الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أسامة سليمان يكتب: ملك القلوب

صدى البلد

فى كل مجال هناك أشخاص يَمْتَهِنون، ومنهم من يمر مر الكرام، ومنهم من يضع بصمته، وتتغير القوانين، والثوابت، بسببه، فهو لم يقف يوما أمام الكاميرات ليمثل، ولا يمتلك حنجرة ذهبية تطرب السامعين، بل يمتلك فكرا، ونبوغا علميا، لم يحدث من قبل، ونادرا ما يحدث بعد ذلك..

إنه الدكتور مجدى حبيب يعقوب، الذى أجمع الكافة على أنه "أمير القلوب"، "أسطورة" من أساطير الطب،فهو لم يهتم يوما بالشهرة، أو الأضواء، بقدر اهتمامه بعمله، ومواصلة العطاء، حتى أصبح رائدا فى زراعة، وجراحة القلب بالعالم ، وأصبحت تتهافت عليه الأضواء، والشهرة، لكنه على موقفه، لا يبحث إلا عن مواصلة عطائه للإنسانية والحياة. 

ولد السير مجدى يعقوب بمحافظة الشرقية عام 1935، لأسرة قبطية أرثوذكسية، تنحدر من صعيد مصر، وتحديدا أسيوط والمنيا ، وقد اقتدى بوالده، الذى كان طبيبا متخصصا فى مجال الجراحة العامة، وربما كان له الفضل فى أن يمتهن ذلك التخصص الدقيق، خاصة بعد أن رأى حزن والده الشديد على وفاة أخته فى سن العشرين، بسبب إصابتها بمرض فى القلب، وقال له والده إنهم فى انجلترا توصلوا إلى طريق لتوسيع الصمامات، وهنا وعد والده بأنه سيذهب إلى هناك لتعلمها، إلا أن والده أخبره بأنه لن يستطيع، إلا أن ابن الخامسة، وقتها، شق طريقه إلى النبوغ، وأهّله تفوقه فى الدراسة للالتحاق بكلية الطب عام 1957، ثم عمل جراحا نائبا فى مستشفى قصر العينى، ليصطدم، وقتها، بأول عملية جراحية، حين جاء أحد المرضى إلى المستشفى إثر حادث، وكان عليه أن يختار إما أن يقوم بإجراء عملية له، أو يتركه يموت، وهنا اختار فتح قلب المريض وإجراءها، لتنجح أول عملية له فى سجله الطبى الحافل، الذى يمتلك أكثر من 25000 عملية قلب، أجراها خلال مشواره الطبى الطويل، من بينها 2500 عملية زراعة قلب، ثم بعد ذلك حقق حلمه بالسفر إلى بريطانيا عام 1962.

ويعد الدكتور مجدى يعقوب ثانى طبيب يجرى عملية زراعة قلب فى العالم بعد الدكتور كريستيان برنارد 1967، وكان ذلك عام 1980، حيث قام بنقل قلب لمريض يُدعى دريك موريس، الذى أصبح أطول مريض فى العالم يتم نقل قلب له ويظل على قيد الحياة، حتى توفى فى عام 2005، وبذلك يدخل الدكتور مجدى يعقوب موسوعة "جينيس" العالمية بهذه العملية. 

ومن العمليات النادرة، التى قام بها الدكتور مجدى يعقوب، عملية زرع قلب لطفلة تدعى هنا كلارك، تبلغ من العمر عامين، وكانت تعانى تضخما فى القلب بنسبة 200%، وكانت حالتها ميئوسا منها، حيث أبلغ الأطباء والديها بأنها ستغادر الحياة خلال 12 ساعة، لكنه قام بجراحة ناجحة، ونادرة لها، حيث تم الإبقاء على القلب الأصلى دون استئصاله،إلى جانب القلب، الذى زرعه إلى جواره، واستعاد القلب الطبيعى نشاطه، وعاد ينبض مرة أخرى، فى سابقة لم تحدث من قبل. 

ومن مواقف الدكتور مجدى يعقوب، التى تتوافق مع مبادئ الإنسانية والحياة، أنه عندما عُرض عليه إجراء عملية لقلب إرهابى، متهم فى تفجيرات الأزهر، وافق على الفور، ليسطر لمهنة الطب أسمى المعانى المجردة من كل مشاعر الإحباط، والجهل، والرجعية، ويؤكد أنه طبيب، وليس قاضيا، وأنه لا يملك أن يعاقب إنسانا، وأن رسالته فى الحياة هى الحياة وحب الإنسانية. 

نال الطبيب الإنسان مجدى يعقوب العديد من الجوائز، التى يَصعب على أى طبيب فى العالم الحصول عليها، وكانت أهمها عام 1991، حينما منحته ملكة بريطانيا لقب "السير"، وفى عام 2000 حصل على جائزة الشعب من BBC كما حصل على "وسام الدولة" من باكستان، ولبنان، و"وسام" مدينتى أثينا وبارما، وحصل على "قلادة النيل العظمى للعلوم والإنسانية"عام 2011.

وفى عام 2009، أنشأ الطبيب الإنسان"مركز مجدى يعقوب للقلب" بأسوان،خدمة لأهالى الصعيد، وجميع المحافظات، حيث يتحمل المريض القادم من أسوان إلى القاهرة مشقه السفر، إلى جانب الترويج لصعيد مصر الملىء بالآثار، التى أبهرت العالم، وهذا المشروع، الذى يعتبره "السير" حلم حياته، والمجهز بأحدث التقنيات الطبية الحديثة، يهتم بخدمة المواطنين مجانا.

أما عن حياة الدكتور مجدى يعقوب الشخصية، فهو تزوج من سيدة ألمانية تُدعى ماريان، وتوفيت فى عام  2012، ووصف فراقها، وقتها، بأنه فراق أحدث فراغا فى حياته، وهو أب لثلاث بنات، هن:أندروا، وليزا، و صوفى، التى اختارت مهنة الطب اقتداء بوالدها، والتى تتنافس، دائما، معه على من يفعل ويقدم أكثر للإنسانية ، وإحياء القلوب، التى لم يكن يعلم هذا الطفل الصغير، وقتها، أنه، مع الأيام، سيكون ملكا للقلوب.