قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حافظوا على الأزهر.. لا تهدموا حصونكم!

0|د.محمد فوزي   -  

لا تزال الصحف تنشر بين الحين والآخر مقالات لبعض الكتاب يهاجمون فيها الأزهر والتعليم الأزهري ومشيخة الأزهر، ولا تزال برامج الحوار القروسطي التتارية تندد بوسطية الأزهر وتشجب توسع التعليم الأزهري حينا آخر كي لا يزداد عدد المتطرفين في بلادنا!

وربما هاجم بعضهم مشيخة الأزهر لعدم رضوخها لرغبات التكفير والإقصاء الديني والمجتمعي ولزومها قيم الوسطية والاعتدال.. فهل لنا أن نسأل.. هل الأزهر الشريف مستهدف؟ ولكن من يستهدف الأزهر؟ ولماذا؟ وما سر هذا الهجوم على الأزهر؟

هل كان امتناع الأزهر عن إصدار صكوك التكفير كي لا يُسوغ لأتباع التطرف تكفير المجتمعات والعلماء بالمثل سبب ذلك؟ ولماذا تريدون أن تجعلوا من الأزهر مؤسسة كهنية قروسطية تمنح صكوك الغفران وتعلن مراسيم الشلح والتكفير؟ هل يعد تحصن الأزهر وعلمائه بالقيم العليا للوطنية والمصلحة العامة للمجتمع من سوءات الأمور؟ وهل أصبحت فضيلة الموضوعية والعمل الجاد جريمة؟ وأي فرق بين الأزهر والمتطرفين لو تبادل الفريقان التكفير؟ وهل إصدار حكم التكفير يعد الحل الحاسم لجماعات العنف والقتل والإرهاب؟ أم سيزيد من تعصبها ويقطع طريق العودة علي من يرى الحق منها، باعتبار أنه كافر وانتهى أمره؟

لا بد أن نقر جميعا أن الحقيقة التاريخية والإحصائية تثبت أن الأزهر وعلماءه وطلابه أبرياء من تهم التطرف والإرهاب، وأنهم رمز الوسطية وميزان الاعتدال، وبعيدا عن المزاعم والترهات.. تدل أية نظرة إحصائية بوضوح على أن شباب الأزهر طوال التاريخ لزموا العمل وفق المصلحة العليا للوطن وأن علماء الأزهر –قديما وحديثا- كانوا قادة الإصلاح الفكري والاجتماعي والأدبي والصحفي والديني.. وكانوا دوما سند الإصلاح السياسي والاقتصادي.. ما بحثوا يوما عن مصالحهم الخاصة ولا مثلوا مركز قوة خاصة بعيدا عن تيار الأمة المصرية بل قدموا في القلب من مصالح الوطن والأمة على الدوام.

ليس سرا أن علماء الأزهر محرومون من تقلد مناصب القيادة التنفيذية والثقافية، وإلا فما عدا وكيل الأزهر والأوقاف، اين مكان علماء الأزهر من الوزراء والمحافظين والتنفيذين، أليست هذه تفرقة.. ليس سرا أن الأموال المخصصة لمراكز البحوث والمعاهد التابعة لجامعة الأزهر والبرامج وورش العمل والمؤتمرات وغيرها أقل كثيرا من مثيلاتها في كل جامعات مصر... ليس سرا أن مخصصات المكتبات والمعامل أقل من مثيلاتها في التعليم العام.

ليس سرا يا سادة.. لكننا راضون .. لا عجزا ولا انهزاما ولكنه العهد الذي أخذه الله علينا.. نذكر أنفسنا ويذكرنا أساتذتنا أنه إذا "عمل الآخرون للمال والجاه عملنا نحن للأمة" لقرآنها وسنتها ولغتها وفقا للعهد الذي أخذ الله "لتبيننه للناس ولا تكتمونه".

فما هذه الضجة والاتهامات حول الأزهر وقيادته ومناهجه وتوسع التعليم الأزهري.. هل ذنب الأزهر أنه يخرج حفاظ القرآن ودعاة الإسلام الذي يعرفون الحلال والحرام، ويحبون الله ورسوله والمؤمنين والإنسانية جمعاء؟ هل ذنب الأزهر أن أبناءه يعرفون العربية جيدا، بخلاف من يتحصلون على الأستاذية ويتقلدون أرفع المناصب وهم لا يجيدون قراءة جملة باللغة العربية، ثم نهرع إلى نقد التعليم الأزهري، فأين من يعيب على وزارة التعليم التي تخرج أمثال هؤلاء؟

وزارة التعليم التي لا تعتني لأمر الدين، حتى سقط الدين فيها، فبحث الشباب عن مصادر خارجية فلقنوهم دين التسلط والعنف. لماذا لا نتساءل عن إهمال وزارة التعليم والثقافة في الاستعانة بعلماء الأزهر؟ أين هم من عملية بناء المناهج في مواد العربية والفلسفة والمنطق والنحو والنصوص وعلم النفس والتاريخ والجغرافيا، لم نعد في عصر تتحجب فيه المعلومات، والإقناع يحتاج إلى شفافية لأن أساطير الكذب تسقط سريعا، وتأخذ معها كل أثارة للثقة.

ثم لو تحاكمنا إلى الأرقام.. ما هو عدد قادة الجماعات المتطرفة من خرجي التعليم العادي وكم هو عددهم من خريجي الأزهر؟ كم عدد كتب التطرف المنشورة التي ألفها خريجو التعليم العادي مقارنة بمؤلفات الأزهريين؟ كم عدد المنتمين للتكفير والهجرة والقاعدة وأجناد مصر وداعش بين أبناء التعليم المدني والأزهر؟ كم عدد المفتين المتطرفين من الفريقين؟ لو كان تعليم الأزهر ومناهجه سببا للإرهاب لكانت أعداد الأزهريين بالعشرات والمئات بل الآلاف، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فمعظم هؤلاء من خريجي التعليم العام ونادرا ما يرد بينهم اسم أزهري، ويتضح بالتحقيق أنه له ظرفا خاصا، ولا صلة لتعليم الأزهر على انتمائه.

لو لم يكن للأزهر من منقبة غير أن ابنه رفاعة الطهطاوي هو الذي بدأ مشروع الترجمة والتعريب والتنوير، وأن شيوخه الخراشي والسادات وحسونة النواوي والبشري والخضر حسين وعبد المجيد سليم هم من علموا الشعب الوقوف في وجه الظلم، وأن قادته محمد عبده والمراغي ودراز وأبو العينين وعبد الحليم محمود وجاد الحق علي جاد الحق والغزالي والشعراوي والطيب هم قادة الفكر والتجديد والتنوير والوحدة والوطنية... كان ذلك كله داعيا لنا جميعا أن نحلم برواد ومصلحين جدد من الأزهر يجددون الدنيا بالدين ويصلحون منها ما أفسده غيرهم .

لنعلم جميعا أن الأزهر هو حصن مصر الحصين؛ راعي دينها، وكعبة علمها، ومركز وسطيتها ورشدها؛ فحافظوا على الأزهر ولا تهدموا حصونكم.