قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

لماذا استعاذ النبي من علم لا ينفع


روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، كَانَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا)، وروى الإمام الترمذي في جامعه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أربع، وكان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من قلبٍ لا يخشع، ونداء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع).
في هذا الحديث حثٌّ للأمة وتعليمٌ للمسلمين على اختيار وتعلم العلم النافع، ذلك أن معنى (علمٍ لا ينفع) أي: لا نفع فيه لصاحبه ولا لغيره، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو العلم الذي لا يقترن به التقوى، وهو العلم لا يعمل به صاحبُه ولا يُعلّمه، هو العلم الذي لا يُساهم في تحسين أخلاق صاحبه وأقواله وأفعاله، هو العلم الذي لا يُحتاج إليه، ولا يوجد إذنٌ شرعيٌّ في تعلّمه، ولا تصل بركته إلى قلب صاحبه، ومثل عليه بعض العلماء بعلم النجوم أو الفلسفة أو السحر.
وينبغي على المسلم أن يتعوذ من كل علم لا ينفع؛ لأنه سيكون وبالاً على صاحبه، فإذا ترك المسلم ما أمر الله به وهو عالمٌ بحكمه، أو ارتكب ما نهاه الله عنه بعد أن بلغه النهي وعرفه، فهو ليس بعالمٍ، فإن العلم هو الخشية، فالذي يحمله الفسّاق والزنادقة والمنافقين من علوم الشرع ليس بعلم، وإن سماه الناس علماً، قال صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عُدوله) أي إنما يحمل العلمَ الشرعي العدولُ من الناس، فإن من طلب العلم ليجاري به العلماء أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار.
إنما العلم النافع هو الذي يزيد في الخوف من الله تعالى، ويُنقص من الرغبة في الدنيا، وكل علم شرعي لا يوصل صاحبه إلى الإيمان بالله تعالى وحسن التوكل عليه، وزيادة الاهتمام بالآخرة، وترك التعلق بالدنيا فالجهل أفضل منه، وهو علم لا ينفع.
وقد يحتمل أن يكون هذا العلم نافعاً في نفسه وذاته، ولكن صاحبه لم ينتفع به، كالذي أتاه الله آياته فانسلخ منها، ومن هنا فقد تكون الاستعاذة من ميل النفس وحبها في تعلم أنماط هذه العلوم، التي لا تنفع، وقد تكون الاستعاذة متوجهة إلى النوع المقيد منه في قوله: أعوذ بك من عدم الانتفاع بالعلم.
قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: "إنما قيد العلم بالنافع، والرزق بالطيب، والعمل بالمتقبل، لأن كلّ علمٍ لا ينفع فليس من عمل الآخرة، وربما كان ذرائع الشقاوة"، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من علم لا ينفع، وكل رزق غير طيب موقعٌ في ورطة العقاب، وكل عمل غير متقبل إتعابٌ للنفس في غير طائل، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ورزق لا يطيب، وعمل لا يتقبل.
ونقل صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ عن أبي طَالِب الْمَكِّيِّ قال: قَدْ اِسْتَعَاذَ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَوْع مِنْ الْعُلُوم كَمَا اِسْتَعَاذَ مِنْ الشِّرْك وَالنِّفَاق وَسُوء الْأَخْلَاق، وَالْعِلْم الَّذِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ التَّقْوَى فَهُوَ بَاب مِنْ أَبْوَاب الدُّنْيَا وَنَوْع مِنْ أَنْوَاع الْهَوَى، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: اِعْلَمْ أَنَّ فِي كُلّ مِنْ الْقَرَائِن الْأَرْبَع مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ وُجُودَهُ مَبْنِيّ عَلَى غَايَته وَأَنَّ الْغَرَض مِنْهُ تِلْكَ الْغَايَة وَذَلِكَ أَنَّ تَحْصِيل الْعُلُوم إِنَّمَا هُوَ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ لَمْ يَخْلُص مِنْهُ كَفَافًا بَلْ يَكُونُ وَبَالًا، وَلِذَلِكَ اِسْتَعَاذَ.