الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستشار الروسي للاتصالات الاستراتيجية: موسكو فخورة بشراكتها مع مصر وتعتبرها قلب العالم العربي.. المبادرة الصينية لحل الأزمة الأوكرانية لن تنجح.. وهذا رأيي في محاولة اغتيال بوتين| حوار خاص

الكسندر هوفمان
الكسندر هوفمان

"ما أشبه الليلة بالبارحة"، مثل دارج نستخدمه في حياتنا اليومية بمختلف اتجاهاتها، ولكن إذا نظرنا إلى الحالة السياسية التي يعيشها العالم الآن نجد أن هناك تطابقا كبيرا بين ما يحدث في العالم اليوم، من صراعات بين الدول الكبرى والتنافس على النفوذ والثروات ومحاولة بناء نظام عالمي جديد، وبين ما حدث بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبروز الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي قوتين كبيرتين على الساحة العالمية، أي بمفهوم عالم ثنائي القطبية، وإشتعال الحرب الباردة بينهما إلا أن الولايات المتحدة استطاعت أن تنفرد بزعامة النسق الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.

واليوم يتكرر سيناريو الحرب الباردة ولكن بأشكال وسياسات مختلفة، إلا أن الأهداف لا تختلف، فاليوم يظهر أن هناك انقلابا على النظام العالمي الحالي التي وضعت أساساته الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها من الدول الأوروبية وأصبحت هي الحاكم الآمر والناهي في العالم وتحت يدها المؤسسات الدولية التي تضع الشروط والأحكام لباقي الدول حتي أطلقوا عليها مسمى "شرطي العالم"، ولكن ومنذ إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، دخل العالم صراعا جديدا ليس فقط على تقاسم الثروات والنفوذ، بل أمتد إلى أن أصبح صراعا على عرش الكوكب في محاوله لإنهاء الأحادية القطبية ليس فقط بثنائية قطبية بين روسيا والولايات المتحدة بل بمحاولة توجيه النسق نحو التعددية من جديد وهذه المرة بمشاركة الصين.

وفي ظل الصراع القائم، لا يخفى على القوى المتصارعة أن تضع الشرق الأوسط نصب أعينها؛ باعتباره أحد أهم العناصر التي تمثل أهمية استراتيجية، نظرا لما يتمتع به من موقع استراتيجي متميز وثروات طبيعية فضلا عن تحكمه في ژهم المضايق والممرات الملاحية العالمية، وفي القلب منها مصر الدولة الأكبر في الشرق الأوسط والمحرك الرئيسي والآمن للتفاعلات الإقليمية. لذلك، من البديهي أن يكون الشرق الأوسط من أهم العناصر في التحول إلى التعددية القطبية وشريك أساسي في كافة التفاعلات والملعب الرئيسي لكل الدول الساعية إلى التغير.

وفي هذا الإطار، قام "صدى البلد" بعمل حوار مع الكسندر هوفمان، المستشار الروسي في الاتصالات الاستراتيجية والسياسية، للحديث عن أهمية العلاقات المصرية الروسية والتقارب الحالي بين روسيا والدول العربية، وكيفية حل الأزمة في أوكرانيا.

وجاء نص الحوار كالتالي..

كيف تري العلاقات المصرية الروسية على الصعيدين السياسي والأمني؟

السفير الروسي في القاهرة، جورجي بوريسنكو، أشار في مقابلة سابقة مع إحدى وسائل الإعلام المصرية إلى أن موسكو فخورة بشراكتها مع مصر وتعتبرها القوة الرئيسية ومركز العالم العربي، وبالفعل مصر الحديثة هي أكبر دولة عربية بمقاييس عديدة، بما في ذلك دورها السياسي وقوتها العسكرية.

أما بالنسبة للأبعاد السياسية والأمنية، فإن الكرملين يدعم بشكل علني جهود مصر على الساحة الدولية في الوضع الذي حدده السفير الروسي بالقاهرة في مقابلته الإعلامية، وذلك نظرا لأن نظام العلاقات الدولية يسعى جاهدًا نحو التعددية القطبية، فمن المهم أن نفهم أن وجود عالم متعدد الأقطاب ليس فقط فرصة للتعاون الشامل، ولكنه أيضا يمنع اندلاع صراع شامل. 

وعلاوة على ذلك، فإن نظام التعددية القطبية لا تستند فيه كل الدول الكبيرة الناشئة على مفهوم الهوية الأيديولوجية أو المشتركة، كما كان الحال في النظام الثنائي القطب للعلاقات الدولية. وبدلا من ذلك، يتم إعلاء المصالح الجيو - اقتصادية المشتركة والتحديات الجيو - استراتيجية.

ومن المعروف أن الهيمنة الأمريكية المراوغة، التي تأسست في 3 ديسمبر 1989 عقب نتائج قمة مالطا، تركت وراءها عددًا من الصراعات الإقليمية التي تهدد التعايش السلمي للمناطق والدول الناشئة، لذلك تعتبر روسيا، الملتزمة بالتطلع إلى تكوين عالم متعدد الأقطاب متناغم دون هيمنة عدوانية لواشنطن - القوة القادرة على تولي القيادة والمسؤولية في العالم العربي.

والنهج الروسي في العلاقات مع مصر يقوم على هذه المبادئ، ويظهر الكرملين استعداده للقاهرة لتحقيق مصالحها السيادية واكتساب دور مهم في النظام متعدد الأقطاب.

كيف تري التقارب العربي مع روسيا في الوقت الحالي والتعاون بينهم؟

في نظام التعددية القطبية الناشئة يمثل العالم العربي، والعرب أنفسهم، أحد أهم الأبعاد الجيوسياسية في المستقبل، يتجلى ذلك في قاعدة الموارد والخصوبة والسياق الثقافي والحضاري للإسلام والكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الفضاء من موريتانيا في الغرب إلى عمان في الشرق، من سوريا في الشمال إلى الصومال في الجنوب.

وهذه القوة الجيوسياسية القوية، التي توحدها المصالح الإستراتيجية المشتركة وتتغلب على التحديات المشتركة، لديها كل ما هو ضروري لتحسين مستوى الرفاهية، والحفاظ على الهوية التي تعود إلى قرون في تنوعها، وضمان السيادة والأمن اللذين يتمتع بهما الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وهنا نواجه حقيقة أن المصالح والتحديات الاستراتيجية للعالم العربي مكملة للرؤية الروسية من ناحية، ومن ناحية أخرى تتعارض مع مفاهيم الهيمنة العالمية، وهي أجندة عالمية وبريطانية أعيد إحياؤها تحت شعار "بريطانيا العالمية"، وهذا بالتأكيد عامل جذب مشترك روسي عربي.

هل يمكن البناء على مبادرة السلام التي طرحتها الصين لحل الأزمة في أوكرانيا، أم أن المبادرة لن تنجح في حل الصراع بسبب رفض الدول الغربية؟

تجدر الإشارة هنا إلى أن كلاً من حلف شمال الأطلسي "الناتو" والكرملين لم يبد الموافقة النهائية أو الرفض النهائي على المبادرة الصينية، ولكن تتحدث قيادة الناتو بشكل مباشر عن هدف هزيمة روسيا في أوكرانيا، وموسكو ملتزمة بتحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.

وفي رأيي، أن الحدود الأوكرانية التي تعمل كمنطقة اشتباكات عسكرية بين الناتو وروسيا، سوف تتوسع وتصل إلى نزاعات أخرى حول الأراضي الروسية، لذلك حتى الاحتمال النظري لوقف أو إنهاء الصراع في أوكرانيا لن يؤدي إلى أحداث مماثلة في التصعيد بين روسيا والناتو.

ومن الملحوظ أن جهود لإثارة الصراعات على طول محيط الحدود الروسية لا يتم بذلها فقط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو بشكل جماعي من قبل الناتو، ولكن أيضًا من قبل مجتمع المخابرات البريطاني على أساس فردي، ولكن دون تجاوز المصالح المشتركة للناتو. 

ويمكن ملاحظة ذلك في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، وليس فقط من خلال أساليب الاستخبارات العسكرية، ولكن أيضا، بشكل رئيسي، من خلال أساليب حرب المعلومات خاصة الإمكانيات التي يستخدمها الجانب البريطاني. ولا ننسي الاختلافات في المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة كقوة مهيمنة والمملكة المتحدة ، والتي حددت طموحاتها العالمية في مفهوم "بريطانيا العالمية".

وفي ظل المبادرة الصينية، يتحمل كل الوسطاء بين حلف الناتو والكرملين عبئًا ثقيلًا، يكاد يكون من المستحيل، في التفاوض بين الجانبين، والتي لا بد أن يلتزم كل طرف بالمواقف المبدئية المتعلقة بالقضايا الوجودية للأمن والتنمية والتوسع. 

ومن غير المرجح أن تنجح الصين كوسيط ناجح، حيث تتباعد مصالح بكين والناتو أكثر من تلاقي التحديات المشتركة لبكين وموسكو.

كيف ترى محاولة اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكيف سترد موسكو؟

في حادثة 3 مايو في الكرملين، يجب الأخذ في الاعتبار أنه من الممكن أن تعتبر موسكو مثل هذه الإجراءات بمثابة سبب للحرب - لم يعلن أي من طرفي النزاع في أوكرانيا الحرب حتي الآن- ومناسبة لضربة انتقامية. 

والسؤال الذي يثير اهتمام المجتمع الدولي بشكل خاص هو ما إذا كان من الممكن استخدام الأسلحة غير التقليدية في هذه الحالة؟، والإجابة أن انفجار الطائرة بدون طيار فوق الكرملين لا يشكل تهديدًا عسكريًا استراتيجيًا مباشرًا لـ روسيا، لذلك فلا يوجد دافع لاستخدام الأسلحة غير التقليدية في أوكرانيا.

هل ستشن أوكرانيا هجومًا مضادًا كبيرًا على شبه جزيرة القرم، وما هي الترتيبات الأوكرانية لهذا الهجوم؟

في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه في التخريب والنشاط الإرهابي للخدمات الخاصة الأوكرانية على أراضي روسيا، يتم لعب الدور الرئيسي حاليًا من خلال الاستشارات الاستخباراتية العسكرية والدعم التشغيلي والتقني لمجتمع المخابرات البريطاني. وإذا كانت الحدود الأوكرانية بالنسبة للأمريكيين جزءًا من إستراتيجية أوسع لاحتواء روسيا، فإن أوكرانيا بالنسبة للجانب البريطاني هي أحد الأصول الواعدة في أوروبا الشرقية التي تتناسب مع أولويات مفهوم "بريطانيا العالمية".

والقائد الرئيسي للمبادرات البريطانية هو المديرية الرئيسية للاستخبارات التابعة لـ وزارة الدفاع الأوكرانية، فمنذ زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى مقر MI6 "الاستخبارات البريطانية" في أواخر عام 2020، أصبح أول رئيس دولة يزور علنًا مقر المخابرات الأجنبية البريطانية، ومن ذلك الوقت ازداد الدعم الاستخباراتي العسكري للجانب البريطاني بسرعة كبيرة، وهذا ينطبق أيضًا على التقارب العقائدي البريطاني الأوكراني في قضايا الدفاع والأمن.

ووفقًا للرؤية البريطانية، فإن الهجمات في شبه جزيرة القرم هي من اختصاص العمليات البحرية، حيث يعتمد موقف المستشارين البريطانيين للقوات المسلحة الأوكرانية على الحاجة إلى وجود مزيد من التنسيق بين العمليات العسكرية والإعلامية في اوكرانيا.

وفي هذا الصدد، ينبغي إيلاء الاهتمام للاستعدادات السرية التي يقوم بها الجانب الأوكراني، بدعم من حلف الناتو، لغزو إقليم منطقة بيلجورود، ونظرًا لأن كييف لا تعترف بدخول أراضي جديدة إلى روسيا، وكذلك شبه جزيرة القرم، فإن منطقة بيلجورود، الأكثر عرضة للهجمات من أراضي أوكرانيا، حيث تعتبر بمثابة اتجاه لشن هجوم على أراضي روسيا نفسها.

وهذه العملية تفترض نتيجة، ليس فقط المصالح في احتلال عدد من المستوطنات في الأراضي الحدودية الروسية، ولكن أيضًا التأثير النفسي للروايات التي تدور حول ضعف الحدود الروسية وقدرات القوات الأوكرانية، وبمعنى أوسع يجب أن تُظهر هذه العملية في نظر المجتمع الدولي عجز روسيا في حماية أراضيها والإضرار بالمكانة الدولية للكرملين. 

في ظل هذه الخلفية، يجب أن يكون المرء حذرًا للغاية بشأن ما يسمى بـ "التسريبات" التي تم تقنينها عبر وسائل الإعلام الأمريكية للجمهور العالمي، خاصة أن هناك العديد من المؤشرات تصف هذه "التسريبات" بأنها حملة تضليل ضخمة.

الكسندر هوفمان، المستشار الروسي في الاتصالات الاستراتيجية والسياسية