الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد اليمنى يكتب : تجربتي فى الجمعة البيضاء

صدى البلد

بدء ذِى بدء: الجمعة جعلها الله تعالى بيضًاء على كل أهل لا إله الا الله، في الدنيا، وفي الآخرة، فهى خُير يوم تطلع فيه الشمس .. أما من أسماها سوداء، وصدرها للعالم على أنها سوداء، فهو لم يكذب في شيء؛ فهى بالفعل كما سودها يوم تبيض وجوه وتسود وجوه .. اللهم اجعلنا ممن ابيضت وجوههم.

أما عن هذا اليوم فهو اليوم الذي يأتي مباشرة بعد عيد الشكر في الولايات المتحدة وعادة ما يكون في نهاية شهر نوفمبر من كل عام، تعود تسمية الجمعة السوداء إلى القرن التاسع عشر، حيث إرتبط ذلك مع الأزمة المالية عام 1869 في الولايات المتحدة والذي شكل ضربة كبرى للإقتصاد الأمريكي، حيث كسدت البضائع وتوقفت حركات البيع والشراء مما سبب كارثة إقتصادية في أمريكا، تعافت منها عن طريق عدة إجراءات منها اجراء تخفيضات كبرى على السلع والمنتجات لبيعها بدل من كسادها وتقليل الخسائر قدر المستطاع ومنذ ذلك اليوم أصبح تقليد في أمريكا تقوم كبرى المتاجر والمحال والوكالات بإجراء تخفيضات كبرى على منتجاتها تصل إلى 90% من قيمتها لتعاود بعد ذلك إلى سعرها الطبيعي بعد انقضاء الجمعة السوداء أو الشهر الخاص في هذا اليوم.

ورغم أن الأزمة المالية كانت فى الغرب، وتبعاتها كانت فى الغرب إلا أن هناك فى الوطن العربي دومًا من يتبع خطى الغرب شبرًا بشبر، حتى وإن كان الأمر لا يخصنا بالكلية، فمنذ عام 2014 هناك من أتى إلينا في بلادنا بهذا التقليد الأسود الأعمى، وتبعه كلٌ ذى حاجة حتى وصل بعد أربعة سنوات إلى ما يشبه العيد القومى فى الوطن العربى، وفى مصر خصوصًا التى كانت رائدة في هذا التقليد.

ومع ذلك؛ لا يمكننا أن نتغافل عن كثير من الأصوات العاقلة التى رفضت التسمية السوداء، كما رفضت التقليد الأعمى، بالإضافة إلى رفض التوقيت؛ فكانت الآراء أن يتم اختيار يوم جمعة سابق لشهر رمضان أو عيد الفطر أو عيد الأضحى بحيث يكون مناسب للثقافة العربية والإسلامية بعيدًا عن التقليد الأعمى للغرب، ولكن للأسف كانت صوت أصحاب السواد أعلى!!

ولإن المقدمات فى الغرب ليست كالمقدمات فى الوطن العربى، فإن النهايات فى الوطن العربى لن تكون كالنهايات فى الغرب، فإذا كانت هناك تخفيضات حقيقية فى الغرب للإسباب الإقتصادية ولإختلاف سياسات البيع والشراء، فإن بلادنا ليس هذا حالها، فهذا اليوم يأتى فى أوج موسم الشتاء والذى ليس فيه أى مصلحة للتجار لأن يفرغوا مخازنهم التى من توها قد مُلئت لتُباع بأعلى الأسعار حيث إنها فى منتصف الموسم .. وبالفعل فقد رفض بعض التجار والهيئات الإنضمام لهذه المناسبة لما تحمله من خسائر لهم ، ولم يكن من أكثر التجار والمحلات إلا الخداع للمستهلك !! ليس هذا كلامى هذا تحذير رئيس جهاز حماية المستهلك للمواطنين من العروض ‏الوهمية التى يعلن عنها البعض فيما يسمى " البلاك فرايدي"، مطالبهم بالتأكد من سعر المنتجات ‏قبل وبعض العرض لعدم خداعهم بعروض على عكس الحقيقة.

عن نفسى ذهبت أمس فى يوم الجمعة البيضاء إلى أكبر المولات فى الإسكندرية وقد تحسبت لكثرة الزحام وأننى لا أريد أن افقد صلاة الجمعة، فذهبت فى التاسعة صباحًا متخيلًا أن ذلك التوقيت يكفى تمامًا لإنهاء جولتى، ولكنى لم أكن أتوقع ذلك الكم من الزوار، وهالنى منظر الزحام، وكنتيجة طبيعية فقد مر وقت صلاة الجمعة ولم ألحق بها، فمازلنا فى المتجر الأول الذى لم نخرج منه بعد، وبعد عناء اخترت شيئًا واحدًا لا لأنه يستحق ذلك ولكن حتى أُرضى نفسى أنه وبعد هذه المعاناه حصلت على شيء، وذهبت لأدفع ووجدت طابورا، اخذت اتتبعه بعينى لأقف عند نهايته، فإذا هو طابور من كثرته أخذ يلف فى المحل كالثعبان فتركت ما حملت فى يدى فوق كومة من البضائع اتعبها عبث الزائرين، وخرجت وأنا أحمد الله على السلامة.

ولكن قررت أن أصف انطباعى لمن لم يمر بالتجربة:
- أولا لقد هالنى أعداد الزائرين، ولكن صدمت لأننى وجدت وجوها لم أعهدها فى بلدى مصر، حالة من التكبر والنهم للشراء والتملك، والتقليد فى كل شيء للغرب، وجوه تحولت لوجوه دنيوية بحتة - وإن كنت معهم وحالى ليس بأفضل من حالهم - إلا أننى رافض لذلك ونادم عليه.

- ثانيا: هناك كمية من الأموال غير طبيعية مع كثير من الناس، بتفاوت رهيب بين كادحين وكثير لا يحسبون للمال قيمة، وهذا أمر طبيعى فى أى مجتمع إلا أننى عن نفسى لم أعهده بهذا القدر، ولم أكن أتوقع أن أعداد هذا الفصيل قد ارتفع بهذه النسبة الغريبة.

- ثالثا: الإقبال على الماركات العالمية لم يعد مقتصرا على فئة المرفهين، بل أصبح لعامة الزائرين حتى أن متاجر الملابس العادية قد اختفت، ومع ذلك؛ فجودة البضائع ذات الماركات العالمية أراها أنا ليست الجودة التى تأتى بها من خارج البلاد بكل المقاييس.

فى نهاية مقالى، لا أجد وصفًأ أصف به تجربتى أمس إلا أنها كانت فى بلد ليست بلدى، وأهل غير أهلى .. حفظ الله مصر من كل مكروه وسوء .. أمين