قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. أمل منصور تكتب: الرغبة التي تبهت .. هل المشكلة جسدية أم نفسية ام مشاعر متراكمة ؟

د. أمل منصور
د. أمل منصور

الرغبة داخل العلاقة ليست رفاهية يمكن تجاهلها، ولا تفصيلة إضافية تأتي في المرتبة الثانية بعد المسؤوليات اليومية. هي لغة كاملة من الحضور، ومؤشر عميق على مدى اتصال الطرفين ببعضهما، ونافذة تكشف ما لا يقال بالكلمات. لذلك عندما تبدأ الرغبة في التراجع، يشعر كل طرف بأن العلاقة فقدت نبضًا أساسيًا فيها، كأن شيئًا كان حيًا في الداخل صار يختفي ببطء.

تباطؤ الانجذاب لا يحدث دفعة واحدة، بل يتسلل بهدوء. يبدأ بتراجع بسيط في المبادرة، ثم يتحول إلى حرج خفيف من الاقتراب، ثم صمت ممتد حول ما كان طبيعيًا قبل الزواج. ليس لأن أحدهما فقد مشاعره، بل لأن الجسد أحيانًا يعكس ما تعجز الروح عن قوله.

فالعلاقة الحميمية ليست مجرد اتصال جسدي؛ هي امتداد لمشاعر خفية، لطمأنينة، لثقة، لراحة نفسية، ولحضور ذهني يسمح للجسد أن يقترب دون خوف أو ضغط أو تقييم.

وعندما تبهت الرغبة، يشعر أحدهما أو كلاهما أنه أصبح مطالبًا بأن يشرح ما لا يعرف كيف يشرحه. الرجل يخاف أن يُفهم تراجعه كفقدان اهتمام، والمرأة تخشى أن يُفسر ترددها كبرود مقصود. وفي الحقيقة، لا أحد يريد إيذاء الآخر، لكن الصمت يتضخم، والافتراضات تتحول إلى حقائق مزيفة، ويبدأ كل طرف في بناء قصة داخل رأسه: ربما لم أعد مرغوبًا، ربما لم تعد تراني، ربما هو اكتفى، ربما هي أصبحت بعيدة.

الأسباب متعددة، وأكثرها نفسي. فالتوتر المستمر يقتل الرغبة دون أن يعلن ذلك، والضغوط الاقتصادية، والعمل، وتربية الأطفال، والقلق المزمن، كلها عوامل تستنزف الطاقة الداخلية التي يُفترض أن تتجه نحو الشريك. فالعقل المثقل لا يستطيع أن ينخرط في لحظة حميمية؛ لأن اللحظة تحتاج فراغًا عاطفيًا يسمح للإنسان بأن يشعر بذاته وبالآخر. وعندما يمتلئ الداخل بالمسؤوليات، يصبح الجسد مجرد تابع، ينفذ ما يراه العقل مهمًا: الأولوية للعمل، للبيت، للسلامة النفسية، أما الرغبة فتُؤجَّل إلى وقت غير معلوم.

وهناك جانب آخر لا يقل أهمية: المشاعر المتراكمة. كل كلمة موجعة، كل تجاهل، كل خيبة، كل انتظار بلا رد، كل يوم يشعر فيه طرف بأنه غير مرئي، كل لحظة فقد فيها أحدهما الإحساس بأنه مرغوب أو مُقدَّر. هذه التفاصيل الصغيرة تُكدّس طبقات من البعد العاطفي، فتتراجع الرغبة ليس لأنها اختفت، بل لأنها تبحث عن مكان آمن تعود إليه. الجسد لا يقترب من مساحة يشعر فيها بأنه مرفوض أو مُستنزَف.

والمرأة على وجه الخصوص، غالبًا ما ترتبط رغبتها بالحالة النفسية، وبشعورها بأنها مُحترمة ومسموعة ومفهومة. فإذا شعرت بأن العلاقة أصبحت واجبًا أو استجابة تُطلب منها في نهاية يوم مرهق، تتراجع رغبتها تلقائيًا. والرجل بدوره يتأثر بشدة إذا شعر بأنه مرفوض أو غير مُستجاب؛ فيبدأ بالتراجع حفاظًا على كرامته، أو خوفًا من أن يظهر ضعيفًا، أو لأنه لا يريد أن يتلقى إشارات باردة تزيد من جرحه الداخلي.

ومن الأخطاء الشائعة أن الطرفين يعتقدان أن الحل جسدي فقط. فيلجآن لأساليب ميكانيكية تعيد اللحظة على المستوى السطحي، لكنها لا تُعيد شعور الأمان الذي تحتاجه الرغبة كي تُزهر من جديد. المشكلة في معظم الأحيان نفسية بامتياز: انعدام وجود وقت مخصص للعلاقة بعيدًا عن الركض، غياب الكلمات الحنونة، تراجع اللمسات البسيطة، انطفاء الاهتمام اليومي، أو شعور دفين بأن العلاقة فقدت رقتها الأولى.

ومع ذلك، تظل الرغبة قابلة للعودة. ما يخفت يمكن أن يتوهج، وما يبتعد يمكن أن يقترب مرة أخرى. العودة لا تحتاج معجزة، بل تحتاج شجاعة في الاعتراف بأن هناك شيئًا انطفأ، وأن استعادته لا تعني اعترافًا بالفشل بل رغبة صادقة في إنقاذ ما يستحق. التواصل الصريح، تخصيص وقت مشترك، إعادة إدخال اللمسات الصغيرة في اليوم، منح كل طرف مساحة ليشعر بأنه مرغوب ومرحب به، كلها خطوات قادرة على إعادة الحياة لهذا الجانب الحساس من العلاقة.

والأهم من هذا كله، أن يتوقف كل طرف عن تفسير التراجع بوصفه إدانة للآخر. الرغبة ليست اختبارًا لرجولته ولا امتحانًا لأنوثتها. هي مرآة تعكس ما يحدث داخلهما، وما يتعرضان له من ضغوط، وما تراكم فوق القلوب من صمت أو تعب. فإذا توقف كل منهما عن الشعور بأنه المتهم، وبدأ ينظر للرغبة ككائن يحتاج عناية مشتركة، سيتغير الكثير.

وفي أعماق معظم العلاقات، لا تختفي الرغبة لأن الحب مات، بل لأنها فقدت البيئة التي كانت تتنفس فيها. الرغبة تحتاج ضوءًا نفسيًا، تحتاج هدوءًا داخليًا، تحتاج لمسة صادقة بلا توقعات، تحتاج كلمة تُعيد الطمأنينة، تحتاج قربًا يشعر فيه الطرفان بأنهما متساويان في الحاجة والحنين. وعندما تُمنح هذه المساحة، يعود الجسد ليتحدث من جديد، وتعود العلاقة لتتنفس، ويستعيد الحب جزءًا من بريقه الذي كان.