قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مجتمع "فيس بوك" وتدمير العلاقات الإنسانية


منذ سنوات قليلة دخل الفيس بوك حياتنا بدون مقدمات، بل فوجئنا أنه دخل حياتنا بهذه السرعة، وأصبح هناك العديد من الأفراد إذا سألتهم هل لديك مهارة استخدام الكمبيوتر؟ فيجيب بلا تردد "بالطبع نعم".. وتكتشف فيما بعد أنه ليس لديه أي مهارات تكنولوجية سوى مهارة الدخول على "فيس بوك"، والمواقع الإخبارية الشهيرة!
من خلال "فيس بوك" نتابع جميعا أخبار العالم، والأخبار المحلية، ونلاحق الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والحالة الأمنية.. نتابع أخبار المشاهير.. نتابع ونلتقي بزملاء وأصدقاء الطفولة.. زملاء المدرسة وزملاء الجامعة.. جمع "فيس بوك" الجميع بعد ما يقرب من 20 أو 30 سنة وربما أكثر! جمعهم وسط فرحة وأمل في العودة إلى ذكريات ووجوه لمن يكن للبعض أن يتصور أنه سيلتقي بها من جديد !! وكيف يكون اللقاء بعد هذه السنوات الطويلة؟

افترق العديد من الأصدقاء والزملاء بل حتى الأقارب والجيران.. افترق الجميع لأسباب متباينة.. وعادوا من خلال "فيس بوك".. الجميع أخذتهم الحياة بمتطلباتها.. الجميع في حالة سباق.. جري متصل وراء العمل.. وهموم ومسئوليات فرضها الواقع.
ولم يجمع "فيس بوك" الأصدقاء القدامى فقط، بل جمع أصدقاء وزملاء اليوم من العمل ومن الحياة بصفة عامة، وأصبح السؤال الدارج ما هو اسمك على "فيس بوك" أو على الفيس كما يحلو للبعض تسميته.. وبغض النظر هل التقاء الأصدقاء والأهل مرة أخرى، إيجابي أو سلبي فيما يعود على كل الأطراف!
وكما كان لـ"فيس بوك" من مزايا تتصل بالتواصل الاجتماعي، وتبادل الخبرات، والترويج لخدمات وقضايا اجتماعية، ومفاهيم ثقافية، وكذلك تبادل المعلوات للتقارب وللم شمل الأصدقاء والأقارب، وأقارب الأقارب وأولادهم وأحفادهم، فكان "فيس بوك" نفسه الأداة نفسها التي ساهمت في فقدان علاقات الصداقة والاحترام والمودة، الصداقة بين من تصوروا أنه جمعهم من جديد ليصبحوا أسرة واحدة، تتسامر وتجامل بعضها البعض في المناسبات السارة وفي الأحزان وفي المرض.
أصبح "فيس بوك" الرفيق الذي تطمئن منه كل دقيقة على أخبار مجتمع "فيس بوك"، بشكل يكاد يكون إدمانا، أو جزءا لا يتجزأ من النشاط اليومي الذي تشعر من خلاله أنك ملم بالدنيا وما يدور فيها!!
بالغ البعض منا في التعبير عن رأيه ومتاعبه وتوجهاته من خلال "فيس بوك"! بالغ البعض في مشاركة الأصدقاء، وإقحامهم في حياته الخاصة بوضع صور شخصية له ولأسرته.. والمبالغة نتيجتها واحدة في جميع مناحي الحياة.
فأصبح معظم أفراد هذا المجتمع في حالة متابعة مستمرة من خلال إضافة الأصدقاء على "فيس بوك".. حالة متابعة قد تكون كل دقيقة لتحركات الآخرين، والموقع الجغرافي الذي يوضح مكان وزمان تواجد رفقاء مجتمع "فيس بوك".. فلان مسافر، فلان زوج ابنة فلان في المصيف، فلان في حالة نفسية سيئة ومهزوم.. وتذهب إلى عملك أو إلى جامعتك لتسأل ما مشكلة فلان.
وعليه.. أصبح "فيس بوك" وسيلة غير صحية لنقل الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي يريد البعض أن تصل وبشكل خبيث للآخرين!
وعلي النقيض نجد البعض يدخل على "فيس بوك" بحذر، ويمتنع عن المشاركة، ولكن فضوله لا يمنعه من المراقبة في صمت!
رسائل في مجملها نقد من موظف لموظف، عتاب غير مباشر من صديق لصديق، نقد من الموظف لرئيسه، نقد لسياسات الدولة.. إلخ.. هذه الرسائل تصاغ، ويضاف إليها بعض الأمثال والصور المنتشرة على "فيس بوك"، وتبدأ حلقة مفرغة من المهاترات، فرق مؤيدة، تشيد وتؤيد وغالبا بالاتفاق مع بعضهم، وتعليقات مناهضة، وفجأة يصبح هناك نزاع ومشادات غريبة، وضغائن وفقدان تام للسلام النفسي للإنسان!
هل هذا هو الهدف من مواقع التواصل الاجتماعي؟
هل انتهت كل مشاكلنا واهتماماتنا، ومسئولياتنا، وأهدافنا في الحياة ووقفت عند مجتمع "فيس بوك"؟ وبات علينا أن نحمل الضغائن والمكائد لبعضنا البعض بسبب "فيس بوك"؟
الحقيقة هى ثقافة جديدة وغريبة! وأعتبر أن العديد من العوامل ساهمت فيها، قد تكون حالة الاضطراب والاكتئاب التي تسود المجتمع؟ قد تكون نتيجة عدم الاستقرار السياسي والمؤسسي الذي نعيشه، وانعكس على الجميع في حالة قلق واضطراب نفسي وسلوكي؟!
أيا كان، فهناك خلل واضح نتيجة دخول هذا الضيف الجديد "فيس بوك" حياتنا بلا مقدمات، بلا معلومات عن قواعد استخدامه، الحقوق والمسئوليات المترتبة على سوء استخدامه، وهنا أتوقف وأسأل أين الكتاب من حياتنا؟ وهل يحتل نفس منزلة "فيس بوك"؟ وهل يتذكر أحد آخر مرة ذهب للمكتبة لشراء كتاب؟ هل تذكر أحد معرض الكتاب السنوي؟