نحو 100 إلى 400 مليون حالة عدوى سنوياً، وتظهر حمى الضنك في المناخات المدارية وشبه المدارية في العالم، ولا سيما في المناطق الحضرية وشبه الحضرية.

ومعظم الأشخاص الذين يصابون بحمى الضنك لا تظهر عليهم أعراض، ولكن، بالنسبة للأشخاص الذين يصابون بها، تتمثل الأعراض الأكثر شيوعاً في الحمى الشديدة والصداع وآلام الجسم والغثيان والطفح الجلدي، كما أن الحالة الصحية لمعظم هؤلاء تتحسّن في غضون أسبوع إلى أسبوعين، ويُصاب بعض الأشخاص بحمى الضنك الوخيمة، ويلزم إدخالهم إلى المستشفى من أجل الحصول على الرعاية، ولا يوجد علاج محدد لحمى الضنك، وينصب التركيز على علاج أعراض الألم فقط. 

داء الشيكونغونيا

ظهر فيروس الشيكونغونيا لأول مرة في جمهورية تنزانيا عام 1952، ومنذ عام 2004، أصبحت فاشيات فيروس الشيكونغونيا أكثر تواتراً وانتشاراً، وتم تحديد فيروس الشيكونغونيا الآن في أكثر من 110 من البلدان في آسيا وأفريقيا وأوروبا وفي الأمريكيتين. 

ووفقاً لمنظمة الصحة فإنه يتعافى معظم المرضى تماماً من العدوى؛ ومع ذلك، تم الإبلاغ عن حالات عرضية لمضاعفات في العين والقلب والأعصاب مع عدوى فيروس الشيكونغونيا، ويعد المرضى في أقصى درجات الطيف العمري أكثر عرضةً للإصابة بمرض وخيم، وقد يتعرض الأطفال حديثو الولادة المصابون بالعدوى أثناء الولادة وكبار السن الذين يعانون من حالات طبية أساسية لاعتلالات وخيمة، ويمكن أن تزيد عدوى الشيكونغونيا من خطر الوفاة.

هناك العديد من اللقاحات حالياً في مراحل مختلفة من التطوير حتى ديسمبر 2022 ولكن لم يتم ترخيصها بعد، ولا يوجد حالياً لقاح متاح تجارياً للحماية من عدوى فيروس الشيكونغونيا.