الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جرائم القتل

جريمة النحر شيء مستحدث على مجتمعنا المصري، رغم أن تاريخ الجريمة المصرية، به بعض حوادث القتل التي استخدم فيها القاتل السكين، لكنها لم تكن بنفس الوحشية التي نشهدها حاليا، لقد كنت شاهدة على إحدى محاولات نشر جرائم النحر بالشارع المصري في عام 2004؛ عقب سقوط بغداد على يد الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث صدرت في ذات التوقيت، صحيفتين، بدعم وتمويل أمريكي، عملت في إحداهما دون علمي بأنها صحيفة تصدر بدعم وتمويل أمريكي.

عهدت تلك الصحيفة لإجراء استطلاعات رأي مع كل فئات الشعب المصري، من أول عامل النظافة، وعمال التراحيل، وصولا لأساتذة الجامعات، ونجوم الكرة، والفن، كان هدف تلك الاستطلاعات؛ طرح الفكرة من خلال استطلاع الرأي الذي يجري في الشارع المصري، ذات يوم، طلب مني رئيس القسم إجراء استطلاع رأي حول ثقافة النحر... كانت أسئلة الاستطلاع التي يجب طرحها على المواطن، وكذلك كل فئات المجتمع، كما ذكرت فى السطور السابقة بهذا المقال: لماذا لا توجد بالمجتمع المصري ثقافة النحر؟!، ولماذا لا تنفذ جرائم القتل عن طريق نحر الضحية، والاكتفاء بالطعن؟!.

رفضت بشدة إجراء هذا الاستطلاع، موضحة لإدارة الجريدة، أن مناقشة هذا الأمر؛ هو بمثابة دعوة المجتمع إلى الارتكاب هذه الجريمة، وتأهيل المجتمع لتقبل الفكرة ذاتها، وصممت حينها على رفضي، ولكن قام زميل آخر- للأسف- بتنفيذ هذا الاستطلاع التخريبي، وكان من ضمن ما طرح في الاستطلاع: كيفية إفلات المتهم من العقوبة؛ فاقترح حينها خبراء القانون، تصويره على أنه موتور لأنه اتبع جريمة غير معتادة، وبها صعوبة في التنفيذ، حيث أن هناك عدة طرق أخرى لتنفيذ جريمة القتل، منها: السم، الرصاص، الطعن بمطواة، الحرق، الشنق، الإغراق، وغيرها من طرق أخرى لا أرغب فى الاسترسال بها، فعمدت تلك الصحيفة على نشر ثقافة النحر، ووضع التكييف القانوني لها، وإبراز مبررات ارتكاب الجريمة؛ لإفلات المتهم من العقاب، أو تخفيف العقوبة، من الإعدام شنقا، إلى السجن داخل مستشفى الصحة النفسية، عنبر 8 ج، الخاص بجرائم النفس، والتي يمكن بعد مدة قصيرة، أن يفرج فيها عن المتهم. 
 
لذلك أدعو كل المراكز البحثية، وأقسام علم النفس والاجتماع بكل الجامعات المصرية، لإجراء دراسات نفسية واجتماعية، ودراسة الظروف المجتمعية المحيطة بكل جريمة، للطرفين، الجاني والمجني عليه؛ للوقوف على أسباب وقوع تلك الجريمة؛ للحد من انتشارها، خاصة بين فئة الشباب؛ لأننا أمام اختراق من نوع جديد، يهدف إلى نشر جرائم القتل بين فئة الشباب، حيث شهدت الساحة المصرية، وقوع عدة جرائم نحر، سواء بين طلاب جامعات، وأخ وأخوه، وبين شاب ووالدته، ودوَّن بعدها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «لقد نحرت أعز ما لي.. ادعولي أخرج منها"!.. كيف لهذا الشاب الذي نحر والدته، أن يكون- بعد ارتكاب الجريمة- بهذا الثبات الانفعالي والهدوء الذي يجعله يلجأ إلى استخدام السوشيال ميديا؛ للإعلان عن جريمته الشنعاء، دون أن تهتز له شعره.

بجانب انقسام السوشيال ميديا إلى فريقين، فريق يؤيد ويدعم ويجمع تبرعات؛ لدفعها أتعابا لكبار المحامين، لإفلات أحد المتهمين في جريمة القتل من تنفيذ عقوبة الإعدام.. وفريق آخر يرفض ويندد ويطالب بسرعة تنفيذ العقوبة، مطلقين عدة مبررات للضحية.

والشيء اللافت للنظر؛ هو دخول بعض الشخصيات العربية المغتربة بإحدى الدول المعادية للدولة المصرية، معلنة رغبتها في دفع الدية عن القاتل، لأهل الضحية؛ الأمر الذي يؤكد وجود أيادٍ خارجية تقف خلف نشر الجريمة بهذه الكيفية في وقت قصير للغاية، بين الشباب؛ ليكونوا قدوة لباقي فئات المجتمع؛ لاتباع نفس السلوك، ونفس الأسلوب في تنفيذ الجريمة.

عذرا يا سادة، الأمر ليس عفويا، وإن ظهرت أنها جرائم طارئة، لم يكن مخططا لها مسبقا، استخدام  في السكين لتنفيذ عمليات النحر.. فالأمر خُطِّطَ له منذ 18 عاما، وتم تمهيد الأرض للتنفيذ على بعد زمني، بكل هدوء؛ حتى تظهر كأنها جريمة عادية، ليس لها أبعاد سياسية واجتماعية تهدف لخلخلة المجتمع من الداخل، وتحويل الطبيعة السلمية للشعب المصري إلى طبيعة دموية، ينعدم معها الشعور بالأمان، ومزجها بالوازع الديني والصبغة الطائفية.

لماذا القتل؟، أو بمعنى أوضح.. لماذا استخدام السكين في ارتكاب جريمة القتل؟، وفي بعض الأحيان التمثيل بالجثة؟، الإجابة: لسهولة توافر سلاح الجريمة، فهو متاح في كل بيت، ولا توجد صعوبة في الحصول عليه، ولا يوجد في القانون المصري ما يُجرِّم شراء وحمل السكين، ولا تحتاج إلى امتلاك رخصة لشرائها وحملها، فالمبررات كثيرة وعديدة. 

أرى أن ما حدث ووقع من جرائم نحر، تعود إلى غياب دور الأسرة  المصرية تجاه أبنائها، واللهث خلف حصد الأموال بأي صورة، وإهمال الأم لدورها الأساسي في رعاية وتربية الأبناء، وتقويم أي سلوك عدواني يطرأ على الأبناء.  

إهمال الجانب النفسي من قبل الأسرة، فالبعض يعتبر أن مجرد استشارة الطبيب النفسي حول التغيرات السلوكية التي تطرأ على أبنائها؛ شيئا مخجلا، أو وصمة عار، فبالرغم من التطور التكنولوجي، وادعاء الكثيرين، الثقافة والمعرفة؛ إلا أنه ما زالت هناك عقول متحجرة، ترفض الاعتراف بالمرض النفسي لأبنائها، وتخجل من استشارة الطبيب النفسي؛ مما ساهم في تفاقم العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية للأبناء، رغم تفوقهم الدراسي، وللعلم، التفوق الدراسي ليس مقياسا لسلامة الصحة النفسية والعقلية للأبناء، فيجب على كل أم وأب، مراقبة سلوكيات أبنائهم، والتوجه فورا لأقرب طبيب نفسي؛ لاستشارته فيما طرأ من سلوك غريب أو ميل إلى العنف أو الانطوائية عليهم.

والحذر ثم الحذر من التهكم والاستخفاف والاستهتار من أي مناقشة تتم بين الأم أو الأب وأبنائهم، حتى وإن كان الموضوع محل المناقشة، غير مهم وسطحي؛ فهذا بداية التحول من طفل مسالم إلى شخص لديه طاقة عنف ورفض للمجتمع؛ لشعوره بالتهميش والتحقير، وانعدام الثقة في نفسه، ويظل يتنامى هذا الشعور يوما بعد يوم، حتى تتولد لديه فكرة إثبات ذاته للمجتمع، عن طريق ارتكاب فعل شاذ، غير معتاد؛ حتى يثير الانتباه، ويقول: أنا موجود.

ولا ننسى الخلافات الزوجية، وعمليات الطلاق التي تتم بشكل كبير وسريع، دون النظر للأبناء، واستخدامهم كأداة ضغط من قبل كل طرف؛ لإرغام الطرف الآخر على تنفيذ مطالبه، بجانب إرهاقهم في الذهاب مع الأم إلى محاكم الأسرة؛ بحجة الحصول على حقوقهم المهدرة، وهو في الحقيقة، مجرد ذهابهم لمحاكم الأسرة، وهم في عمر الزهور؛ هو أول وقمة إهدار كرامتهم، وإهدار حقهم في العيش في أسرة مستقرة.  

الأم مدرسة.. إن أعددتها.. أعدت شعبا طيبا الأعراق

أكتفى بهذا القدر، وللحديث بقية، وحفظ الله مصر والمصريين، وكل سنة وأنتم طيبين، وعيد أضحى مبارك.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط