الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: الإنسان مهما فعل من آثام فإن هذا لا يسلبه ثوب التقي

التوبة
التوبة

أكد الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إن النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دلت على أن باب التوبة لا يغلق أمام أحد‏. 

باب التوبة

‏وتابع من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: "تواترت الأدلة على أن الإنسان مهما فعل من آثام فإن هذا لا يسلبه ثوب التقي إذا أفاق من غفلته وبادر بالرجوع إلى ربه‏,‏ كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201], وقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82], وهذه الأهمية القصوى للتوبة.

وأشار علي جمعة إلى أنه تأكيدا على فضل الله الواسع في قبول التائبين إليه أوردت لنا سنة النبي ﷺ بعضا من القصص في هذا الجانب ليعيش الناس الواقع العملي مدعما بالكثير من شواهد القرآن والسنة في الجانب النظري. فعن أبي سعيد الخدري أن نبي الله ﷺ قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم الأرض فدل على راهب, فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة؟ قال: لا. فقتله, فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم, فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم, ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا, فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم, ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت, فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب, فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فقالوا: قيسوا ما بين الأرضين, فإلى أيتهما كان أدنى فهو له, فأوحي الله إلى هذه أن تقربي وأوحي الله إلى هذه أن تباعدي; فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة» (صحيح البخاري ، ومسلم). 

وشدد: هذه القصة أصل عظيم في الدلالة على قبول التوبة من المذنب، وإن تفاحش ذنبه وتعاظم إثمه, طالما صلحت سريرته ووافقتها علانيته. وقد نطقت بذلك آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم, فالله تعالى يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53], وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبو ذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» (صحيح مسلم).

كما تدل قصة هذا الرجل على سعه رحمة الله تعالى وأنها تغلب غضبه, أن صدق العبد في التوجه إلى الله يمنحه, فوق قبول الله له، توفيقا وهداية إلى الطريق المستقيم; فما ورد في الحديث من تقريب أرض التوبة يشعر بأن الله لا يقبل التوبة عن عباده فحسب، بل يزيدهم فوق القبول من فضله, وإن كانت الرحمة من الله واسعة كما أرادها رب العزة فمن الخذلان أن يضيق أحد من الناس ما وسعة الله لفساد في عقله وسوء في فكره, وهذا ما أشارت إليه القصة. 

ويستفاد من هذه القصة بحسب الدكتور علي جمعة  أيضا فضل العلم على العبادة, وذلك لأن إنقاذ هذا الرجل التائب من الهلكة ودلالته على طريق الحق كانت على يد العالم, في حين أن العاكف على العبادة قد ضل عن وجه الصواب فعرض نفسه للهلاك بجهله, وكاد العبد التائب أن يقنط بسببه من رحمة الله; ولهذا فإن من أهم فوائد تلك القصة ضرورة التحري عمن يستفتيهم الإنسان في أمر دينه حتى لا يضل, فعن محمد بن سيرين قال: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم», وهو ما يمكن أن نسميه الفرق بين الدين كعلم, وهذا شأن العلماء, وبين التدين كسلوك شخصي, وهذا قد يجيده غير العلماء, ولكنه يظل خاصا بصاحبه. وفي إشارة العالم على العابد التائب بمفارقة أرضه والتحويل إلى أخرى فيها رجال صالحون ليعبد الله معهم, فيها ما فيها ما يفيد أن من كمال التوبة مفارقة مواطن المعصية وأصدقاء السوء, ليكون في مأمن من الانزلاق مرة ثانية، وليجد من حول من يقيل عثرته, ويعلي همته; إذ للبيئة أثر كبير في تكوين شخصية الفرد وجدير بالبيان أن نفع التوبة.

واختتم علي جمعة في تلك القصة كان منوطا بما بين العبد وربه, وحقوق الله مبنية على المساحة. وهذا من باب الديانة, أمام من باب القضاء فقد أبانت الشريعة الإسلامية أن حقوق العباد مبنية على المشاحة, وهذا شأن أهل القضاء, ثم بعد ذلك: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:40]. فيلغتنم كل امرئ باب التوبة المفتوح دائما إلى الله.