الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مَكانة الأُمَّة في الإسْلامْ

من أهم المؤلَّفات التي تناولت مفهوم "الأُمَّة" في الإسلام بالتحليل والتأصيل – كتاب "الأُمَّة القُطْب"* للأستاذة الدكتورة "مُنى أبو الفضل" أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة – رحمها الله رحمة واسعة – التي أوْضَحَتْ فيه أن من خصوصيات هذه الأُمَّة ارتباطها بحقيقة التوحيد لِكَوْنِه وِعاء الرسالة الخاتِمة – فالرسول الكريم عندما لَقى رَبَّهُ لم يَخْلُفْ وراءه إمارة أو دولة – لكنه ترك أُمَّة انْبَثَقَتْ منها المؤسسات والمدارس والأئمة والدول – فليست الدولة في الإسلام مداراً للأُمَّة "قياماً وتطوراً وامتداداً وضموراً" – ولكن الأُمَّة تدور مع العقيدة – فالعقيدة هى مُنْطَلَق بِناء الأُمَّة – أمَّا الدولة فقد تكون أولا تكون – فعندما تقوم الدولة تكتمل مُقْومات البِنْية العُمْرانية للأُمَّة، لتُصْبِح أداة تمثيلها وصيانة مصالحها والمُدافعة عنها – فالدولة ليْسَتْ هى التي تُنْشِئ الأُمَّة أو البديل عنها – لكنها تَدْخُل في عِداد الهيئات المكملة لها...!؟! – وطالما أن هُناك قُرْآناً فهُناك أُمَّة – فالأُمَّة المُسْلِمة هى التي شَهِدَ التاريخ مولدها مع شهادة التوحيد – فالمُسْلِم الفَرْد حين يتوجَّه ويأْخُذ العهد فرداً ويقول "أشهد أن لا إله إلا الله – وأنَّ محمداً رسول الله" ينتقل بعدها ليكون جمعاً في "إياك نعبد وإياك نستعين" – فالفرد يدْخُل عقد الإسلام بشهادة تَشُدُّه بوثاق إلى خالقه، وبوشائج تربطه بجامعة ثابتة الأصول معلومة الوِجْهة – وكأنَّهُ قد اكْتَسَبَ بِموجب الشَهادة "عقيدة وهِداية – مع هويَّة وانْتِماء وغاية"...!؟!.

 ... توضِّح "الكاتبة القديرة" أنَّ المدخل إلى الأُمَّة في الإسلام يرتبط بالعقيدة أكثر مِمَّا يرتبط بِالدولة ومسارها التاريخي – فالعقيدة هى المؤسسة والقرآن الكريم هو المدرسة والرسول الأمين هو مصدر الاُسْوة الحَسَنة – وإذا كانَتْ الأُمَّة اليوم تعيش حالة فِصامْ – فإن العالَم الآن أحْوَج ما يَكون إلى نموذج "الأُمَّة القُطْب" التي تَعْلَمْ وتُعَلِّمُ أنَّ التَعَدُّد على أشْكالِهِ يُمَثِّلُ سُنَّة وآية، وأنَّ العِبْرة بأي نظام هى بقُدْرته وانفتاحِهِ على الاختِلافات النوعية، وليس بِمظاهِر التَكاثُر الشَكْلي والكَمِّي – مثلما هو حادث في إطار "نِظام دولي أُحادي القُطْب" وأحادي البُعْد، تتمَلَّكَهُ هواجِس الهيمَنة في ظِل جبروت العوْلَمة التي لا تعترِف بالتَعَدُّد ...!؟! – فالتَعَدُّد في حقيقته إنما هو أصلٌ مِنْ سِمات الخَلْق، وقاعِدة لِلتَعامُل، وليس صِراعاً وغَلَبَهُ وتَهْلُكة – مثلما نرى ما يدور أمام أعْيُننا من سِجالات العَصْر...!؟!... فإنْ كان العالَم في حاجة إلى نموذج "الأُمَّة القُطْب" فكيف يُمْكِن تقديم هذا النموذج وأهْلَهُ غائِبون ؟؟!... يعيشون أفراداً وأشتاتاً وبقايا جماعات في غَيْبَةٍ من الوعي وغَفْلَةٍ من المَقام – ولايُدْرِكون أن الأُمَّة صاحبة التمايُز والتَفَرُّد التي ينتمون إليها لم تَعُدْ أكثر من أشْلاء عصبيات مُتفَرِّقة ؟!؟ – لِهذا فإنَّ بِناء الوعي والتأصيل لَهُ هو الأمْر الأساس من جملة المُدْرَكات لِتقديم الاُمَّة نموذجاً لأهلها أولاً – قبل تقديمها نموذجاً لغيرها...!؟!.

 ... تؤكد الدكتورة "منى أبو الفضل" أن "الأُمَّة القُطْب" هى تلك الجماعة القيادية المميزة ذات القُدْرة الاستقطابية العالية التي تؤدي إلى آثار مزدوجة من حيث تماسُكها الداخلي، وانفتاحها أو جاذبيتها بالنسبة للغير على المستوى الخارجي – فهى نقطة إشعاع وجذب، كما أنها مركز التفاف واحتواء وصَهْر – الأُمَّة بِهذا المعنى تشير إلى ذلك الكيان الجماعي الذي يرتكز في تماسكه على عقيدة إيمانية شاملة ربَّانية المصدر، ومُجابهاً كافة أوجه الحياة في منظور مُمْتَد يَصِلُ بين الدنيا والآخرة...!؟! – فالأُمَّة التي جاءَ بها الإسلام – حتى وإن إلتقتْ مع أُمَم سبقتها وأُخْرى واكبتها حيث تتميَّز عنها – بخصائص تُباعِد بينها وبين غيرها – و تفترق عن غيرها من الأُمَم من حيث تجاوزها "عُنْصر الزمن" فهى ذات شخصية حضارية مُميَّزة، ولكنها ليست موقوتة بمسار تاريخي مُحَدَّد من حيث الإنشاء والإزالة أو الفَناء والإعادة – و مَرَدَّ ذلك هو ذات مصدر التمايُز الذي يجعل لأُمَّة الإسلام موقعها الفريد بين سائر أُمَم البشر – "فالأُمَّة المُسلِمة" وليدة عقيدة إيمانية ربَّانية جاءَت في سياق تاريخي – وهي في بقائِها واستمرارها حقيقة اجتماعية رَهْناً بالعقيدة التي انْبَثَقَتْ عنها بعيداً عن العوامل التاريخية التي تتفاعل معها ...!؟!.

 ... الأُمَّة في الإسلام إذاً – هى مُلْتَقى أجناس وشعوب مختلفة الجذور والألوان – ومن خلال موجات الإشعاع والجَذْب المُتعاقِبة تَشُدُّ إليها وتصَهر العناصر المُتباينة في "بوتقة تآلف جامع" دون أدنى إلغاء لِمعالِم مكوِّناتها المُتَعَدِّدة – لِتُقَدِّم لنا الأُمَّة تلك الصياغة الحيَّة والمِثالية التي طالما ميَّزت الحضارة الإسلامية بإبداعاتها المُتَفَرِّدة – وقدْ لفتت أنظار الدارسين والمُسْتَشْرقين بعنوانها الرئيس "التنوع في إطار الوحدة الجامعة" – فإذا كانت الأُمَّة كيان حيوي يتمتع بالذاتية والاستقلالية – بغض النظر عن المظهر المؤسس لهذا الكيان (دولة – خِلافة – إمارة – سَلْطَنة) فالذي يَكْفُل استمرارية الأُمَّة وعدم زوالها هى طبيعة "التنشئة الإسلامية" ذاتها والأصول المرتبطة بها، وما تؤدي إليه من تَجانُس داخلي فريد يَصْبِغُ الجماعة بِأسْرِها – فهُناك تَماثُل عميق بين أعضاء الأُمَّة يتجاوز المسافات والفواصِل الجُغْرافية، واختِلاف الدوَل بِما فيها مِن نُظُم سياسية مُتَعَدِّدة – فَهُناك من مَظاهر الترابُط العُضْوي العميق والتواتُر العجيب بين الأوساط الشعبية ما بين المغرب الأقصى ألى أواسِط آسيا في الجمهوريات الإسلامية الآسيوية...!؟!.

 ... في تقديمِهِ لكتاب الدكتورة "مُنى أبوالفضل" يقول المفكر الإسلامي الدكتور "طه جابر العلواني" – "... لقد أطَّلَعْت على بَعض ما كُتِبَ عَنِ "الأُمَّة الإسلامية" مِن زوايا مختلفة – ولعل أهم ما اسْتَفَدْت منه وتأثَّرْت بِهِ كِتابان – هذا الكتاب الذي أُقَدِّمه "الأُمَّة القُطْب" وكتاب الشيخ أبوالحسن الندوي "ماذا خسر العالَم بانحطاط المسلمين" – والكِتابان مُتكامِلان – فكتاب الإمام الراحل "الندوي" يوضح أنَّ انحطاط المسلمين وتفَكُّك أُمَّتهم كان خسارة بشرية عامة وكارثة إنسانية شاملة لم يقف ضررها عند الأُمَّة المسلمة وحدها، بل تجاوزها إلى بقيَّة العالَم – بينما يُمَثِّل كِتاب "الأُمَّة القُطْب" تحليلاً وتعليلاً علمياً دقيقاً وموضوعياً لذلك – وفي كلا الكتابين دعوة ضِمْنية للبشرية كلها لتدرك أهمية موقع هذه الأُمَّة للبشرية والجماعة الإنسانية في العالَم كله، لعلها تتوقف عن محاولات تدميرها – بل تُفْسِحُ لها مجال الظهور مرة أُخرى – إنْ هي عَقِلَتْ – لأن البشرية كلها لن تستطيع أن تَشْغَل الموقع الشاغِر الذي تركته بانحِطاطِها وغيابِها ... ويوضِّح الدكتور العلواني "... أنَّهُ لا نجاة للعَرَب ولا للمسلمين، ولا خَلاص لهم إلَّا بإعادة بناء "الأُمَّة" مفهوماً وواقِعاً بعد التَحَلِّي بالإرادة والتزوُّد بالفاعلية ..."...!؟!.
 ... رَحِمَ اللهُ العالِمة الجليلة الدكتورة "مُنى أبوالفضل" رَحْمَةً واسِعة – فهى صاحِبة مدرسة فِكْرية متميزة في المنظور الحضاري الإسلامي – وقَدْ أبْدَعَتْ في هذا الكِتاب "رؤيَتها" – وصْفاً وتحليلاً – لِمقومات الأُمَّة المُسْلِمة – فالكيان الجماعي للأُمَّة يرتكز على "عقيدة التوحيد" باعتبارِها القيمة العُليا التي تتنظَّم حولها في ترابُط واتِّساق بقيَّة القيَم الإسلامية الأُخْرى – مِنْ "الإخاء والمساواة" إلى "الحرية والتسامُح والسَلام" التي تستقر داخل كيان "الأُمَّة الوَسَط" وهي "الأُمَّة القُطْب" التي عَهِدَ الله إليها "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر" في إطار الإيمان بالله – بما تنطوي عليه رسالتها الحضارية من تكريس للعدالة "كقيمة تشريعية عُلْيا" لِانتِظام مَسار الكيان الاجتماعي والحضاري البشري ... وامتِثالاً لقيمة كونية أعلى تتمثَّل في "الوَحْدانية"... توحيداً لِلخالِق القادِر المُبْدِع ... ووحدة الخَلْق في اختِلافِهِم وتنوُّعِهِم...!؟!. 
  

 

 

 

 

 

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط