رسالة استغاثة .. اغتيال الكفاءات العلمية المصرية

رغم ما تبذله الدولة من جهود لإعادة النهوض بها وبأبنائها ، والارتقاء بهم اجتماعيا وثقافيا وعلميا ، خاصة بعد سنوات الظلام، التى هيأت المناخ لاهدار حقوق المواطنين على كافة المستويات ، بما فيها العلمية ، لايزال البعض يسير فى هذا الاتجاه الذى يقضى على كل المواهب ، ويحط من قدر المواطنين داخليا وخارجيا.
فالذى لا يعرفه الكثيرون ممن يتولون مواقع إدارية فى الدولة ، أن بلادى مصر ، كما أنها غنية بثرواتها الطبيعية التى حباها الله بها ، غنية أيضا بثرواتها من البشر والكفاءات العلمية ، التى علمت بلاد الدنيا ، وصدرت لهم العلم فى كافة فروعه ، وقد بلغ بهم الأمر إلى ان قامت بعض الدول بشراء عقولهم ، بعد أن أهدرتها بعض مؤسسات الدولة ، وتحولت إلى عنصر طارد للعقول المفكرة والأيدى الماهرة ، فهاجر العلماء من مصر لتستفيد بهم الدول الأخرى وتنسب الفضل لنفسها.
ومع أن ظاهرة هجرة العقول المصرية كانت فى فترات الظلام ، إلا أنها مازالت تطل برأسها فى وقتنا الحالى ، الذى تستنير فيه بلادى مصر بمنظومة إدارية جديدة تحافظ على أبنائها ، وهى الرسالة التى يبعث بها الرئيس السيسى من آن لآخر ويؤكد عليها من أن مصر هى أم الدنيا ، ولكن يبدو أن الرسالة لم تصل إلى بعض الجهات فى الدولة.
فلا تزال التعقيدات والبيروقراطية تتحكم فى القرار الإدارى لبعض الجهات ، خاصة المتعلق منها بالكفاءات العلمية والمواهب المصرية ، التى تفخر بها مصر بين الأمم.
باختصار لدينا حالة فريدة من العلماء الذين يتعرضون لأزمة حقيقية تؤكد أن رسائل التطور والحفاظ على العلماء المصريين لم تصل بعد إلى بعض الجهات.
فقضية الشيخ عبد اللطيف حسن طلحة، وهو واحد من علماء أزهرنا الشريف ، تؤكد أن هناك أزمة فى جهة ما، وأن تلك الأزمة انعكست على حالته التى تمثل بالأساس حالة مصرية وليست حالة فردية أو شخصية.
باختصار شديد الشيخ طلحة هو رئيس بعثة الأزهر إلى السنغال والمستشار الدينى لتطوير العلوم العربية والإسلامية بوزارة التعليم فى السنغال ، وقد ذاع صيته هناك حتى طلبته السنغال ليضع لها المناهج الدراسية للعلوم الإسلامية والعربية للمرحلتين الإعدادية والثانوية ، وقد باركت الخارجية المصرية ممثلة فى سفيرنا بالسنغال هذه الخطوة ، واعتبرتها انتصارا لمصر ، أن يكون واحد من أبنائها هو من يكتب المناهج فى السنغال ، وعليه تم لقاء بينه وبين وزير التعليم السنغالى على أن يقوم الشيخ طلحة بكتابة المناهج.
ولم تسر الأمور على ما يرام وتعرضت لأزمات أراد البعض أن يرجعها لأزمة الدولار حتى توقف الرجل ولم يستطع أن يكمل مهمته الوطنية العظيمة ، وهناك العديد من الأسباب التى لا يتسع المكان لسردها ، غير أن تفاصيلها لدينا لمن يرد الرجوع إليها.
الطامة الكبرى فى الأزمة أنه وفور علم بعض الدول الخليجية بها ، تسابقت من أجل استقطابه ، وعرضت عليه العمل براتب مغرٍ ، وأبدت بعض تلك الدول استعدادا للتكفل بعمله على أن يواصل وضع المناهج بالسنغال شريطة أن يتم نسب الفضل إلى تلك الدول ، وهى أزمة تدل على أن العقول المصرية لا تقدر بثمن وأن هناك من يقدرها ولكن للأسف خارج مصر.
ورغم كل تلك المغريات رفض الرجل أى عروض وأبى أن ينسب الفضل فى وضع المناهج فى السنغال لغير مصر، غير أنه فى حاجة إلى استكمال مشواره وإزالة العوائق التى تعترضه.
أزمة الشيخ طلحة تمثل رسالة استغاثة إلى كل أجهزة الدولة ، وفى المقدمة منها أزهرنا الشريف ، ووزارة الخارجية، بضرورة التدخل وحماية العقول المصرية والعلماء من مخاطر الاستقطاب ، فمصر أولى بأبنائها ، وأبناؤها أولى برعايتها.