بينما تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة، تتجه الأنظار نحو الضفة الغربية التي تشهد تصعيداً سياسياً واستيطانياً يهدد بإنهاء أي أفق لحل الدولتين ودفن اتفاقية أوسلو.
إسرائيل تسارع في ضم أجزاء جديدة من الضفة الغربية:
وتمضي حكومة بنيامين نتنياهو بخطوات متسارعة نحو ضم مناطق واسعة، وسط تساؤلات حول الموقف الأميركي، وما إذا كان يشكل ضوءاً أخضر غير مباشر لهذه التحركات التي قد تعيد رسم المشهد الجغرافي والديموغرافي في المنطقة.
خريطة الضم.. من غور الأردن إلى القدس
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل تخطط لضم مناطق استراتيجية من الضفة، تشمل غور الأردن والمناطق المصنفة (ج)، التي تمثل نحو 60% من مساحتها ويسكنها قرابة 300 ألف فلسطيني.
وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر أكد لفرنسا أن الضم لن يتوقف عند حدود، فيما كشفت تقارير إسرائيلية عن وجود نقاشات متقدمة مع الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب عبر قنوات رسمية، في خطوة قد تسبق إعلاناً وشيكاً خلال الأشهر المقبلة.
التصعيد الاستيطاني
التحركات الإسرائيلية تتجسد ميدانياً عبر مشاريع استيطانية ضخمة، أبرزها خطة E1 لبناء 3500 وحدة سكنية في مستوطنة "معاليه أدوميم"، بما يعزل القدس عن محيطها الفلسطيني ويفصل شمال الضفة عن جنوبها.
كما صادق الكنيست على مشروع قانون لدعم فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، حيث يعيش نحو 700 ألف مستوطن، ما يعزز المخاوف الدولية من تكريس واقع دائم يقضي على أي إمكانية للتسوية.
الموقف الأميركي.. ضوء أخضر غير مباشر؟
ورغم تمسك واشنطن رسمياً باعتبار الضفة أرضاً متنازعاً عليها، فإن ممارساتها تكشف عن دعم ضمني للسياسات الإسرائيلية، وفق محللين. فقيود التأشيرات المفروضة على الفلسطينيين، إلى جانب تصريحات غامضة من مسؤولين أميركيين، توحي بأن الولايات المتحدة تكتفي بإدارة الأزمة من دون تقديم حلول.
الباحث حسين عبد الحسين أوضح أن الموقف الأميركي لم يشهد تغييراً جذرياً، لكنه أشار إلى غياب الرؤية الموحدة منذ عهد أوباما، حيث باتت واشنطن تميل إلى "إدارة الأزمات" بدلاً من السعي نحو تسوية نهائية.
غياب القيادة الفلسطينية.. عامل مفاقم
في المقابل، يعاني الفلسطينيون من أزمة قيادة واضحة، ففي غزة، أطاحت إسرائيل بقيادات الصف الأول والثاني في حماس، بينما تعاني السلطة الفلسطينية من تراجع شعبي ودولي، مع دعوات متزايدة لظهور وجوه جديدة تقدم رؤية مغايرة. هذا الغياب القيادي جعل الموقف الفلسطيني هشاً أمام مشاريع الضم، وترك فراغاً تستفيد منه إسرائيل لترسيخ وقائع جديدة على الأرض.
معضلة الديموغرافيا في المنطقة (ج)
أحد أكثر التحديات حساسية يتمثل في مصير نحو 300 ألف فلسطيني يسكنون المنطقة (ج)، فإذا مضت إسرائيل بالضم، ستكون مضطرة لمنح هؤلاء الجنسية، ما قد يخلق معضلات ديموغرافية وسياسية مشابهة للوضع في القدس الشرقية، مع تداعيات بعيدة المدى على هوية الدولة وموازين القوى الداخلية.
إسرائيل الكبرى.. بين الشعار والواقع
مفهوم "إسرائيل الكبرى" لا يزال في معظمه شعاراً سياسياً أكثر منه مشروعاً واقعياً، إذ يدرك قادة إسرائيل صعوبة فرض سيطرة ممتدة من "النيل إلى الفرات" في ظل التركيبة السكانية والقدرات المحدودة، فالتركيز العملي ينحصر حالياً في الضفة الغربية وغزة، مع اعتبارات أمنية تتعلق بالممرات البرية والبحرية لضمان التواصل الجغرافي الإسرائيلي.
انعكاسات إقليمية ودولية
ورغم خطورة التصعيد في الضفة، يرى مراقبون أن الأزمة قد لا تنتقل بالضرورة إلى جبهات أخرى مثل لبنان أو سوريا، في ظل التزامات إسرائيل باتفاقياتها مع دول الجوار. لكن استمرار الاستيطان والضم يهدد بتقويض فرص السلام الإقليمي ويضعف مصداقية أي مبادرات أميركية، خاصة في ظل انشغال واشنطن بملفات أخرى مثل أوكرانيا وإيران.
وتسابق إسرائيل الزمن لفرض واقع جديد على الأرض، مستفيدة من الانقسام الفلسطيني الداخلي والتراخي الدولي وغياب الرؤية الأميركية.
وإذا ما تحقق الضم، فلن يعني فقط دفن اتفاقية أوسلو، بل سيعيد صياغة قواعد اللعبة في المنطقة عبر خريطة جديدة أكثر تعقيداً. وفي ظل غياب قيادة فلسطينية متجددة ورؤية أميركية واضحة، يبدو أن مشروع الضم بات أقرب إلى واقع آخذ في التشكل، لا مجرد ورقة ضغط سياسية عابرة.