الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علاء ثابت يكتب: الحديث في الشأن العام

علاء ثابت
علاء ثابت

قال الكاتب الصحفي علاء ثابت رئيس تحرير جريدة الأهرام إنه ينظر‪ ‬إلى‪ ‬الشأن‪ ‬العام‪ ‬بكل‪ ‬ما‪ ‬يعنيه‪ ‬ويتضمنه‪ ‬من‪ ‬قضايا‪ ‬باعتباره‪ ‬أمنا‪ ‬قوميا.‪

‬فالأمن‪ ‬القومى ليس‪ ‬موقفًا‪ ‬جامدًا‪ ‬يوجد‪ ‬فى فراغ،‪ ‬وإنما‪ ‬يتم‪ ‬تحديده‪ ‬فى ضوء‪ ‬كل‪ ‬من‪ ‬البيئتين‪ ‬الدولية‪ ‬والمحلية،‪ ‬وكل‪ ‬منهما‪ ‬يتغير‪ ‬بشكل‪ ‬دائم،‪ ‬والتغير‪ ‬الذى نمر‪ ‬به‪ ‬حاليا‪ ‬فى‪ ‬مصر‪ ‬بل وتمر‪ ‬به‪ ‬المنطقة‪ ‬والعالم‪ ‬يفرض‪ ‬علينا‪ ‬إعادة‪ ‬النظر‪ ‬فى التعريفات‪ ‬القديمة‪ ‬للأمن‪ ‬القومى،‪ ‬بحيث‪ ‬يتوسع‪ ‬المفهوم‪ ‬ليشمل‪ ‬إلى‪ ‬جانب‪ ‬قضايا‪ ‬الأمن‪ ‬القومى قضايا‪ ‬الشأن‪ ‬العام‪ ‬الاجتماعية‪ ‬والدينية‪ ‬والثقافية‪.‬

وأضاف "ثابت"، فى مقاله المنشور اليوم الجمعة بصحيفة "الأهرام" أن ‪ التنمية هى الباب الملكى لحماية الأمن القومى، وهنا أيضا لا بد من تأكيد أن ما تقوم به الدولة منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الأمور يندرج فى إطار "الحماية الذكية" للأمن القومى، فالهدف من التنمية حماية الأمن القومى للدولة والحفاظ عليها من كل المهددات التقليدية والجديدة التى تستهدفها بما ينعكس بطبيعة الحال على تحسين حياة المواطني..‬ وبناء‪ ‬على‪ ‬ذلك‪ ‬فإن‪ ‬الجهود‪ ‬التى تبذلها‪ ‬وزارة‪ ‬الأوقاف‪ ‬هى محاولة‪ ‬جادة‪ ‬لتلمس‪ ‬الطريق‪ ‬لحماية‪ ‬الأمن‪ ‬القومى المصرى. 

‬ولا‪ ‬شك‪ ‬لدى فى أن‪ ‬تلك‪ ‬الجهود‪ ‬ستكون‪ ‬بمثابة‪ ‬القاطرة‪ ‬التى ستسير‪ ‬خلفها‪ ‬جهود‪ ‬أخرى‪ ‬من‪ ‬كل‪ ‬المعنيين،‪ ‬لنصل‪ ‬إلى‪ ‬صيغة‪ ‬مثلى‪ ‬تجعل‪ ‬الحديث‪ ‬فى الشأن‪ ‬العام‪ ‬ليس‪ ‬مهددا‪ ‬للأمن‪ ‬القومى بل‪ ‬داعما‪ ‬له،‪ ‬فالأمن‪ ‬القومى هو‪ ‬غايتنا‪ ‬جميعا‪ ‬ودور‪ ‬كل‪ ‬منا‪ ‬فردا‪ ‬كان‪ ‬أم‪ ‬مؤسسة‪ ‬لا‪ ‬غنى‪ ‬عنه‪.‬

إلى نص المقال

تلبية للدعوة التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى للاهتمام بالشأن العام، خلال الاحتفال بالمولد النبوى، قبل نحو شهر، عقدت بجريدة الأهرام منذ أيام المناقشات الجادة والهادئة، حول الحديث فى "الشأن العام"، والتى نظمتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع الهيئة الوطنية للصحافة، وقد تم طرح أفكار كثيرة خلالها يأتى فى مقدمتها بناء الوعى.

ولم تكن المناقشات مقصورة على مجال محدد ولا شخص أو جهة محددة بل شملت جميع أطياف النخبة فى مصر من المفكرين والإعلاميين والمثقفين والسياسيين، ومن قبلهم رجال الدين بطبيعة الحال. إذ قال الرئيس "أنا لا أتحدث عن أهل الدين فحسب، بل عن السياسيين والاقتصاديين وأهل الثقافة، وكل المعنيين فى المجتمع". وأضاف "نحن نحتاج إلى أن نتحدث مع شعبنا باستفاضة فى الموضوعات المختلفة، ونعطى الفرصة للجميع ليتحدث، والكل يسمع، أرجو أن نتحرك فى هذا الاتجاه". وفى ذلك الإطار كان الحوار لنبحث العلاقة بين الشأن العام والأمن القومى.

إننى أنظر إلى الشأن العام بكل ما يعنيه ويتضمنه من قضايا باعتباره أمنا قوميا. فالأمن القومى ليس موقفًا جامدًا يوجد فى فراغ، وإنما يتم تحديده فى ضوء كل من البيئتين الدولية والمحلية، وكل منهما يتغير بشكل دائم، والتغير الذى نمر به حاليا فى مصر بل وتمر به المنطقة والعالم يفرض علينا إعادة النظر فى التعريفات القديمة للأمن القومى، بحيث يتوسع المفهوم ليشمل إلى جانب قضايا الأمن القومى قضايا الشأن العام الاجتماعية والدينية والثقافية.

ومن بين تعريفات الأمن القومى هناك تعريفان أراهما يتعلقان بموضوعنا اليوم ويعبران بوضوح عما نطمح إليه . أولهما تعريف "هنرى كيسنجر" حيث يرى أن الأمن القومى هو أى تصرفات يسعى المجتمع – عن طريقها – إلى الحفاظ على حقه فى البقاء.

وثانيهما تعريف "روبرت ماكنمارا" الذى يرى أن الأمن هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التى لا تنمو فى الواقع، لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة.

فى ضوء هذين التعريفين يصبح سعى الدولة إلى الحفاظ على تقاليد وثقافة المجتمع عملا من أعمال الحفاظ على الأمن القومى، وتصبح حماية الدولة من الاختراق الإعلامى والثقافى والدينى عملا من أعمال الحفاظ على الأمن القومى، ويصبح معه إطلاق المعلومات غير المدققة فى أى مجال والتى نطلق عليها الشائعات أيا كان المجال الذى تتعلق به هو عملا من أعمال تهديد الأمن القومى، ويتطلب بالضرورة مواجهة من الدولة.

وهنا يأتى تأكيد الرئيس السيسى مرارا على ضرورة أن يكون تناول القضايا أمام الرأى العام مبنيا على معلومات موثقة ودراية كافية بالموضوع المطروح للنقاش . وبالطبع فإن التنمية هى الباب الملكى لحماية الأمن القومى، وهنا أيضا لابد من تأكيد أن ما تقوم به الدولة منذ تولى الرئيس مقاليد الأمور يندرج فى إطار "الحماية الذكية" للأمن القومى، فالهدف من التنمية حماية الأمن القومى للدولة والحفاظ عليها من كل المهددات التقليدية والجديدة التى تستهدفها بما ينعكس بطبيعة الحال على تحسين حياة المواطنين.

هناك اتفاق على أن مفهوم الأمن يشير عمومًا إلى تحقيق حالة الشعور بالأمان ببعديه النفسى والجسدى، فالشعور بالأمان قيمة إنسانية كونية مرغوبة، فقد قال المولى عز وجل "فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". وهنا يأتى دور المعنيين بالشأن العام فى نشر حالة الشعور بالأمن مقابل المحاولات المستميتة من جانب أهل الشر لنشر الشعور بالخوف والذعر بين أفراد المجتمع، من خلال التشكيك فى قدرات أجهزة الدولة ومؤسساتها.

ولا شك أن تناول الشأن العام من غير المعنيين أحدث حالة من الفوضى والبلبلة، أصابت الرأى العام بحالة من فقدان الرؤية والبوصلة وخلق بيئة غير صحية لمقتضيات الأمن القومي. ومع انتشار وسائل الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعى وما أتاحته من فرص غير مسبوقة، ليدلى الناس برأيهم ومعلوماتهم أيا كانت فى كل الموضوعات، فنشأت حالة من السيولة غير المسبوقة وحالة من الضبابية بشأن كل الموضوعات، والأخطر أن تلك المعلومات، الحقيقى منها والمشوه، يخضع للتجميع والتصنيف والتحليل من قبل أعداء الوطن وتبنى عليها إستراتيجيات الحرب النفسية ضد الدولة. وإذا كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- قد حذر ونهى عن إطلاق العنان للسان للخوض فى كل الأمور بقوله "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فى النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ". فما أحوجنا اليوم لكبح ألسنتنا عن الخوض فيما نعرف وما لا نعرف ظنا منا أن ذلك يندرج فى إطار حرية الرأى والتعبير، بينما هو فى الحقيقة معول يتم استخدامه للنيل من الدولة وخلق حالة من التشتت الفكرى لدى الرأى العام .

وبناء على ذلك فإن الجهود التى تبذلها وزارة الأوقاف هى محاولة جادة لتلمس الطريق لحماية الأمن القومى المصرى. ولا شك لدى فى أن تلك الجهود ستكون بمثابة القاطرة التى ستسير خلفها جهود أخرى من كل المعنيين، لنصل إلى صيغة مثلى تجعل الحديث فى الشأن العام ليس مهددا للأمن القومى بل داعما له، فالأمن القومى هو غايتنا جميعا ودور كل منا فردا كان أم مؤسسة لا غنى عنه.

ويجب أن نكون على وعى بأن الحديث عن الشأن العام لا يعنى بأى حال وضع قيود عليه تحد من حريات الحوار والمناقشات، فالقضية تتجاوز اهتمامات الفرد المحدودة إلى المجتمع بأسره وبالتالى فإنه يجب أن يقدم عليه المتخصصون فى كل المجالات، ولاسيما عندما يكون الحديث متعلقا بحياة الناس ومصالحهم ومقدرات الوطن ووضعه الإقليمى والديني.