الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التجربة الكازاخية.. مركز أستانا المالي يكتسب زخما دوليا وإشادات أوروبية بأهميته

مركز أستانا المالي
مركز أستانا المالي


اشتهرت كازاخستان المستقلة والطموحة بأصالة قراراتها الهادفة إلى جذب المستثمرين الأجانب إلى البلاد. ولم يكن إنشاء مركز أستانا المالي الدولي (AIFC) في العاصمة الكازاخية استثناءً، فقد أضحى مشروعا فريدا لبلدان رابطة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي.

كان إقامة مركز مالي في إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ومنطقة آسيا الوسطى، يستند إلى مبادئ القانون الإنجليزي، ولديه نظام ضريبي تفضيلي ومحكمة مالية مستقلة مشروعا مميزا. فقد كان الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف هو المبادر والمنظم الرئيسي لمركز أستانا المالى الدولى. وفى إحدى خطاباته بعنوان "خطة الأمة 100 خطوة فى 5 إصلاحات مؤسسية" أطلق الرئيس نزارباييف فكرته الاستثنائية لإنشاء مركز أستانا المالى الدولى على أساس البنية التحتية لمعرض "أكسبو 2017" وحتى يكون مماثلا لمركز دبي المالي. 

حدد الرئيس الكازاخي أولويات المركز المالي من خلال توثيق الوضع القانوني الخاص به في الدستور، وجعله مركزا ماليا لكل بلدان رابطة الدول المستقلة، والمنطقة وكل دول غرب ووسط آسيا، وأصدر الرئيس المرسوم اللازم لذلك. وتم إنشاء نظام قضائي مستقل ذو اختصاصات خاصة، يعمل وفقا لمبادئ القانون الإنجليزي. ويتكون فريق القضاة بالمحكمة من عدد من الخبراء الأجانب.

خلال زيارة الرئيس نزارباييف للمملكة المتحدة منذ عامين، التقى جاكوب روتشيلد، وهو شخصية غنية عن التعريف، وفى غضون يومين فقط أضفى البرلمان الكازاخي الصيغة التشريعية على المركز. وقبل عام من الآن وبالتحديد فى يناير 2018 أنطلق العمل بمركز أستانا المالى الدولى بشكل رسمي. 

تخطط كازاخستان في المستقبل، أن يصبح هذا المركز واحدا من بين المراكز المالية العشرين الأكثر تقدما في العالم. لكن السؤال هنا ما الذى يجعل مركز أستانا جذابا للمستثمرين الأجانب؟ 

أولا: وقبل كل شيء، الشروط التفضيلية غير المسبوقة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك اللوائح التنظيمية المالية المستقلة والقائمة على المعايير الدولية. فالملاحظ أنه قد شغل المناصب الرئيسية فى المركز البريطانيين وهم الفقهاء في الفقه القانوني والقانون الدولي. كما أن نظام القضاء البريطاني معروف في جميع أنحاء العالم، وتعد لندن مركزا قانونيا عالميا. وبالتالي، فإن هذا الجانب هو الضامن لمحاكمة غير متحيزة وعادلة.

ثانيا، يتميز مركز أستانا بنظام قانوني خاص لا يعتمد على النظام القضائي فى كازاخستان وتم تأسيسه وفقا لمبادئ القانون البريطاني. وتم اعتماد اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة التعامل الوحيدة داخل المركز. كما يعد وضع القضاة داخل المحكمة محل اهتمام، حيث أنهم يضمنون حماية حقوق ومصالح المستثمرين الأجانب. وهو ما يتفق مع سعى كازاخستان للحصول على سمعة اقتصادية نظيفة لا تشوبها شائبة، وكذلك لخلق الظروف الملائمة التي تسمح لكبريات الشركات العالمية بالعمل داخل المركز. 

ثالثا، أن قائمة المزايا التى يتمتع بها المستثمرون داخل المركز طويلة. حيث تصل التفضيلات الضريبية إلى 50 عاما. كما أن المشاركين بالمركز يتم اعفائهم من ضريبة الدخل الشخصي وضريبة دخل الشركات حتى الأول من يناير 2066. 

هذا، إلى جانب نظام العمل ونظام التأشيرات المبسط. كما يحصل العاملون الأجانب بالمركز وأسرهم على تأشيرة دخول إلى كازاخستان لمدة خمس سنوات. كما أن مواطني دول منظمة التعاون والتنمية، والإمارات، وماليزيا، وسنغافورة وموناكو والدول الأخرى التى تحددها الحكومة الكازاخية يمكنهم الدخول إلى كازاخستان بدون تأشيرة لمدة شهر كامل. والميزة الرائعة الأخرى هى الإيجار المجاني للمكاتب من فئة (A) خلال أول عامين من العمل. 

وبالتالي، فإن كازاخستان تُظهر أقصى درجات الولاء للمستثمرين الأجانب،بهدف خلق مناخ استثماري مواتٍ من الأولويات السياسية والاقتصادية بالبلاد. وزيادة في الاهتمام بحل مشاكل رجال الأعمال الأجانب تم إنشاء وزارة خاصة للاستثمار والتنمية، وبفضل أنشطتها، تم تبسيط الحصول على الخدمات العامة للمستثمرين إلى أقصى حد، وتم تقليل الحواجز الإدارية. وقد عملت بنجاح حتى نهاية العام الماضي، وبعد الانتهاء من مهمتها، أعيد تنظيمها. وتم نقل صلاحياتها المتبقية إلى وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة الخارجية.

وإذا أضفنا هنا التجربة الكازاخية المتمثلة في السياسة الدبلوماسية المتعددة الأطراف التي التزم بها الرئيس نزارباييف طوال هذه السنوات من حكمه، فليس من المستغرب أن يكون هناك طلب كبير على المقترحات الكازاخية. كما أن الزيارات الخارجية ومؤتمرات القمة في أستانا تنتهى بعقد منتديات الأعمال وتوقيع عقود تجارية جديدة. والملاحظ انه حتى قبل افتتاح المركز المالي في أستانا، سجلت به أكثر من 55 شركة. ووفقا للسيد قيرات كيليمبيتوف، مدير المركز، يجب أن يتجاوز عدد هذه الشركات 500 شركة بحلول عام 2020. 

يقول كليمبيتوف: "بالنسبة لنا، فإن المؤشر الرئيسي للكفاءة، بالنظر إلى أننا لا نجمع الضرائب من المؤسسات المالية، سيكون حجم اجتذاب الاستثمار الأجنبي. نحن نعتقد أن هذا هو المنطق السليم. هذه الاستثمارات لم تكن لتأتي إلى كازاخستان. إن عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمار ستخلق فرص عمل جديدة، و ستؤدى إلى زيادة في القوة الشرائية في بلادنا، وسيكون هذا بالنسبة لنا إضافة كبيرة". 

وطبقا لما قاله رئيس وزراء كازاخستان باكيتجان ساجينتاييف، في الجلسة العامة لمنتدى (Astana Finance Days) فإن المركز سيوسع بشكل كبير من الإمكانيات الدولية لكازاخستان، وسيسمح لها بتبوأ مكانتها على الخريطة العالمية. ويقول رئيس الحكومة الكازاخية نصا: "تنظر كازاخستان لمركز أستانا المالى الدولى باعتباره جزءا من النظام المالي العالمي. تمر السلسلة العالمية للمراكز المالية التي تدير التدفقات النقدية العالمية عبر جميع أنحاء العالم تقريبًا من تورنتو إلى سيدني ومن طوكيو إلى نيويورك. ولكل واحد منهم مكانته الخاصة". 

كما أشار رئيس الوزراء الكازاخي قائلا: "إن أستانا واحدة من الروابط الرئيسية في الطرق الجديدة فى المبادرة العالمية الحزام والطريق؛ لذلك، سيصبح مركز أستانا جسرًا ماليًا واقتصاديًا طبيعيًا بين غرب الصين ومنغوليا من ناحية ودول أوروبا من ناحية أخرى. وسيفتح كل هذا المجال للوصول إلى سوق عملاقة بها أكثر من مليار شخص".

ما يمكن تلخيصه إجمالا أن مركز أستانا المالى الدولى يتمتع بموقع جغرافي فريد، ويعطى الإمكانية للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والقوقاز وبلدان الشرق الأوسط. كما أن الخبراء الأوروبيين أنفسهم يدعمون أيضًا فكرة ظهور جسر مالي جديد في العالم بين أوروبا وآسيا. 

من ناحية أخرى، ووفقا للتوقعات الأولية من قبل السلطات الكازاخية، سيكون مركز أستانا قادرًا على جذب المليارات من الاستثمارات إلى اقتصاد البلاد.ولعل أستانا تدرك جيدًا أن المنافسة على المستثمرين تتزايد كل يوم، وأن المنتج الواعد الذى يفي بمتطلبات وهذا يعني أنه يجب على كازاخستان أن تلتزم بذلك.