الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اعتاد ترك الصلوات المسنونة المؤكدة فما حكمه؟.. الإفتاء تجيب

ترك الصلوات المسنونة
ترك الصلوات المسنونة

ما حكم المداومة على ترك الصلوات المسنونة المؤكَّدة ؟ .. سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي.

حكم المداومة على ترك الصلوات المسنونة المؤكَّدة

وقالت الإفتاء في بيان حكم ترك الصلوات المسنونة المؤكدة يقسِّم جمهور الأصوليين الأحكام الشرعية إلى خمسة، وهي الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح، وعرفوا المندوب بأنه ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ومن مسمياته: المرغوب فيه، والسنة، والنافلة، ومن أمثلة المندوب: صلاة الوتر، والسواك، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق، وتخليل الأصابع في الوضوء، وإفطار الصائم على تمرٍ، وتكرار الحج والعمرة، ومساعدة المحتاجين من الناس، ونحو ذلك.

وقد بيَّن الفقهاء أن هذه السنن ليست على درجة واحدة في مطلوبيتها، فبعضها أقوى من بعض مع اشتراك كلها في أفضلية الفعل مع عدم المعاقبة على الترك، يقول الزركشي في البحر: «ويجوز أن يكون بعض المندوب آكد من بعض، ولهذا يقولون: سنة مؤكدة. وقال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: لا خفاء أن مراتب السنن متفاوتة في التأكيد، وانقسام ذلك إلى درجة عالية ومتوسطة ونازلة وذلك بحسب الدلائل الدالة على الطلب». [1/ 376، 387، ط. دار الكتبي].

وقد قسَّم الفقهاء السُّنة من حيث مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها إلى مؤكَّدة وغير مؤكَّدة، يقول ابن نجيم الحنفي رحمه الله بعدما نقل عدة أقوال لعلماء الحنفية في تعريف السنة ثم زيَّفها، قال: «والذي ظهر للعبد الضعيف أن السنة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إن كانت لا مع الترك فهي دليل السنة المؤكَّدة، وإن كانت مع الترك أحيانًا فهي دليل غير المؤكِّدة». [البحر الرائق 1/ 18، ط. دار الكتاب الإسلامي].

فالمواظبة على فعل الشيء من النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يكون واجبًا معيار التأكيد على سنيته، وتقسيم السُّنة إلى مؤكدة وغير مؤكدة مجرد اصطلاح لا مشاحة فيه، وهذا الاصطلاح ناشئ عن تتبع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في المناسبات المختلفة، فما واظب عليه -كركعتي الفجر مثلًا- خصوه بهذا الاسم، لكن البحث يأتي في كيفية إثبات المواظبة، والظاهر أن تصريح الصحابة هو المعوَّل عليه في إثباتها، ومثاله ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر). [متفق عليه]، بخلاف ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم الترغيب فيه ولم تنقل مواظبته، كالمتابعة بين الحج والعمرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) [رواه أحمد الترمذي والنسائي].

ومما ينبغي الإشارة إليه أن السنة المؤكَّدة يسميها الحنفية سنة الـهُدى، يقول ابن عابدين: «والسنة نوعان: سنة الهُدى، وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والأذان والإقامة ونحوها. وسنة الزوائد، وتركها لا يوجب ذلك كسِيَر النبي عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده».

وقال: «سنة الـهُدى وهي من السنن المؤكدة القريبة من الواجب». [رد المحتار 1/ 103، ط. دار الكتب العلمية].
والمستقرئ لنصوص فقهاء المذهب الحنفي -لا سيما المتأخرين- يجد أنهم يسوُّون بين مصطلح (السنة المؤكدة) ومصطلح (الواجب) في جانب توكيد الفعل والتحذير من الترك، أي في لحاق الإثم تاركهما، وإثابة فاعلهما، وهو واضح من كلامهم على صلاة الجماعة.

يقول الكاساني بعد أن ذكر أن قول العامة وجوب صلاة الجماعة، قال:«وجه قول العامة الكتاب والسنة وتوارث الأمة... أما توارث الأمة فلأن الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا واظبت عليها وعلى النكير على تاركها، والمواظبة على هذا الوجه دليل الوجوب، وليس هذا اختلافًا في الحقيقة، بل من حيث العبارة؛ لأن السنة المؤكدة والواجب سواء، خصوصا ما كان من شعائر الإسلام، ألا ترى أن الكرخي سماها سنة ثم فسَّرها بالواجب، فقال: الجماعة سنة لا يرخص لأحد التأخر عنها إلا لعذر. وهو تفسير الواجب عند العامة» [بدائع الصنائع 1/ 155، ط. دار الكتب العلمية].

وقال البابرتي: «(الجماعة سنة مؤكدة) أي قوية تشبه الواجب في القوة حتى استدل بمعاهدتها على وجود الإيمان، بخلاف سائر المشروعات وهي التي يسميها الفقهاء سنة الهدى، أي أخذها هدى وتركها ضلالة، وأشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق)). [العناية 1/ 345، ط. دار الفكر].

وفي حاشية الشِّلبي على تبيين الحقائق: «(قوله: قال عامة مشايخنا: إنها واجبة... إلى آخره) وفي مختصر البحر المحيط: الأكثر على أنها سنة مؤكدة ولو تركها أهل ناحية أثموا ووجب قتالهم بالسلاح؛ لأنها من شعائر الإسلام. وفي شرح خواهر زاده: سنة مؤكدة غاية التأكيد. اهـ. غاية. قال الكمال: وقيل: الجماعة سنة مؤكدة في قوة الواجب. اهـ. وممن قال بأنها سنة مؤكدة الكرخي والقدوري ويدل على أن المراد أنها في قوة الواجب قول صاحب التحفة فيما ذكر محمد في غير رواية الأصول أنها واجبة، وقد سمَّاها بعض أصحابنا سنة مؤكدة، وهما سواء» [ 1/ 133، ط. المطبعة الأميرية].

قال برهان الدين البخاري الحنفي: «الجماعة سنة لا يجوز لأحد التأخر عنها إلا بعذر، والأصل فيه قوله عليه السلام: ((لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس وأنظر إلى أقوام تخلفوا عن الجماعة فأحرق بيوتهم))، ومثل هذا الوعيد إنما يلحق تارك الواجب أو تارك السنّة المؤكدة» [المحيط البرهاني 1/ 428، ط. دار الكتب العلمية].

بل إن من الحنفية من أثبت لبعض السنن المؤكدة ما للواجب، ففي شرح الأشباه للحموي عند كلام ابن نجيم على الرواتب وأن منها ركعتي الفجر، قال الحموي: «قوله: «ركعتان قبل الفجر»، قال في الخلاصة: أجمعوا أن ركعتي الفجر قاعدًا من غير عذر لا يجوز، وغيره من السنن يجوز أداؤها قاعدًا من غير عذر حتى التراويح على الصحيح المختار. قيل: إنما كان كذلك مراعاة للقول بوجوبها ولم يقل في غيرها؛ وقد فهم بعضهم من قول علمائنا أن سنة الفجر لا يجوز قاعدًا، أي لا يحل أداؤها قاعدًا وهذا خطأ لما قلنا من مراعاة للقول بوجوبها، كما في شرح الطحاوي من أن هذه سنة مؤكدة اختصت بزيادة تأكيد وترغيب وترهيب ووعيد، فالتحقت بالواجبات. فهذا تصريح بأن معنى لا يجوز: لا يصح». [1/ 120، ط. دار الكتب العلمية].

وبعيدًا عن اصطلاح الحنفية فإن الصلوات المسنونة المؤكَّدة منها ما لا يتبع فرائض ومنه ما يتبع، فالتابع للفرائض أو له وقت معين غير الفرائض تسمى رواتب.

وبينت: قد ورد تحديد الرواتب والترغيب في فعلها والمحافظة عليها في عدة أحاديث، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح). [رواه البخاري].

وشددت: المداومة على السنة المؤكدة مطلقا تؤثر على عدالة تاركها، ومن تركها في بعض الأيام والأوقات فلا شيء عليه، لكن لا يجوز للمجتمع كله ترك السنن الكفائية التي تعد من شعائر الإسلام.