الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حاوي بدرجة رئيس.. أردوغان يخوض مغامرات عسكرية خارجية لتعزيز سلطته بالداخل.. تدمير قدرات الجيش التركي يتزامن مع عسكرة المجال السياسي المدني.. والزي المموه كلمة السر

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

أردوغان ووزراؤه المدنيون يتعمدون الظهور بأزياء عسكرية
25 مليون سلاح ناري في تركيا بحوزة المدنيين معظمهم غير مرخص
أردوغان أبعد الجيش عن السلطة السياسية ليحتكرها لنفسه
القوات المسلحة التركية تعاني من عجز بنسبة 35% في كادر الضباط


هل أبعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجيش عن السلطة السياسية أم وسع حضور الجيش في المجال العام؟ الواقع أنه فعل الأمرين معًا وفي نفس الوقت.

نشر موقع "المونيتور" الأمريكي تقريرًا شرح فيه كيف طبق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معادلة خبيثة لحقن المجال السياسي العام بخطاب عسكري الصبغة لشحن المشاعر الوطنية المتعصبة، وتقليم أظافر الجيش في الوقت ذاته لطرحه خارج معادلة السياسة الداخلية تمهيدًا لاحتكارها، من خلال إشغال القوات المسلحة بمغامرات عسكرية خارجية.

وبحسب الموقع، ربما يكون العدوان التركي على شمال سوريا، المسمى رسميًا عملية "نبع السلام"، قد انتهي، لكن جهود عسكرة المجتمع التركي السابقة واللاحقة للعملية ماضية قدمًا بطاقتها القصوى.

ومنذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في منتصف عام 2016، لا يكاد يمر شهر دون أن تظهر صورة في الصحف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو أحد وزرائه المدنيين في زي عسكري يزور موقعًا عسكريًا ما أو يؤدي التحية العسكرية، وصار من المعتاد رؤية قيادات الصف الثاني بحزب العدالة والتنمية الحاكم يلقون خطابات سياسية في أزياء عسكرية، بالرغم من كونهم مدنيين.

وأضاف الموقع أن هذا الاتجاه لعسكرة المجتمع في تركيا تجاوز الأزياء والهتافات والشعارات إلى القرارات التنفيذية، ففي مارس 2018 زادت الحصة السنوية من الذخيرة المسموح للمدنيين بحيازتها من 200 إلى 1000 خرطوشة، فيما كشفت دراسة أن هناك أكثر من 25 مليون سلاح ناري في تركيا بحوزة المدنيين، 85% منهم غير مرخص.

ومنذ تسلم حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان السلطة في 2002، زاد عدد ضباط الشرطة بنسبة 61.3%، وتوسعت سلطاتهم والحصانات الممنوحة لهم، بخلاف عدد ضباط الجيش الذي انخفض بنسبة مثيرة للقلق منذ محاولة الانقلاب الفاشل، وكشفت وزارة الدفاع التركية هذا العام أن عدد العاملين بكادر الضباط يكفي بالكاد لملء 65% من مواقعهم، وقد أطاحت عمليات إعادة الهيكلة المستمرة للجيش التركي بالضباط من الرتب العليا بوجه خاص.

ودأب أردوغان منذ سنوات على أن يطل على الجماهير بخطاب رسالته الأساسية أن تركيا تخوض "حرب وجود وبقاء"، وفي خلفية النشرات الإذاعية تعزف باستمرار فرقة الموسيقى العسكرية العثمانية.

في 2002، تعهد أردوغان بتقليص، إن لم يكن إنهاء، دور الجيش في السياسة التركية، وبالنظر لتجربة الانقلابات العسكرية المتكررة في التاريخ التركي، حظي هذا الوعد بتأييد ودعم واسعين من الليبراليين والأكراد والإسلاميين وأنصار انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قادر هاس التركية سرهات جوفينج إن المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو 2016 كانت نقطة تحول فارقة، عندها عادت نغمة تمجيد الشهادة والعسكرة ترتفع من جديد، مضيفًا "اليوم نرى نتائج هذه العملية، فحين نطالع الواجهات نرى وجوهًا مدنية، لكن العقليات الكامنة وراءها تمت عسكرتها بالكامل".

ويتابع جوفينج "لقد أدرك أردوغان أن القوات المسلحة أداة فعالة في السياسة الداخلية والخارجية معًا، فمتى طفت مسألة الجمود السياسي في الداخل إلى السطح، كان الحل الناجع هو تنفيذ عملية عسكرية خارج حدود تركيا"، وكل عملية عسكرية فيما يبدو تفتح شهية أردوغان للمزيد.

وسُئل أستاذ العلاقات الدولية باسكين أوران عما وصل إليه وعد أردوغان بعد 17 عامًا من قطعه، فأجاب بلكنة يشوبها شيء من السخرية "لقد وفى به بشكل مثالي. لقد أنهى الوصاية العسكرية فقط ليستبدلها بوصايته هو، وشرع في تنفيذ مشروع يمزج بين الهوية التركية والإسلاموية، وكان التطبيق العملي هو غزو سوريا".

وتابع الموقع أن أردوغان لم يعد يبالي بإعادة كرة السياسة إلى ملعب المدنيين، وبدلًا من ذلك فقد شجع توسيع دور الجيش في السياسة، ولكن لماذا؟

يجيب أستاذ العلاقات الدولية بجامعة توب التركية للاقتصاد والتكنولوجيا بوراك أوزبك بالقول إن "وعد التمدين يستلزم النهوض بمسئوليات معينة. إن مفهوم حزب العدالة والتنمية للتمدين هو تطهير النظام من العسكريين المتنفذين. وفي الواقع يتطلب وعد التمدين التحلي بمهارات خاصة لحل المشكلات السياسية والاجتماعية دون اللجوء إلى العنف أو ممارسة القوة، وهذا يعني أن عليك توسيع الحريات الشخصية والإبقاء على حالة من الحوار المجتمعي المستمر. وبينما تتوسع هذه الحريات من المتوقع أن تُحل المشكلات بالحوار السياسي لا الخطاب الأمني، ومن المتوقع بالتالي أن تطال عملية التمدين الثقافة وأعضاء النظام الحاكم، وهذ يعني أن حزب العدالة والتنمية مُطالَب بمشاركة المجال السياسي مع مؤسسات المجتمع المدني والتفاوض معها وتقديم تنازلات وما إلى ذلك"، وهو امر لا يقبل به أردوغان وحزبه فيما يبدو.

ويشرح سولي أوزيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة قادر هاس كيف أُخضعت القوات المسلحة لإعادة الهيكلة بالقول "بمجرد أن فقد الجيش دوره المركزي في النظام السياسي، وبعد الضربة القاصمة التي أصابت شرعيته بعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016، شعر حزب العدالة والتنمية أن الوقت قد بات مناسبًا لإعادة تشكيل الجيش وفق تفضيلاته وأولوياته وميوله الخاصة. وهذه العملية، بجانب الاستنزاف السياسي لحزب العدالة والتنمية وتكثيف استخدام السياسة الخارجية كأداة لمراكمة السلطة السياسية في الداخل والحاجة المتزايدة للحزب للاعتماد على القوى الوطنية المتعصبة للحفاظ على السلطة السياسية، كل ذلك صبغ المجتمع بالصبغة الأمنية".

لقد نجحت تركيا في تقليص هيمنة الجيش على المجال السياسي، ولكن ليس باتجاه تمدين الأخير. وفي الواقع، أثبتت التجربة أن الإلحاح في إظهار الرموز والشعارات العسكرية يفيد حيث تخفق السياسات المدنية، وحيث تتحول مشكلة المواجهة مع الأكراد إلى أزمة دولية.

إلى أين يقود كل ذلك تركيا؟ يجيب جنرالان متقاعدان من الجيش التركي اشترطا عدم ذكر اسميهما بأن "أردوغان ينطلق من افتراض خاطئ بأن إظهار الانحياز للجيش والظهور بالزي العسكري يعززان شرعيته، وهذا ليس صحيحًا. أردوغان عاجز عن رؤية الحقيقة التي تكشفها استطلاعات الرأي بشأن شعبيته لأن غبار الحرب يعمي عينيه، وهو لا يسمع شكاوى المجتمع لأن هتافات تمجيده باعتباره القائد الأعلى للجيش تصم أذنيه".

وكان لدى أوزيل إجابة أكثر حكمة، فقال "يومًا ما، قال الرئيس السابق عصمت إينونو إنه لا يمكن لأحد أن يملك جيشه الخاص في تركيا، ولا يجب لأحد أن يحاول ذلك".

في الوقت الراهن، انتشرت بشكل ملحوظ ظاهرة شراء المدنيين الأتراك أزياءً عسكرية، خاصة للأطفال، وليس مؤكدًا ما إذا كان الأتراك يولدون جنودًا كما يزعم نظام اردوغان، لكن الكثيرين منهم الآن يتجولون بأزياء عسكرية مموهة.