الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأدَبْ.. ومَتاهَة التَغْريبْ

حفل الأدب العربي الحديث بعدد لا حصر له من النصوص الروائية والدراسات النقدية التي تتناول الصراع الثقافي والحضاري بين الشرق والغرب،... وتكْمُن المأساة في عدم نشوء علاقات تتسم بالتوازن بين الجانبين – فقد باتت حضارة الغرب حُلْماً ووعداً بالرفاهية للعرب والمسلمين – حتى وإن كان الحُلْم كاذباً والرفاهية زائفة. ومع ذلك فقد هاموا بها، وبالغوا في تقليدها، حتى غاب عنهم وجهها الآخر الذي شوه كل ثقافة ودمَّر كل حضارة – عبر المسار اللإنساني الذي ارتضته في التعامل مع كل من يلجأ للرفض أو المقاومة، أو يسعى للحفاظ على الذات ...!؟!.

 عبر "رؤية مغايرة" من خلال "نقد الذات" قدم لنا الكاتب والروائي المصري "سليمان فياض" روايته القصيرة بعنوان "أصوات" التي تدور أحداثها في قرية "الدراويش" إحدى قرى الريف المصري – وعلى خلاف أغلب الأعمال الروائية التي تناولت "الصراع الثقافي" بين الشرق والغرب – جاءت بالغرب إلى الشرق، فقد انتقل "سليمان فياض" بساحة اللقاء أو الصدام من أرض الآخر في أوروبا إلى أرض الشرق – كتب فياض "أصوات" بعد هزيمة يونيو بخمسة أعوام، منتصراً للغرب، ومندداً بالشرق الذي استمرأ "جمود الذات وركودها"، لهذا نجده ينشدَّ الخلاص لدى الآخر بعد أن تداعت أوهام التجربة القومية وأحلام الناصرية على وقع أحداث ومصائب الهزيمة المروعة والأليمة في يونيو 1967...!؟!.

 يشير "فياض" إلى الغرب الذي تجسده الصحفية الفرنسية "سيمون" زوجة المغترب المصري "حامد البحيري" ابن قرية "الدراويش" واختار هذا الاسم لها تعبيراً عن حالة البلادة والتواكل التي تضرب أطنابها – فقد هرب حامد من قريته عندما بلغ العاشرة من العمر منذ أكثر من ثلاثين سنة عاشها في غربته. وألقت به الأقدار بعد معاناة التشرد والإهمال والجوع في موطنه إلى "باريس" عاصمة النور – حيث المجتمع المفتوح بلا قيود الذي يتيح الفرصة للارتقاء الاقتصادي والاجتماعي بالكد والاجتهاد – في هذا المناخ تمكن البحيري من بلوغ النجاح وتكوين الثروة والزواج من "سيمون" وعندما فكر في العودة إلى قريته في زيارة قصيرة بصحبة زوجته، ترك أطفاله ثمرة هذا الزواج هناك، وكان يهدف من رحلته تلك أن تتعرف شريكة مشوار نجاحه على أهله وموطنه- وعندما وصلت "البرقية" التي تعلن اقتراب موعد مجيئهم، شعر أهالي "الدراويش" أن هناك مظاهر معيبة في حياتهم وحياة قريتهم لا ينبغي للآخر متمثلاً في "الزوجة الأجنبية" أن تطلع عليها، فشمروا عن سواعدهم لتنظيف شوارع القرية لاستقبال المغترب العائد وزوجته ...!؟!.

 ... عند حضور "سيمون" بهرت أبناء القرية – رجالاً ونساءً – ليس بجمالها فقط وإنما لبساطتها وحيويتها – فقد كشفت أمام أعينهم، ودون أن تدري ، مدى جهلهم وركودهم – لينتهي الأمر بالتآمر عليها من جانب نساء القرية، اللائي خسرن المقارنة معها في نظر أزواجهن، فقمن بختنها قسراً في غياب زوجها، ليتركوها تنزف إلى أن تلفظ أنفاسها بين أيديهن- وعندما جاء "مأمور المركز" بطبيب الصحة لاستخراج شهادة وفاة مزورة "درءاً للفضيحة" مثلما يحدث في حالات مشابهة – سأل المأمور "الطبيب" عن السبب الحقيقي لموت "سيمون" – أجابه الطبيب متساءلاً بدوره: موتها هي أم موتنا نحن؟؟!!! في إشارة من الكاتب عن قدرتنا العجيبة على وأد كل أمل في تجديد أو تغيير أو نهوض!!!... ويخلص كاتبنا إلى القول – بأنه مهما كانت مرارة الواقع الذي نعيش فيه، فإنه لابد من تغيير هذا الواقع، إذا ما أردنا الحياة، كما يرنو لها الأحياء"...!؟!.

 ... ثم تأتي الرواية الصادمة "الحب في زمن العولمة" للروائي الأردني "صبحي فحماوي" صدرت تلك الرواية في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين – يرصُد خلالها مدى بشاعة التداعيات والتشوهات التي أصابت المجتمعات العربية عبر مدينة من مدنها – لم يشأ أن يسميها أو يُحَدِّد موقعها على الخريطة، في إشارةٍ واضحةٍ منه إلى أنها تدل على مدن العرب جميعاً، التي تم اختراقها، لتصاب بداء العولمة وما يكتنفه من فوائد تتلاشى أمام ما يجلبه من مصائب- فبعد رواية "أصوات" لسليمان فياض التي جاءت بالغرب المتمدن على استحياء إلى الشرق المتخلف لتعري مدى تخلفه وتراجعه – تأتي هذه الرواية "الفاضحة" لتفضح التشوهات التي لحقت بالمدن العربية وقد رضخت لشروط العولمة، حيث تمت إزالة الحواجز وأُلغيت القيود، لتُفتح الحدود ولكن في اتجاهٍ واحد....!؟!.

 ... في دلالة رمزية من "المؤلف" على تسمية بطل الرواية "سائد" وشيوع هذا المعنى في كافة المدن العربية الفاقدة للمناعة لأدنى مقاومة لمغريات تيار العولمة الجارف – فالنموذج السائد أن من يتعاطون أعمال البيزنس، إنما يشتركون في أساليب التحايل على القانون، فهم ليسوا أكثر من مجرد وكلاء لشركات عملاقة تتخطى بنفوذها كافة الحواجز والقيود، فلا تعترف بغير مصالحها ومكاسبها دون مراعاة لمصلحة وطنية أو اعتبارات إنسانية. هذه الكيانات لا يمكنها تحقيق مآربها وأهدافها دون عونٍ ومساعدة من جانب فئات الطفيليين التابعين لها في داخل المجتمعات وأشباه الدول التي تم اختراقها، حيث يقوم كيان مدينة العولمة المشوهة على وجود مجموعة فاسدة تخترق أروقة الحكم والإدارة – تتمتع بالنفوذ والمال، وترتبط عضوياً بمجموعات أخرى أكثر فساداً ممن يتولون القيام بالأعمال غير المشروعة، حيث شعارهم  الحاكم "من أجل الربح كل شيء مباح"...!؟!.

 ... في المقابل تجد الأغلبية البائسة أن حياتها كالعدم من جراء التلوث والغلاء– ويرى المؤلف أن من بين هؤلاء توجد قلة من الشباب الرافض لهذه الأوضاع، وقد أفاقوا من أوهام الإعلام فهالهم ما يحدث من دمار لحياتهم، فلا يجدون أمامهم من سبيل سوى إشعال النيران فيمن عرضوا البلاد للنهب والخراب بعد أن استباحوا الحق في حياة آمنة لمواطني بلادهم وانتهاكهم لكل ما هو نبيل من قيم وأخلاق، وحتى مشاعر الحب اختزلوها في علاقات بهيمية مشبوهة في أسواق النخاسة الجديدة بالمدن المتعولمة ...!؟!.

 ... الرواية تقدم لنا نتيجة ما آلت إليه أحوال العرب من انهزام وفقدان للمناعة، وانعدام المقاومة في مواجهة طغيان آخر تجليات الغرب في ظل "سُعار العولمة" التي استباحت الحدود والوجود على السواء"...!؟!.

 ... هذه هى أحوال "عالَمُنا العربي" المُتفاقمة – التي تناولها "الإبداع الأدبي"... فَمِن تَراجُع ثقافي وحضاري عاشَتْهُ "قرية الدراويش" في رواية "أصوات" – وصولاً إلى ما تشهده "المدينة العربية المتعولمة" في الرواية الصادمة "الحب في زمن العولمة" – بما يُثير التساؤل الحائر: إلى متى نَظل عرباً ومسلمين أسرى علاقات االتبعية للغرب ...؟!؟... وهل آن الأوان لِفَك قُيود ذلك الأسْر الذي طالَ أمَدَهُ على مَدى قرنين من الزمان ...؟!؟... ولماذا لا نَتَعَلَّم مِن تجارب الآخرين في العالَم مِن حَوْلِنا – شَمالاً وجنوباً – شرْقاً وغَرْبْ ...!؟!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط