الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عبد المجيد يفتح صندوق ذكرياته.. هرب من الروضة لدخول السينما.. وبحث عن نجيب محفوظ في الجمالية

الكاتب الكبير إبراهيم
الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد

احتفى موقع "صدى البلد"، بحصول الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد بجائزة الدولة فرع النيل، وكشف خلال الإحتفاء، عن حكايات وذكريات كثيرة، عاشها "عبد المجيد"، في مدينة الإسكندرية التي ولد فيها، وعاش فيها طفولته، ومدته بالخيال، والتأمل، وأصبحت العلاقة بين الحاصل على جائزة الدولة فرع النيل، ومدينة البحر الأبيض، أشبه بحالة العشق كحبيب ومحبوبته، ليس كونها مسقط رأسه ومكان مولده ونشأته، إنما أيضًا كما قال من قبل حمالة أوجه أو مدينة رؤية يستطيع كل كاتب أن يراها بشكل مختلف.

 

 

إبراهيم عبد المجيد: الإسكندرية شكلت خيالي وهربت من الروضة لدخول السينما

وقال إبراهيم عبد المجيد خلال احتفال "صدى البلد" به لحصوله على الجائزة: "أنا من جيل قديم ولي حظ كبير من ولادتي في مدينة عالمية وهي الإسكندرية،  فتجد حولك تاجر أرماني وتاجر يهودي وآخر إيطالي جميعهم متواجدون في المقهى والشارع، جنسيات متعددة بجانب المصريين يتم التعامل معهم، وكنت آنذاك طفلا من مواليد شهر ديسمبر 1946، ودخلت المدرسة عام 1952 بعد ثورة يوليو، بشهور فكانت بقايا العصر الملكي موجودة، وكانت الشوارع نظيفة والدنيا منظمة، وكنت أسكن في كرموز و كانت تزورنا مراكب محملة بالبضائع من الصعيد، فنجلس مع المراكبية ونسمع لقصصهم التي امتلأت بالخيال، الذي أصبح مادة الحياة".

 

وأضاف: "كنا نشاهد المراكب تحمل البنات والأولاد في رحلات للتمتع بالبحار والمياه، وكانت الحياة سهلة وكل حي به سينما أو اثنين على الأقل، ففي حي كرموز كانت سينما النيل، وسينما الجمهورية، حيث إن عدد السينمات كان وقتها في الإسكندرية ما يقرب من 150 سينما، لذا عرفت الإسكندرية بمدينة السينما في مصر، وبدأت فيها أول مجلة سينمائية، وعرض فيها أول فيلم في التاريخ للاخوين لوميير الصامت الفرنسي عام  1895م وبعدها بثلاثة أشهر كان يعرض في الإسكندرية في نادي محمد علي".

 

وأكمل: "نحن في كرموز طبقة شعبية فكانت البنات و السيدات يذهبوا إلى منطقة المنشية أو محطة الرمل لشراء الملابس من ميدان الساعة، وكانت آنذاك الملابس تشبه ملابس الفتيات الأوروبيات، حيث أن تعدد الثقافات في المدينة كان يخلق ثقافة جميلة و تسامح، فلم نسمع وقتها عن جريمة بين مسلم أو مسيحي، وكان أفضل وقت هو وقت أعياد المسلمين والمسيحين، كنا نذهب إلى كنيسة مارجرجس مع أصدقائنا المسيحين، ويذهبوا معنا إلى المرسي أبو العباس في شهر رمضان، وكانت والدتي تجلس مع جيراننا المسيحين لعمل آكلات الأعياد، الجميع كان يساعد بعضه و يوزوعوا على الجيران فكانت الحياة جميلة".

وتابع: "والدي كان من المصريين الذين تم إعفائهم من الجيش وقت الملكية بسبب حفظه للقرآن الكريم، وكانت قراءته للقرآن يوميا أساسية، وبسببه حفظت القرآن كاملا في سن صغير وكان يحكي لي قصص الأنبياء، وكانت كلها خيال مثل رحلة سيدنا يوسف و سيدنا نوح و سيدنا محمد، وهذه القصص ملئت دماغي بالخيال، وكان في صغري عازف ربابة يمر في الأحياء الشعبية فكان والدي يستضيفه في المنزل ليعزف لنا، و يحكي لنا قصة أبو زيد الهلالي، فالخيال كان متاحا أيضا في المنزل و المدرسة كان بها مسرح وجماعة موسيقى و جماعة فن تشكيلي و بلاغة و جمباز و كرة قدم و العديد من الرياضات الآخرى، كل ذلك ساعد في نمو الخيال والابداع بداخلي،  فضلا عن رحلة السينما التي كانت تنظمها لنا أمي كل يوم جمعة بسبب عشقي للسينما، فوالدي كان يعطيني مكافاة لدخول السينما، أيضا مرتين في الشهر".

وتذكر: " في صغري حدث موقف أحببني في السينما، فكان وقت مرحلة الروضة، وجدت الباب مفتوح، وخرجت منه بمفردي، وكانت بالقرب من إحدى السينمات، وأنا في تلك الفترة لم أكن أعلم شيئًا عن السينما، فوجدت مجموعة من الناس أمام السينما، فذهبت إليهم، ودخلت معهم دون أن أحصل على تذكرة أو شيىء، ودون علم أهلي، وعندما لاحظوا أعلي اختفائي ذهبوا إلى القسم لإقامة محضر بغيابي وعند خروجهم لاحظوا خروجي من السينما".

 

إبراهيم عبد المجيد: بكيت من رواية الصياد التائه في الصغر

وقال عبد المجيد: "شاهدت أول مرة فيلم هندي كانت البطلة اسمها نرجس و كان به غرقان و طوفان، وهي بطلة مشهورة في الهند، و فيلم عربي لكمال الشناوي وحسين رياض، وكان به جريمة قتل و عشقت بعدها السينما.

وتابع: كنت أهرب في بعض الأوقات من المدرسة للذهاب إلى السينما، وحينما علم والدي ذلك، طلب مني عدم الهروب مجددًا، مقابل أن يعطيني كل أسبوع نص فرانك لدخول السينما، بجانب مكافأة شهرية ربع جنيه، والتي تعادل اليوم 2500 جنيه، كنت أذهب بها إلى السينما درجة اولى، واشتري سجارتين وكان عمري وقتها ما يقرب من 14 عامًا، وأذهب إلى محل سمك في محطة مصر أتناول وجبه كبيرة، وانتهي بآكل حلويات، ويبقى من الربع جنيها قروش".

وكشف عبد المجيد ، عن بداية تدخينه السجائر قائلا: " بداية تدخيني السجائر بدأت في السينما عندما كنت في سينما الشرق، وكان تمري وقتها ١٢ عاما، وكان يجلس بجواري رجل، وبدأ الحديث معي وسألني إذا كنت أدخن فأجبته بالرفض ولكنه أعطاني سجارة، وطلب مني أدخنها وكانت لهجته حادة، فقمت بتجربتها منذ ذلك الحين وأنا أدخن السجائر".

وتحدث عن ذكرياته في الدراسة: "كان المعلمين وقتها يهتمون بالتدريس أكثر ويهتمون بملابسهم، ولا أحد يرسب، وعددنا في الفصل الدراسي كان قليل جدا لا يتجاوز ثمانية عشر طفل، والمعلم ينهي الدرس و الشرح في نصف ساعة فقط، و يبدأ في قراءة الجرائد لنا فأحببنا القراءة والتثقيف، لذا بدأ في شراء الجرائد، وكان وقتها لا يوجد دروس خصوصية، وكانت أهم حصة لي وقتها في المدرسة حصة القراءة الحرة ساعتين في المكتبة فنقوم بقراءة دروس الاطفال او غيرها".

وتابع: "حبي للتأليف و القراءة بدأ من حصة القراءة الحرة، فعندما كنت في المرحلة الإعدادية كنت أقرأ في رواية اسمها "الصياد التائه" لمحمد سعيد العريان، و الرواية بها صياد تاه في الصحراء ولم يعثروا عليه فبدأت في البكاء و جاء لي أمين المكتبة و سألني لماذا أبكي فقلت له الصياد لم يعثروا عليه قال لي: أن ذلك تأليف و شرح لي ان المؤلف يقوم بالتأليف من الخيال، فأحببت التأليف،   وجدت نفسي إني مندفع لأن أكون مؤلفا، وبدأت القراءة كثيرا، وكتبت قصص، لكن وقتها كان تأليف ساذج جدا، حيث أني كنت أقلد كل رواية أقراها إلى أن حضرت ندوة وكان بها الناقد الكبير محمد مندور تحدث خلالها عن المذاهب الأدبية، فبدأت آلاحظ أن ما افعله سذاجة، فتوقفت عن التأليف وبدأت القراءة في تاريخ الأدب و كنت أحب اللغة الانجليزية، فقمت في الثانوية بترجمة القصائد الانجليزية.

وتابع: وكنت اكتب عليها: أيها القارئ هذه ترجمة شاب صغير، كنت اعلم نفسي ودخلت في مرحلة الثانوية الصنائع بسبب الظروف السيئة لوالدي و كنت أنوي دخول الآداب لعشقي لها".

 

إبراهيم عبد المجيد يكشف عن أول جائزة أدبية له

قال الكاتب إبراهيم عبد المجيد عن أول فوز له بجائزة ادبية :" بعد قراءتي المذاهب الادبية و فهمي لها كتبت قصة " حلم يقظة" و اذا بها تفوز بالجائزة الاولى على مستوى الجمهورية في نادي القصة في مصر ونادي القصة في اسكندرية كان يقوم به صحفي كبير يدعى فتحي الإبياري ونشرت وقتها في جريدة أخبار اليوم في صفحة كاملة مع مقدمة لمحمود تيمور  وهو قصاص موهوب والجائزة وقتها كانت بقيمة ثلاثة جنيهات وكان ذلك أول مبلغ أحصل عليه في حياتي بعد كتابة الجوابات الغرامية لزملائي في مرحلة الثانوية مقابل قرش صاغ".

وتابع :"و بعد اول قصة لي قررت المجيء للقاهرة وكنت قد حصلت على الثانوية العامة ودخلت كلية  اداب وبعدها بدأت اكتب وارسل للمجلات في القاهرة عن طريق البريد وكان ينشرون القصص في مجلة الطليعة أو مجلة المجلة و كانت المكافأة خمسة جنيهات و كان وقتها مبلغ كبير و قررت العمل في القاهرة و قابلت سعد الدين وهبة و قررت الذهاب الى مكان لا اضطر الى الحضور فيه حتى أتفرغ للكتابة و ذهبت الى الثقافة الجماهيرية و بدأت العمل و تغيرت حياتي تماما بعدها و طبعت روايات وقتها". 

وأضاف متابعا :"عندما كنت اعمل كل مدير كنت اعمل معه كان يعلم اني كاتب فلم يحاسبني على الغياب و كنت أحضر في المؤتمرات المهمة فقط ومع الزمن أصبح لى وقت كبير و كنت وقتها مدير عام فكنت اجمع الموظفين اخبرهم اني لن أتي و إذا حضر مشكلة فقط اعلموني و المؤتمرات نفعتني لاني بسببها قمت بزيارة كل الاماكن في مصر".

 

طقوس إبراهيم عبد المجيد في الكتاب والتأليف

قال الكاتب إبراهيم عبد المجيد عن طقوسه في الكتابة انا دائما ابدأ في الثانية عشر صباحا، استمع إلى الموسيقى العربية لمدة ساعة ومن الواحدة صباحا إلى الخامسة صباحا البرنامج الموسيقي، وأقوم بالتأليف والكتابة و عند بداية أول شعاع للصباح اتأمل وأشعر بالهواء النظيف و بعدها انام واستيقظ وقتما اشاء وتدرجت في المناصب فكنت مدير ثقافة عامة و رئيس تحرير كتابات جديدة ورئيس تحرير قهوة المكان  وكنت في قهوة المكان حتى ثورة يناير وأعلنت بعدها استقالتي من جميع المناصب ومن جميع لجان الوزارة و قلت وقتها انه يوجد شباب وأجيال أخرى تقوم بالعمل فالكتابة عندي اهم من اي شئ".

وتابع عبدالمجيد قائلا: "عشت حياتي على المقالات وليس على الروايات و القصص فكنت ألف قصتين في العام والرواية كل عامين أو ثلاثة فكان دخلي من المقالات والمراجعات التى كنت اقوم بها للكتب الأجنبية و أنشرها في العربي الكويتي او مراكز النشر في الشرق الاوسط".

وعن علاقته بنجيب محفوظ تابع مؤكدا:"نجيب محفوظ علاقتي به كانت مختلفة عن الكثير فأنا لم اجلس معه كثيرا فعند مجيئي القاهرة و جدت ان الكثير كان يجلس معه في مقهى ريش وذهبت مرتين و لم يروقني الوضع فكان صوتهم مزعجا و عالي و اسئلتهم كثيرة و لم اذهب بعدها فأنا لست من حرافيش نجيب محفوظ الا ان انتجت رواية " في الصيف السابع و الستين" ونشرت عام 79 بسبب الرقابة على الكتب بعد إلغاء الرئيس السادات الرقابة على الكتب و اعطيتها لنجيب محفوظ وانا من عادتي لا اسال احد عندما أعطيه كتاب عن رأيه في كتاباتي و بعد اسبوعين قال لي نجيب " إبراهيم أنا قرأت سبعة الى عشرة أسطر و اعجبتني اللغة الخاصة بك استمر"".

 

و اكمل حديثه قائلا :"ظللت ستة عشر عاما بعيدا عن نجيب محفوظ و لكن يشاء القدر أن احصل على جائزة نجيب محفوظ في الرواية من الجامعة الامريكية وكانت تلك الجائزة من اختيارهم رواية " البلدة الأخرى" فثار العديد من الكتاب التابعين لنجيب بسبب حصولي على الجائزة و قالوا عني عميل أمريكي فوقتها قدم نجيب اعتراض قائلا " الاعتراض على جائزة تحمل اسمي هلوسة و لقد فاز بها ااديبي كبيران وهما إبراهيم عبدالمجيد و لطيفة الزيات لهما تأثيرهم الواضح في الثقافة المصرية و العربية".

إبراهيم عبد المجيد: هربت من رحلة مدرسية وبحثت عن أبطال نجيب محفوظ بالجمالية

قال الكاتب إبراهيم عبد المجيد: " نجيب محفوظ هو من أحببني في كتابة الرواية عندما كنت في المرحلة الثانوية قرأت معظم رواياته فأحببت كتابة الرواية بشكل كبير".

وتذكر عبد المجيد موقفا له عندما كان في المراحل الدراسية الأولى قائلًا: "أتذكر موقف لي في مرحلتي الدراسية عندما كنت فى رحلة لأسوان وزرت بعدها القاهرة و قام أحد الأساتذة باصطحابي إلى منطقة الجمالية، بعدما طلبت منه رؤيتها من عشقي لروايات نجيب محفوظ، وعندما وصلت إليها بدأت أبحث عن أبطال الروايات، وتطور الأمر إلى هروبي و عدم رجوعي مع زملائي إلى الإسكندرية، وذهبت جامع الحسين، واتخذته مقر لي، وكنت أبحث عن عمل في القاهرة،  وترك التعليم، وبعد ثلاثة أيام نفذت كل اموالي، فعدت إلى الإسكندرية، ادركت بعد ذلك أن نجيب لا يصنع الرواية فقط فهو أيضا فيلسوف، لأن رواياته لها أفق فلسفي وليست مجرد حكاية، وكان ذلك أحد الدوافع الرئيسية لكتابتي الروايات وهو عشقي لنجيب".

وتابع إبراهيم عبد المجيد:" تأثرت أيضًا بالكاتب الكبير يوسف إدريس، وعندما قرأت له كنت قد قمت بنشر أول قصة فتوقفت عامين عن الكتابة لأنني عندما كنت اكتب قصة كان يظهر أسلوبه فيها فتوقفت حتى انساه".

واضاف :"انا لا أملك خطة في الكتابة فانا معتمد على النسيان وعندي قناعة أن النسيان هو الذاكرة الحقيقية لأن اللاشعور يخزن كل شيء فالرواية تضغط علي لكتابتها و عندنا ابدأ فيها تبدأ الشخصيات و الأحداث في الظهور و أنا أقوم بالبناء الفني فالفن هو كيف تكتب و ليس ماذا تكتب وأنا مولع بالفلسفة و مولع بالعجائب".