الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ومن الحب ما قتل.. كيف قتل الأصمعي العاشق المجهول ببيت شعر

صدى البلد

"ومن الحب ما قتل"، مقولة دوما تتردد على الأذهان، نسبها الكثيرون إلى قصص حب من وحي خيالهم، ونسج المؤلفون روايات رومانسية من خيوطها حول عشق المحبين الذي أدى إلى الموت.

ومن بين التكهنات والخيالات، ظهر الأصمعي ليكمم كل تلك الروايات التي قيلت عن هذه المقولة، ومن شعره الذي تغنى به في المجالس، وأمتع به الكثيرين في أمسياتهم، ليكشر الشعر عن أنيابه، ومن أبيات شعره قتل الأصمعي الشاب العاشق الحزين.

عبد الملك الأصمعي، أشهر شاعر عرفته العراق، فصاحة لغته ودقة تعبيراته وبلاغة كلماته جعلته في منزلة عالية من الأدباء عبر التاريخ، وفي إحدى الليالي أثناء مروره بالصحراء، وجد صخرة نحت عليها بعض الكلمات، لم يمر الأصمعي بجوارها مرور الكرام، ليتفحصها وكتب عليها: "أيا معشر العشّاق بالله خبروا ... إذا حلّ عشقٌ بالفتى كيف يصنع".

ودفعته فطرته للرد على ذلك المجهول الذي كتب سؤاله في بيت شعري، ليكتب على الصخرة قائلا: "يُداري هواه ثم يكتم سره ... ويخشع في كل الأمور ويخضع".

ويستكمل الأصمعي في طريقه غير مبالٍ، وفي اليوم التالي، يتصادف مروره بنفس الطريق، ويمر بجوار نفس الصخرة، فإذا بذلك المجهول رد على بيت الأصمعي الذي دونه على الصخرة، قائلا: "وكيف يداري والهوى قاتل الفتى ... وفي كل يومٍ قلبه يتقطع".

ليستكمل الأصمعي حواره مع ذلك العاشق المجهول، الذي أسره حزنه على حبيبته، وانتهى عشقه على تلك الصخرة، ويرد عليه الشاعر قائلا: "إذا لم يجد الفتى صبرًا لكتمان أمره ... فليس له شي سوى الموت ينفع"، وبعدما يأس الأصمعي من نصيحة هذا الفتى الذي أعياه الحب ولا يعرف كيف يكتمه وهو يشعر بالضياع وبالألم، نصحه أنه إذا لم تستطيع الصبر والكتمان لحبه فليس أمامه سوى الموت الذي قد يريحه من هذا الألم وينفعه، وكتب له ذلك على الصخرة في بيت الشعر التالي: "إذا لم يجد الفتى صبرا لكتمان سرِه ... فليس له شيءُ سوى الموت ينفع".

لم يكن مجرد بيت شعر كسابقه الذي كتبه الأصمعي على الصخرة، ومرت الأيام، ويمر الأصمعي بجوار الصخرة ، ليفاجأ بالرد، ولكنه هذه المرة مختلف عن المرات الفائتة، وكأن كلمات الأصمعي وقعت كالسهم في قلب ذلك الشاب، وأصبح المجهول معلوما الآن، ليغدو جثة هامدة بجوار الصخرة، لينهي الشاب قصة حبه التي لم تكتمل، ويسير على خطى الشعر الذي أكمله الأصمعي.

لم تتبق من العاشق سوى أبيات شعرية أنهى بها عذابه في الحب، ويختتم الشعر قائلا:
"سَمعنا وأطعنا ثم متنا فبلغـوا ... سلامي إلى من كان بالوصل يمنعُ
هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهـــم ... وللعاشق المسكين ما يتجرع

وبهذه الكلمات، أنهى ذلك الشاب حياته التي لم يذق فيها سوى مرار الهجر والحرمان، فقرر أن يتركها لينعم فيها من ينعم ويهنئ ويواسى فيها من يتألم مثله ويتجرع من كأس العشق، فما كمان من الأصمعي إلا أن قال مقولته الشهيرة "ومن الحب ما قتل"