الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سورة الناس.. الملجأ لك قبل وقوع أي شر..

صدى البلد

بسم الله الرحمن الرحيم﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾، ستة آيات تشكل آخر السور ترتيباً في كتاب الله الكريم،هي سورة الناس، وهي المعوذة الثانية بعد سورة الفلق، التي تحدثنا عنها سابقاً، وتأملنا في معانيها، وعرفنا أنها الملجأ والملاذ من كل الشرور الخفية التي تصيبنا من شر كل ما خلق الله، نأتي اليوم الى المعوذة الثانية لنكمل رحلتنا مع أشد هذه الشرور، وأخطرها على الإطلاق، وأكثرها تأثيراً في حياتنا كبشر، وهو شر الوسواس والوسوسة ، الشرالذي يسبق كل شر، وهو المحرك والباعث والمحرض لكل سوء، تعالوا نتأمل في معاني هذه السورة القصيرة التي تلخص لنا بإعجاز واختصار شديد معاني كثيرة جدا. هي مجرد تأملات في كتاب الله، ليس الغرض منها التفسير، والذي نتركه للمتخصصين، ومن هم أعلم منا بعلومه، لكنه مجرد تأمل وتدبر في آيات القرآن الكريم هو واجب مستحق علينا جميعاً.﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾(محمد- 24).

تبدأ السورة بأمر مباشر للنبي صلى الله عليه وسلم بـ﴿قُلْ﴾،وهو أيضاً بلا شك أمر مباشر لنا ولكل من تبع هذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم،﴿قُلْ أَعُوذُ﴾، التجأ وأحتمي وأستجير،بمن؟، ذكرت الآيات في تسلسل عجيب ثلاث مقامات متتالية، رب الناس، ملك الناس،إلهالناس،نستعيذ بالله عز وجل من مقامالرُّبُوبِيَّةُ، ومقام الْمُلْكُ، ومقام الْإِلَهِيَّةُ،نستعيذ بك يا الله رباً وملكاً والهاً. لكن لماذا هذا التسلسل والترتيب؟،لماذا لم تأتي قل أعوذ بالله وكفى؟، الأكيد أنه لا مجال للتكرار هنا، فكل حرف في كتاب الله له تأثير خاص ودلالة ومعنى لا يؤدي دوره حرف آخر إن حل محله، إذاً، تعالوا نتأمل في هذا الترتيب ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)﴾ الرُّبُوبِيَّةُ، وَالْمُلْكُ، وَالْإِلَهِيَّةُ.فهو الله رباً وملكاً والهاً مستحقاً للعبادة. لنكتشف أنه لكي نحتمي من شر الوسوسة بجميع أشكالها وصورها، يجب أن نلجأ الى الله وحده رباً وملكاً والهاً.

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، الله هو رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، هو خالق كل شيء ما علمنا منه وما لم نعلم، مفهوم الربوبية مفهوم شمولي عام لا استثناء فيهلشيء، فالله رب كل شيء شاء هذه الشيء أم أبى، فالرب هو المالك المتصرف، هو رب المؤمن ورب الكافر، لأنه من خلقهم ومن أوجدهم جميعاً، فهو المالك حتماً، وهو رب الناس، خالقهم وبارئهم ومصورهم، وفي هذا تفصيل أيضأ لكن لا مجال له الآن.الحقيقة التي تحكم هذا الكون أن له رب، هو الله، هو الذي أوجده ويملكه، هو رب كل شيء،لأنه خالق كل شيء،إذا نفهم من رب هنا أنه المالك، وهي ملكية خالصة لا ينازعه فيها أحد، فهذا الكون ملكاً خالصاً له حده، لأنه من أوجده وخلقه، وأجرى سننه، ووضع قوانينه التي تحكمه، ويتجلى اسم الرحمن في مقام الربوبية والتي سنخصص له مقالاً لاحقاً بإذن الله تعالى.  فصفات الربوبية وصورها تجلت لله تعالى الرحمنفي كل كونه.

﴿مَلِكِ النَّاسِ (2)﴾  : الله لم يخلق هذا الكون وترك إدارته لأحد ، فالله هو الملك، الحاكم، الذي يحكم ويهيمن بإرادته الخالصةوقدرته اللانهائية كل شيء في كونه، هو وحده يدير هذا الملكوتويدبر فيه كل أمر، وتتجلى هنا أسماء حسنى وصفات علا لله عز وجل، فهو الحي القيوم الذي يقوم على شؤون خلقه، وهو  لا يغفل عن كونه أبداً وهو العليم ، يحكم هذا الكون بعلم لا محدود لا نحيط بشيء من هذا العلم الا بما أراد الله لنا من طرق ووسائل ، وهو الحفيظ على ملكه ، وهو العلي العظيم ، وتجمع لنا آية الكرسي في سورة البقرة كل هذه الأسماء والصفات الإلهية العلا المتعلقة بالملك، تأملوا قول الله تعالى ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) ﴾ ، كلها من صفات الملك، فهو ﴿مَلِكِ النَّاسِ (2)﴾، وتأملوا كلمة كُرْسِيُّهُ وارتباطها بالملك﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ ، وسع ملكه وحكمه كل شيء في ملكوت السموات والأرض.

﴿إِلَهِ النَّاسِ (3)﴾: الإله هو المعبود، المطاع في أوامره وتكاليفه، والله عز وجل هو﴿إِلَهِ النَّاسِ (3)﴾، أي أنه تعالى الوحيد المستحق للعبادة بحق منالناس، كل الناس،لكن شاء الله تعالى أن يترك للناس حرية الاختيار ولم يقهرهم على ذلك وهي الأمانة التي عرضها الله على الإنسان، أراد أن يأتيه عباده حباً له وطمعاً في عطائه، ويعبدونه ويتخذونه الهاً لهم بكامل اختيارهم وارادتهم، وقد يعبد الكافر الهاً آخر، ويتخذ غير الله معبوداً له، لأن الله شاء أن يترك عباده أحراراً في اختيارهم في مسألة الألوهية. لكن الربوبية حاكمة مسيطرة ، فالله ربك شئت أم أبيت ، لأنه من أوجدك وخلقك، وخلق السنن والقوانين الكونية التي ستحكمك أردت أم لم ترد، لكن الألوهية اختيار، ولم يقهرنا الله أن نعبده ونتخذه الهاً ، وعبد الناس على مدار التاريخ الهة غير الله ، وهذا هو الضلال المبين، فهم اتخذوا من لا يستحق الهاً ، وتركوا المستحق الأوحد لها بحق وهو الله ، وهذا هو الظلم الأكبر، لأن الظلم هو أن تجعل شيء في غير موضعه، فمن أظلم ممن وضع الألوهية في غير موضعها ، عبدوا مظاهر الطبيعة وعبدوا الأصنام وغيرها واتخذوها الهة من دون الله، ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة هود - 53)  ، وتعجب مؤمن يس من اتخاذ قومه معبودا والهاً غير الله ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾،  واتخذ قوم موسى العجل الهاً ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (92) ﴾ ، فخاطب موسى السامري من وسوس لهم بذلك ﴿... وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ﴾ (طه - 97) ، حتى أن الله يتعجب ممن عبد هواه واتخذه الهاً ، فصار لا يحتكم لشيء الا لهوى نفسه وشهواته ونزواته، وهذا هو الضلال المبين ، تأملوا قوله تعالى :  ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (الجاثية – 23)

إذاً، نستعيذ بك يا الله رباً وملكاً والهاً،من ماذا؟ ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)﴾، الوسواس هو من يوسوس، أي فاعل عملية الوسوسة، والوسوسة هي حديث خفي متكرر لفعل شر، بالتأكيد شر، فلم ترد الوسوسة أبداً في القرآن لخير، وأكدت الآية أنه شر ﴿مِنْ شَرِّ﴾، معجمياً وَسْوس الشَّيءُ: أحدث صوتًا ناعمًا فيخفاء، ويقال لصوت الحلي وسوسة، لكن لماذا نقول إن الوسوسة هو فعل متكرر؟، من أين فهمنا هذا التكرار؟لو بحثت في آيات القرآن الكريم، سنجد أن جميع الأفعال الرباعية المضعفة في القرآن تفيد هذا المعنى ، التكرار ، فتكرارالحروف تنبيه على تكرارالمعنى ،دمدم، زلزل ، وسوس، عسعس، زحزح، كبكب، فالفعل زلزل ، قال تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ (الزلزلة: 1) ، فالزلزلة حركة سريعة شديدة متكررة ، والفعل دمدم،قال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ (الشمس: 14) ، فالدمدمة هنا : تضعيف العذاب، وتكراره وترديده، والفعل زحزح ، قال تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ (آل عمران: 185). ففي الزحزحة تكرير للزح الذي يعني الجذب بعجلة، والليل يعسعس في القرآن، أي يقبل ويدبر في تكرار قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) (التكوير: 17)، اذاً، فالوسوسة دائما متكررة، عن ابن عباس قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس" لاحظتم كيف أن الوسوسة مكررة بحسب الغفلة؟

وهي خفية، فالوسواس دائماً "خناس"أي متخفي، يتخفى ويلبس الأقنعة، كل الموسوسين هذه طبيعتهم الخنس والتخفي والتنكر، هذا هو ابليس كبير الموسوسين، وكذلك أيضاً كم من يوسوس لك من البشر، تجده خناس، تجده متخفياً في ثوب ناصح أمين، محب ودود، لا يظهر بشاعته وبشاعة ما يوسوس لك به أبداً، يتخفى بألف قناع،فلو أنت علمت الحقيقة، وأنما يحرضك عليه شر لك لما فعلته أبداً، صدقت يا ربي ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)﴾، فالوسوسة دائما هي تحريض لشر والوسواس دائماً خناس ولا يظهر أبداً بشاعة نواياه.

﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)﴾الوسوسة قد تكون اليك، أو تكون عليك، تكون اليك بمعنى أن يكون التحريض لك أنت بأن تفعل الشر، فتسئ لغيرك أو تضر نفسك فتذنب أو تقع في خطيئة، وقد تكون الوسوسة عليك، أي أن تكون الوسوسة لغيرك لكي يؤذيك أنت، وهي في كل الحالات تكون في صدور الناس، سواء كانت الوسوسة عليك لإيذائك أنت فتكون الوسوسة في صدر انسان أخر، أو الوسوسة اليك فتكون الوسوسة في صدرك أنت فأنت أيضاً من الناس، فالآية شاملة جامعة لكل الحالات.

﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾، فقد يكون الوسواس من الْجِنَّةِ ، الْجِنَّةِ هنا من خفوا ولا يمكن رؤيتهم ، ويشمل هذا الجن ، فهم سموا بهذا الاسم لخفائهم، وأشبعهم وكبير الموسوسين واقدمهم وهو الشيطان الرجيم، تأملوا ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾سورة الأعراف - آية 20 ، وفي سورة طه ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى﴾سورة طه - آية 120 ، لكن ليست الوسوسة دائماً من الشيطان أو من الجنة، فالوسوسة كثيراً ما تكون من الناس، وكم من انسان تصنع لك الود ، ووسوس لك فعل الشر ، أو وسوس لغيرك لكي يؤذيك أنت، وهو "خناس" أيضاً لأنه يتخفى ويتلصص ويظهر الخير والإخلاص لك ويخفى شره وحقده ـ وقد تكون النفس هي من توسوس، وتطوع لك فعل الشر، وتزينه لك، أوبتحريك الشهوة إلى المعصية﴿َولَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾، إذا ، نحن نلتجأ الى الله تعالى رباً وملكاً والهاً أن يحمينا من شر كل من يوسوس سواء كان هذا الوسواس ممن خفي عنا من الجنة ، أو من الناس ، كل أنواع الموسوسين مشمولين في الآية ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾،ونفسك مشمولة في الاستعاذة لأنها من الناس .

لقدأمرنا الله عز وجل بأن نلجأ اليه ونتوسل اليه من كل الأبواب رباً وملكاً والهاً ليحمينا من شر الوسوسة، وهيأكبر الجرائم وأخطرها، لأن الوسوسة هي الجريمة قبل كل جريمة، وهي الشر قبل كل شر، وهي الدافع لكل مكروه، لأنها التحريض عليه، فلا شر يقع الا من وراء وسوسة انسان او شيطان أو نفس أمارة بالسوء وحديث خفي متكرر، هذه هي الحياة. هل رأيتم حجم القضية المطروحة في سورة الناس، آخر سور المصحف، الله تعالى يقول لنا بوضوح الجأوا الي أنا لكي احميكم من الشر حتى قبل وقوعه، أحميكم من الشر والسوء وهو لا يزال مجرد فكرة وتحريض ووسوسة لم تنفذ . وأحميكم من شر كل وسواس خناس.هل فهمنا الآن سر هذا الترتيب؟﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)﴾، فنحن في أمس الحاجه لأن نطرق الأبواب الثلاثة مجتمعة  باب الربوبية وباب الملك وباب الألوهية ، ونحتمي بالله رباً وملكاً والهاً ليحمينا من هذا الشر الأعظم، فإذا كان الموسوس من الجنة وأبشعهم الشيطان ، فأنت تستعيذ بالله رباً ، فهو ربك ورب هذا الشيطان شاء أم أبى، وهو القاهر عليه ، ستستعيذ برب الناس ، وإذا كان الموسوس  بشراً يوسوس في نفس غيرك ليؤذيك فأنت تستعيذ بملك الناس ، الآمر الناهي في كونه ، بأن يحميك من هذا الشر ويدفع عنك هذا الشر، وتستعيذ برب الناس بأن يصرفهم بهيمته وقدرته عن ايذائك. وإذا وسوس لك أحدهم أو وسوست لك نفسك لإيذاء أحد أو إيذاء نفسك، فحتما من سيحميك من الوقوع في هذا الشر هو عبادتك لله الهاً، وحبك له وطاعتك له معبوداً مستحقاً للعبادة ، وخوفاً من غضبه وستستعيذ  بإله الناس ، يتعدد الوسواس ويتخفى ويتشكل ويتصور بألف صورة وألف شكل، ويبقى الله وحده هو المعاذ والملجأ والملاذ والحامي من شر هذا الوسواس الخناس، وشر وسوسته وتحريضه على كل شر،فالاستعاذة هنا في سورة الناس ليست من الشر نفسه، انما من شر الوسواس الذي يحرض على الشر، أي أنك تطلب الحماية والعوذ من الله في المرحلة التي تسبق وقوعه الشر والإيذاء، مرحلة التحريض والوسوسة الخفية المتكررة ، التي ان نجحت وقع الشر، ما أعظمك الهاً رحيما بنا، تطلب منا اللجوء اليك لتحمينا من حتى التفكير والتحريض الى وقوع شر بنا أو بغيرنا.