الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بين الجمهورية العلمانية والقيم الدينية.. قراءة في خطاب ماكرون تجاه الإسلام

صدى البلد

لا تزال تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتصرفات حكومته بشأن الإسلام تثير حالة من الغضب تضاف إلى الغضب المتفجر لدى المسلمين ضد الرسوم المسيئة للنبي محمد من قبل مجلة "شارلي إيبدو"، وقبل يومين، خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع ماكرون بالرئيس عبد الفتاح السيسي في العاصمة باريس، اتضح محور الجدل والخلاف بشكل محدد من خلال مصطلحي، القيم الإنسانية أو الجمهورية (الفرنسية) والقيم السماوية أو الدينية.

أظهرت التصريحات والأسئلة خلال المؤتمر الخلاف المتسع في وجهات النظر بين الجانب الإسلامي العربي، والجانب الفرنسي الذي يمثل القيم الغربية الحاكمة في يومنا هذا.

وقبل الحديث عن مواطن الاختلاف بين الشرق والغرب، يجب الوقوف على أرضية مشتركة بين الجانبين تكون أساسا للنقاش حولها من أجل الوصول إلى نموذج "تعايشي" يمكن أن يكون معيارًا مرجعيًا، الذي يمكن استخراجه من الازمة الأخيرة بعد مقتل المدرس الفرنسي الذي عرض رسومًا مسيئة للرسول، واكدت الدول الإسلامية يمكننا القول إنه كان إجماعًا على رفض الإرهاب والعنف في الرد على الإساءة، مع التأكيد على الرفض الشديد للإساءة والمعتقدات. أي أن القتل وإراقة الدماء هو الخط الأحمر الذي يجب التوقف أمامه وعدم السماح للخلاف مهما كان عمقه بتجاوزه، لإن تجاوزه هو المعنى الحقيقي للتطرف، فضلا عن أنه لا يحقق بحال أي نوع من انواع التعايش ولا يفضي إلى تراجع أي طرف من الأطراف.

وقبل وضع حديث ماكرون وتصرفاته في الميزان، ما يستلزم بطبيعة الحال مناقشة الحديث الغاضب من قبل المسلمين، يجب معرفة المرجعية الفكرية التي يتحدث ماكرون خلالها.

قيم الجمهورية الفرنسية..العلمانية والحرية الدينية 
يعرف موقع الخارجية الفرنسية هذا العنوان من خلال عدة عناوين فرعية، أولها، أن العلمانية والحرية الدينية قيمة أساسية ومبدأ أساسي للجمهورية وأن "العلمانية اختراع فرنسي".

مكتوب بالموقع إن "دستور 1958 ينص على أن فرنسا جمهورية غير قابلة للتجزئة وعلمانية وديمقراطية واجتماعية، تضمن معاملة جميع المواطنين بغض النظر عن أصلهم أو عرقهم أو دينهم على قدم المساواة أمام القانون وتحترم جميع المعتقدات الدينية، ومنذ عام 1905، عندما دخل قانون الفصل بين الكنيسة والدولة حيز التنفيذ، بعد التأكيد على أنه بعيد كل البعد عن الاستخدام كسلاح ضد الدين، أعاد هذا النص جميع الأدياء إلى القطاع الخاص، وأرسى علمانية الدولة في المجال العام. لا تحبذ الدولة الفرنسية أي دين معين، وتضمن التعايش السلمي فيما يتعلق بقوانين ومبادئ الجمهورية".

وفي فقرة تالية: "تطبيقا للمبدأ العلماني، يحظر قانون 15 مارس 2004، ارتداء جميع الملابس أو القطع التي تظهر العبادة الدينية في المدارس".

* الثورة الفرنسية
"هذا الحدث الذي لا يمكن إنكاره في تاريخنا وضع نهاية لملكية ذات حقوق إلهية. من الآن فصاعدًا، لم تعد فرنسا تعتبر نفسها (الابنة الكبرى للكنيسة). أنشأت فرنسا نفسها كدولة مرجعية لحقوق الإنسان وأصبح مفهوم العلمانية تدريجيًا أحد أطر الحماية. في 12 يوليو 1790، قدم الدستور المدني لرجال الدين الفصل الأولي بعد تأميم ممتلكات الكنيسة. تجاوزت العلمانية العتبة مع اتفاقية (الكونكوردات) عام 1801، والتي وضعت الكنيسة تحت وصاية سلطة الدولة، ولا سيما خلق الزواج المدني والدولة المدنية".

*قوانين جول فيري
"كان عام 1882 حاسمًا لأنه يمثل بداية الفصل بين المدرسة والدولة. أنشأت قوانين جول فيري التعليم العام الإلزامي والتعليم العلماني المجاني. منذ هذا الوقت، ظلت مسألة العلمانية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمجال التعليم".

* قانون 1905
"أتم هذا القانون بشكل نهائي الفصل بين الكنيسة والدولة. وألغى اتفاق الكونكوردات لعام 1801 ووضع حدًا لنظام الأديان المعترف بها. كما كانت بداية ما يسمى بالعلمانية الفرنسية، التي نادت بحرية الضمير وضمنت حرية ممارسة الدين. استثناء تاريخي واحد: هذا القانون لا ينطبق في إقليم الألزاس-موسيل.

*العلمانية اليوم
مقتطفات من المذكرة التوجيهية لعام 2014 التي وضعها مركز مراقبة العلمانية (بالفرنسية):

1. يوجد في فرنسا اليوم تنوع ثقافي أكبر مما كان عليه في الماضي، وهذا هو سبب احتياج البلاد للعلمانية الآن أكثر من أي وقت مضى، لأنها تمكن جميع المواطنين، بغض النظر عن معتقداتهم الفلسفية أو الدينية، من العيش معًا، والتمتع بحرية الضمير والحرية ممارسة دين أو اختيار عدم القيام بذلك، والمساواة في الحقوق والواجبات، والأخوة الجمهورية.

2. تواجه العلمانية تحديات جديدة ظهرت في العقود الأخيرة، في سياق المد المتصاعد للمزاعم الانفصالية وإساءة استخدام العلمانية لوصم الناس. يجب على العلمانية الجمهورية في فرنسا أن تستمد قوتها من تراثها وأن ترتفع إلى مستوى هذه التحديات. وقد بدأ مركز الرصد، بأعضائه المتعددين، بدراسة الوضع من أجل صياغة الآراء والتوصيات.

ومما سبق بات من الممكن فهم عبارة ماكرون التي قال فيها إن القيم الإنسانية بالنسبة للدولة الفرنسية أكثر أهمية من أي شئ آخر، من دون أن يستثنى "القيم" الدينية، ومن دون أن يشعر أن في الأمر ثمة إهانة للأديان أو معتنقيها، لأنه ببساطة الدولة لا دين - محدد - لها، ومهمتها تقتصر على وضع الإطار "التعايشي" بين مختلف أفراد المجتمع وليس تطبيق شريعة معينة. هذه الدول الفرنسية الغربية وقيمها. من جانبه عبر الرئيس السيسي في هذا اليومن وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في وقت سابق، عن القيم الشرقية وقيم دول الشرق الأوسط التي لا تخرج الدين من معادلة الحكم ولا تقبل مجتمعاتها بذلك، لكنها تؤكد على حماية الدولة للتعايش وحرية الاعتقاد من دون أن يسئ أي طرف للآخر.

في القيم الفرنسية كما شرحها ماكرون، هناك حرية التعبير، يمكن أن تقل ما تشاء عن أي دين ما لم يكن الأمر يحمل في طياته عنصرية أو تنمرًا، لكن يبقى الأمر المثير للجدل حقا، هو أن الإساءة والسخرية من معتقدات الآخر بدلا من النقد أو التفنيد الجاد لها، لا يدخل ضمن لعنصرية أو التنمر أو التجاوز في حق الآخر. ما يرى على نطاق واسع بأنه ازدواجية في المعايير، أو تطرف مضاد، فبعد الفاشية الدينية، ظهر ما يمكن تسميته بالفاشية العلمانية أو التنويرية.

مراجعة سريعة لتواريخ الأزمة 
- سبتمبر 2005 اعتبرته وكالة "رويترز" بمثابة شرارة الأزمة الكبرى: نشرت صحيفة "جيلاندس بوستن" الدنماركية 12 رسمًا كاريكاتوريًا للنبي محمد، بينها رسم يبدو أنه يرتدي فيه قنبلة كعمامة. أعقب ذلك اشتعال احتجاجات وغضب رسمي في جميع أنحاء العالم الإسلامي استمر لأشهر حيث أعادت عشرات الصحف خارج الدنمارك نشر الرسوم.

- يناير 2006: أصدرت جيلاندس بوستن اعتذارًا

- فبراير 2006: الهجمات على البعثات الدبلوماسية الدنماركية في العالم الإسلامي تنتشر بسرعة. قتل أكثر من 50 شخصا في محاولة للشرطة قمع الاحتجاجات في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. 

- يناير: 2010: ويسترجارد ينجو من هجوم شنه رجل صومالي مسلح مستخدما بلطة في منزله في آرهوس.

- ديسمبر 2010: انفجارات تهز ستوكهولم، مما أسفر عن مقتل منفذ التفجير وإصابة شخصين، بعد أن تلقت وكالة الأنباء السويدية "TT" رسالة تهديد تشير إلى وجود السويد في أفغانستان ورسوم كاريكاتورية للنبي.

- سبتمبر 2012: المجلة الأسبوعية الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" تنشر رسومًا كاريكاتورية للنبي، أظهرته في بعضها عاريًا. اشتعلت الاحتجاجات مرة أخرى في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

- يناير 2015: مسلحون يقتلون 12 شخصًا في مكاتب مجلة شارلي إيبدو الساخرة في باريس. ونشرت المجلة في وقت لاحق رسما كاريكاتوريا للنبي عليه لافتة تقول "Je suis Charlie". مرة أخرى، تندلع الاحتجاجات العنيفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

- سبتمبر 2020: تشارلي إيبدو تعيد نشر الرسوم عشية محاكمة متواطئين مشتبه بهم في هجوم 2015 على مكاتبها. لاحقًا، أصاب رجل يحمل ساطورًا شخصين خارج المبنى الذي وقع فيه الهجوم. بدأت مقاطعة المسلمين للبضائع الفرنسية في اكتساب الزخم.

- 16 أكتوبر 2020: مراهق شيشاني يقطع رأس مدرس لغة فرنسية في أحد شوارع إحدى ضواحي باريس بعد أن أظهر رسومًا كاريكاتورية للنبي خلال درس في التربية المدنية. ووصف الرئيس إيمانويل ماكرون المعلم بأنه بطل وتعهد بمحاربة "الانفصالية الإسلامية"، مما أثار احتجاجات غاضبة ودعوات في تركيا وبعض الدول الإسلامية الأخرى لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

"معاملة فرنسا لمواطنيها المسلمين هي المقياس الحقيقي لقيمها الجمهورية"

كان هذا عنوان تقرير بمجلة "تايم" الأمريكية قالت فيه إنه منذ الهجمات الإرهابية عام 2015 ضد موظفي مجلة "شارلي إيبدو"، واجهت فرنسا سلسلة من الهجمات من قبل متطرفين مسلمينـ كان آخرها قطع رأس المدرس صمويل باتي، وقتل 3 أشخاص في كنيسة نوتردام. "لقد تركت البلاد في صراع مع سؤال، لماذا أصبحت هدفاُ لكل ذلك، وكيف يجب أن ترد؟".

قالت المجلة الأمريكية إنه بالنسبة لماكرون، فإن فرنسا مستهدفة من قبل الإرهابيين بسبب "حرية التعبير والحق في الاعتقاد أو عدم الاعتقاد وأسلوب حياتها الفرنسي"، ويدعي ان شكلا من أشكال "الإنفصالية الإسلامية" قد وجد أرضاُ خصبة لمثلها العليا في بعض مناطق البلاد، ولمواجهة ذلك، أعلن ماكرون خطته لتأسيس "إسلام فرنسي"، وهو عبارة عن ممارسة دينية ستنظمها الدولة.

وعلى مدار 4 عقود، سعى الرؤساء الفرنسيون المتعاقبون إلى إدارة علاقة الدولة مع مجتمع مسلم متنوع عرقيًا ودينيًا ، وأتباع عقيدة بدون هيكل قيادة رسمي قد يوفر وسيطًا واضحًا. كل ذلك بقليل. كافح القادة المعينون من قبل الدولة لكسب اعتراف المجتمع ، في حين أن المحاولات ، مثل محاولات ماكرون، لتحديد شروط معتقداتهم للمسلمين من غير المرجح أن تلقى قبولًا جيدًا. ناهيك عن السخرية الواضحة المتمثلة في أن يضع رئيس علماني شروط الممارسة الدينية.

وبكلمات أبسط، يرى ماكرون أن الاحداث الإرهابية مؤشر على عدم انصهار العنصر المسلم في المجتمع الفرنسي العلماني، وبناء عليه رأى ماكرون أن دولته يجب أن تفرض ذلك بيدها عن طريق التدخل في "أسلوب حياة" المسلمين، حنى وإن اختلف ذلك مع المبادئ العلمانية للدولة الفرنسية.

وتشرح "تايم" أنه في فرنسا، يفرض مفهوم العلمانية حدودًا صارمة بين الدولة والمجال الخاص للمعتقدات الشخصية. صُممت في الأصل لحماية الأفراد من تدخل الدولة من جهة، والدولة من التأثير الديني من جهة مقابلة، وقد تم استخدامها في السنوات الأخيرة بشكل متزايد للقيام بالعكس: التعدي إلى الأبد على المجال الخاص للمواطنين المسلمين، من قواعد اللباس، إلى الاحتياجات الغذائية، عبر التعليم الديني، سعت الدولة إلى حظر كل من هؤلاء في السنوات الأخيرة، فقط لدعم وتعزيز قوة الإطار الجمهوري الذي حاز في النهاية على دعم المحاكم لمبادئه.

وفي حين أن الرئيس الفرنسي ماكرون كان مصرا على أن المشكلة ليست في الإسلام، ولكن في رفض المبادئ الجمهورية، فإن تركيز حكومته الخطابي والسياسي جعل الكثيرين يشعرون بخلاف ذلك. من النقاشات المستمرة حول الحجاب، إلى الجدل حول دروس السباحة النسائية (غير المختلطة)، إلى وزير الداخلية الذي يتظاهر بالصدمة تجاه "الممرات العرقية" في المتاجر الكبرى، يتم وصف العادات الدنيوية لحياة المسلمين كأمثلة على "الانفصالية" التي ترتبط بها الدولة بالإرهاب.

"المناخ العدائي والخطاب التمييزي تجاه المسلمين" 
في تقرير صدر العام الماضي بعنوان "التمييز ضد المسلمين"، نددت منظمة العفو الدولية بـ "المناخ العدائي والخطاب التمييزي" تجاه المسلمين قائلة إنه:"يجب على الدولة أن تتفاعل". 

وسلطت الضوء على خطاب وزير الداخلية جيرالد دارمانان الذي وصف فيه الحريات الدينية الأساسية للغاية مثل الصلاة والصيام وإطلاق اللحية بأنها "علامة على التطرف". نُقل عن رجل تمت مداهمة مسجده بموجب تشريع حالة الطوارئ لما بعد عام 2015، قوله: "أسوأ جزء هو، إذا كانت لديهم مخاوف حقيقية، فسيبدأون تحقيقًا، ولكن هكذا، يبدو الأمر وكأنه معاقبة لنا من أجل لا شيء ". في مناخ يسوده الخوف وحيث توصل الحزب اليميني المتطرف لأفكار مارين لوبان إلى تحديد مصطلحات الخطاب العام حول الإسلام والمسلمين، فإن عدم رغبة الحكومة في التمييز بين الأشكال العادية للممارسة الدينية وأشكال التطرف يترك الملايين من المسلمين الفرنسيين عرضة لاتهامات التطرف.

"نعم، الإسلام يوجه أزمة، وفرنسا لا تساعد في حلها".
قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن الرئيس الفرنسي ماكرون في 2 أكتوبر، قال إن "الإسلام دين يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم اليوم"، أثناء إعلانه عن "خطته لمكافحة التطرف". بعد أسبوعين فقط ، في 16 أكتوبر ، قتل أحد أنصار هذا التطرف وقتل مدرس في المدرسة الثانوية.

في المقابل، بدأت السلطات الفرنسية حملة قمع ضد أي شيء تعتبره إسلاميًا، كما عرضت الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل للنبي محمد على المباني الحكومية في فرنسا - فقط لإثارة احتجاجات جماهيرية في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي.

"كل هذه الأحداث أدت إلى نقاش مستمر حول فرنسا والإسلام والحرية. يرى البعض في الغرب الآن أن فرنسا هي منارة لقيم التنوير ضد قوى الظلام والتطرف الديني. يجادل آخرون بأن المشكلة الرئيسية هي الإسلاموفوبيا والعنصرية والغطرسة الاستعمارية لفرنسا في عالم حيث - باستثناء حفنة من المتطرفين - المسلمون هم الضحايا الحقيقيون".

وقال الكاتب: "كمسلم يكتب عن هذه القضايا منذ حوالي عقدين، اسمحوا لي أن أقدم وجهة نظر أكثر دقة: أولًا، فرنسا - مثل أي هدف للإرهاب - تستحق التعاطف مع وقوعها أمام التهديدات الإرهابية. علاوة على ذلك، فإن ماكرون محق إلى حد كبير في أن الإسلام يواجه أزمة - ليس في جميع أنحاء العالم، ولكن بالتأكيد في بعض أجزاء العالم - ونحن المسلمين بحاجة إلى محادثة صادقة حول ذلك. لسوء الحظ، لا يفعل ماكرون الكثير لحل هذه الأزمة ويمكن أن يؤججها بالفعل، لأن نوع الحرية التي يدعي الدفاع عنها مليء بأوجه القصور المؤلمة والمعايير المزدوجة المثيرة للسخرية".

وأضاف: "قد يجد العديد من المسلمين أي حديث عن الإسلام في أزمة غير مقبول، إن لم يكن هرطقة، لأنهم يفكرون في الإسلام على أنه حقيقة إلهية تامة وأبدية. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يؤمن بالجوهر الإلهي للإسلام، كما أفعل، بينما أنتقد الطبقات العديدة للتفسير البشري المبني فوق ذلك. هذا هو التفسير البشري الذي أعطانا الكثير من الفقه الإسلامي، الذي يحتوي على بعض الأحكام القاسية التي تتعارض مع ما يسميه العالم الحديث حقوق الإنسان والحريات المدنية - المفاهيم التي مفادها أنه يجب أن يكون الناس أحرارًا في الإيمان أو الكفر بدين، وحرية في التبشير بها أو انتقادها".

"دعونا نأخذ القضية المشتعلة في متناول اليد: ماذا يجب على المسلمين أن يفعلوا في مواجهة التجديف على النبي - أو سب الرسول. واتفقوا جميعًا على وجوب معاقبة شديدة. وفقًا لفقهاء الشافعية والمالكية الرئيسيين، سيتم إعدام المجدف على الفور، ما لم يتب. وبحسب الحنابلة الأكثر صرامة، فإن الكافر يُعدم حتى ولو تاب. ووفقًا للحنفية الأكثر اعتدالًا، لم يكن هناك سبب واضح للإعدام، لكن يمكن سجن المجدف وضربه بالعصي".

لكن، "لم يكن لأي من هذه الأحكام أي أساس في القرآن - مثل معظم الأحكام المماثلة في الفقه الإسلامي - لكن الفقهاء استنتجوها من بعض عمليات القتل المستهدف التي قيل إنها حدثت أثناء معارك النبي مع المشركين في عصره. ما لا يُلاحظ كثيرًا هو أن الفقهاء المسلمين في العصور الوسطى كانوا يفكرون وفقًا لمعايير عصرهم، حيث لم يكن مفهوم حرية التعبير موجودًا ببساطة. في الواقع، لم يكن معاصروهم المسيحيون أكثر تساهلًا مع الكفر أو الزنادقة. أعلنت الإمبراطورية البيزنطية، بموجب قوانين جستنيان بالقرن السادس، (لن يجدف البشر على الله)، وأصدرت عقوبة الإعدام لمن فعلوا ذلك. في وقت لاحق، في أوروبا، اتخذت محاكم التفتيش الكاثوليكية قانون التجديف خطوة إلى الأمام من خلال جعل عقوبة الإعدام هذه أكثر إيلامًا باستخدام تقنيات جديدة مثل حرق الناس أحياء.

"ومع ذلك، فقد تغيرت المسيحية بشكل كبير في القرون الأربعة الماضية - أولًا مع الدروس المستفادة من حرب الثلاثين عامًا المروعة، ثم الأفكار الجديدة للتسامح التي دعا إليها مفكرو التنوير مثل جون لوك. استمرت النقاشات حول الحرية بين الكاثوليك في القرن العشرين، ولكن في النهاية تخلى جميع المسيحيين الرئيسيين عن القوة القسرية باسم إيمانهم".

"ومع ذلك، فإن التحول نفسه لم يحدث بالكامل بعد في الإسلام - وهنا يكمن جوهر الأزمة، والتي لا يتحدث عنها ماكرون فحسب، بل ينتقدها المسلمون أيضًا. لا يزال الفقه الإسلامي في العصور الوسطى موجودًا، مع بعض الأحكام العنيفة والقسرية التي لم يدحضها معظم علماء الدين المعاصرين. معظم المسلمين غير مهتمين بهذه الأحكام، ناهيك عن التوق إلى تنفيذها، لكن البعض منهم مهتم بذلك. إن تعصبهم، في أقصى الحدود، ويؤدي إلى العنف والإرهاب. في الاتجاه السائد، يؤدي ذلك إلى قوانين التجديف المعمول بها في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة - تعد باكستان واحدة من أكثرها شراسة".

وخلص قائلا: "إن إجراء مثل هذه المناقشات الصريحة حول الفقه الإسلامي - والافتراضات اللاهوتية الأساسية - يمكن أن يفتح طريق الإسلام نحو التنوير الأصيل الخاص به، والذي يجب أن يكون جوهره هو التخلي عن القوة القسرية باسم الدين. نحن المسلمين بحاجة إلى هذا الإصلاح ليس لإرضاء الغربيين، ولكن لإنقاذ مجتمعاتنا من الطائفية والتعصب وكره النساء والقمع الذي يتم تبريره باسم الإسلام، ولتعكس بشكل أفضل القيم الحقيقية لإيماننا.. بعبارة أخرى ، يحتاج الإسلام إلى التنوير الخاص به ، لكن ماكرون يدعو إلى النوع الخاطئ من التنوير. وهذه مشكلة متجذرة بعمق في تاريخ فرنسا".