الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نامـت نواطـيرُ مصـر


لم يعد يمر يوم من أيام مصر إلا ونقرأ فيه خبرا عن قتل جنود في سيناء عن طريق قلب سياراتهم وتفجيرها بألغام أو بهجوم مسلح، بينما تخرج علينا البيانات الرسمية لتقول إنها حوادث سير، وكأن تلك الحوادث تذكرت سيناء فجأة، وتنتقي سيارات الجنود خاصة.
الواقع أن الدولة منذ انتخاب محمد مرسي رئيسا أهدرت دماء المصريين في كل مكان، في شارع محمد محمود، في التحرير، في الاتحادية، في المقطم، في بورسعيد، في السويس، في الصعيد، في شمال سيناء، في رفح.. فهل ينتظر عاقل منها الآن أن تحمي المخطوفين أو تفعل أكثر من التفاوض مع خاطفيهم من أجل الحفاظ على دمائهم "دماء الخاطفين" كما قال الرئيس في بيانه؟!!
نامت نواطير مصر عن حماية أرضها وشعبها، وأباحت كرامتها وحدودها وتاريخها لكل متسكع ومتنطع ومجهول هوية، فتركت سيناء نهبا لفصائل المستعربين عملاء الموساد، الذين يطلقون لحاهم ويسمون أنفسهم جهاديين، وتركت جبالها مرتعا لكتائب المرتزقة، ممن يسمون أنفسهم "القاعدة" حينا، و"الجهاديين" حينا آخر، وهم مجرد قتلة مأجورون، تدفع بهم أجهزة مخابرات معادية لتخريب الدول وانتقاص سيادتها، مقابل أن تفسح لهم المجال لتجارة المخدرات والسلاح والنساء، عبر استيراد وتصدير اليتيمات والمشردات والأرامل والثكالى في سوريا، ومن قبلها البوسنة والشيشان وألبانيا، هؤلاء النخاسون الدوليون الجدد، وأجنحتهم المستترة في شكل جماعات وتيارات وأحزاب ترفع شعارات دينية في الداخل، ممن ولغوا في دماء المصريين عبر سنوات طويلة، ومازالوا يحرضون على دمائهم في كل مناسبة، والذين جابوا العديد من بلدان العالم في حماية أقذر أجهزة مخابراتها بحثا عن رائحة الدماء والبارود، فيقتلون لحساب من يدفع، ويفجرون لحساب من يحمي ويمول ويسلّح ويدرب ويسهّل تحركاتهم بين البلدان المستهدفة.. هؤلاء الضالون المضِلون المضلَّلون المضلِّلون، وحلفاؤهم في مصر من الجماعة الخارجة عن القانون وأذنابها وإمعاتها من أحزاب اليمين المتطرف، هل ينتظر أحد منهم أن يحموا مصر والمصريين أو ينتفضوا لكرامتهم أو كرامة الدولة وهيبتها؟! وهل يعتقد أحد أن ما تقوم به فصائل المرتزقة في سيناء ليس بالتنسيق مع أذرعتهم بالداخل؟! وبالتالي، هل ينتظر أحد أن يفعل هؤلاء شيئا غير التفاوض مع حلفائهم ومساومتهم على كرامة مصر، مقابل إطلاق سراح الجنود، وأيضا إطلاق سراح عناصرهم من القتلة والمرتزقة الذين في السجون، بعد أن أطلق الرئيس بعضهم من قبل في عفو رئاسي؟!
أصبحت مصر الآن بعد ما يسمى "ثورة يناير" تفاوض الإرهابيين والمجرمين والقتلة والمرتزقة وعملاء الموساد والدول المعادية على دماء جنودها، وأصبح جيش مصر الآن يستهدف بالسب والقذف والتطاول من كذابي تيارات الضلال وقادة ميليشياتها، ومن أنصار الجماعة الخارجة عن القانون التي تتحالف مع المجرمين وأعداء الأمة من أجل هدم الدولة ومؤسساتها لتحتل هى وعصاباتها تلك المؤسسات، من أجل تنفيذ مشروعها المعادي للوطن والمواطن.
أصبح جيش مصر الآن في موقع الاضطهاد من الجماعات الأممية اللامنتمية في الداخل والخارج، وأصبح جنود مصر يُختطَفون، ويقتلون، ويضربون، ويشتمون، ويهانون، ويُهدَّدون.
أصبحت مصر الآن مستباحة، والمصريون شعب بلا دولة، لا يحميهم إلا الله، ولا يرزقهم إلا الله، وليس لهم من دونه وليا ولا نصيرا، فلا يبكي عليهم أحد، ولا يثأر لكرامتهم أحد، بعد أن غرق الجميع في مستنقع الخنوع، فباعوا الدولة، وباعوا الشعب، وباعوا الكرامة، وباعوا الوطن، واستمسك كل فصيل بما لديه، "فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ".
فمصر التي واجهت عبر قرون طويلة كل صنوف الاحتلالات والتآمر والمحق والمسخ والهدم، تواجه اليوم صنفا جديدا من كل ذلك في آن معا، ولكن هذه المرة يبدو الأمر أكثر خطرا، حيث إن أعداءها ليسوا شركسا، ولا أوزبكا، ولا أتراكا، ولا فُرسا، ولكنهم اليوم من بين شعبها، حتى لو كان بعضهم يميزون أنفسهم بلباس ليس من لباس المصريين، وبهيئة ليست من هيئتهم، ولكنهم يحاولون التحدث بألسنتهم، ويدعون دينهم، ولكنهم غير منتمين ولا مخلصين لتلك الأرض وهذا الشعب والوطن، لذلك فإن الأمر الآن يمثل خطرا داهما، لن يحمي مصر منه، إلا انتفاض أهلها للدفاع عنها بكل ما أوتوا من وسائل، فلم يعد الخلاف الآن في وجهات النظر، ولم يعد في نظريات سياسية، فالخلاف الآن بات على الوطن، إما أن يكون أو لا يكون. لأن ما يحدث الآن في مصر لم يكن له مثيل فيما مر على تلك البلاد من نوازل، فالتاريخ الذي اتهم عصر المماليك بالاضمحلال والتشرذم والمؤامرات والصراع على السلطة، أنصفهم في أن نخوة هؤلاء "العبيد" لم تسمح لهم بالتفريط في شبر واحد من الأوطان التي استخلفوا عليها وهم ليسوا منها، ولم تسمح لهم نخوتهم بالتواطؤ مع أعداء الأمة رغم عداوتهم لبعضهم البعض، بل تناسوا صراعاتهم واتحدوا في صد العدوان الصليبي وهزموه شر هزيمة، وفعلوا ذلك أيضا في وجه التتار.
تلك أخلاق من كانوا عبيدا وحكموا مصر بدماء فرسان أحرار وهم ليسوا من أبنائها، أما اليوم فنحن نرى في أرض مصر، وينتسبون إليها، أحرارا بأخلاق عبيد، لا يحفظون عهدا، ولا يوفون بوعد، ولا يحمون عرضا ولا وطنا، ولا يغارون على كرامة، ولا يتطلعون إلى حرية، ولكنهم يكتفون برفع شعارات الكذب الديني الذي يتسترون وراءه ويرتزقون منه، ولو على أشلاء الوطن، وكرامة أبنائه، وسلامة أراضيه.