الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وفقا للدستور.. لماذا سمح القضاء الإداري لامرأة بمرافقة والديها في مناسك الحج؟

مجلس الدولة
مجلس الدولة

قضت المحكمة الإدارية العليا دائرة الفحص فى جلسة سابقة بإجماع الاَراء برفض الطعن رقم 7989 لسنة 60 ق عليا المقام من الجهة الإدارة ضد امرأة ووالديها، وتأييد الحكم التاريخى الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، الذى انتصر لسيدة ناضلت من أجل والديها وضربت مثالاً للبر بالوالدين والحكم بأداء مناسك الحج لهما وهى برفقتهما بنظام القرعة طبقا للقواعد التى وضعتها الإدارة فى حقوق المسنين الأكبر سناً.   


وتؤكد هذه القضية مدى تميز المرأة بالبر بالوالدين سيما فى أواخر العمر والمطالبة بحقوقهما كمسنين، خاصة أن المحاكم فى بلادنا العربية مليئة بقصص عقوق الوالدين بما يدمي القلوب، بخلاف حالات كثيرة لم يتقدم الآباء والأمهات بشكوى أبنائهم وبناتهم للمحاكم لاعتبارات اجتماعية وإنسانية، فماذا قالت المحكمة فى هذه القضية المهمة التى تهم البيوت العربية والمصرية  وتعد نموذجا فى البر بالوالدين والمطالبة بحقوقهما فى أرذل العمر؟


تعود القصة إلى وقوف السيدة “ر. ع. م. ا” والدموع تملأ عينيها أمام المحكمة ومعها والداها، تشرح حبها الشديد لوالديها وإخلاصها وبرها لهما بعد أن ربياها أحسن تربية رغم أنهما من محدودى الدخل، خاصة أنهما بلغا من العمر عتيا الأب 85 عاما والأم 73 عاما، وأنها تقدمت للجهة الإدارية بمحافظة البحيرة عن إعلانها بالحج بطريق القرعة وتخصيص نسبة 10% من تأشيرات الحج لكبار السن المحدد 70 عاما فأكثر وأن شروط الجهة الإدارية لمن بلغ سن 75عاما فأكثر وكذلك أصحاب الحالات المرضية المزمنة يصطحب معه مرافق من أقاربه حتى الدرجة الرابعة قادر على رعايته ولم يسبق له الحج خلال الخمس سنوات الهجرية الماضية عدا المرافق لأحد والديه، وبالرغم من ذلك فإن الجهة الإدارية امتنعت عن إدراج اسمي والديها واسمها باعتبارها مرافقة لهما بكشوف الحج، وهذه أغلى أمنية تتمناها لوالديها، بينما طلب الحاضر عن الجهة الإدارية رفض الدعوى، فقال القاضى إن الحكم آخر الجلسة.


وقضت المحكمة بإلغاء قرار الإدارة بعدم إدراج اسم الوالدين ومعهما ابنتيهما كمرافقة لهما ضمن كشوف حجاج البحيرة الفائزين بالسفر لأداء فريضة الحج، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها تمكينهم من أداء فريضة الحج بنظام القرعة والزمت الإدارة المصروفات، وقد أصبح حكمها نهائيا وباتا بحكم المحكمة الإدارية العليا.


وقالت المحكمة برئاسة المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، إن الدستور حرص فى المادة 83 منه على رعاية حقوق المسنين لأول مرة فى تاريخ الدساتير المصرية الذى ألزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا، كما أنه تضمن تشجيع منظمات المجتمع المدنى على المشاركة فى رعاية المسنين. 

 

وأضافت: “وقد كشف الواقع العملى أن الحجاج المسنين يجتهدون لأداء شعائر فريضة الحج ومعظمهم يؤدون المناسك على مقاعد متحركة يرافقهم أفراد من عائلاتهم، بحسبان أن فريضة الحج أمنية غالية راودت الكثيرين منهم سنوات طويلة ادخروا خلالها ليتمكنوا من أدائها، وهم يصرون على أداء الحج طمعاً في مرضاة الله وحسن الخاتمة”.

 
وأكدت المحكمة أن المسنين في الحياة يصلون إلى مرحلة الصمت والهدوء مما يقودهم إلى التأمل والوقوف عند المحطات الأخيرة في عمرهم الذي أقرضوه لذاكرة الزمن الماضي، وحينما يستهل موسم الحج ليطوق النفس البشرية المؤمنة ملامح التطهير والاغتسال المتسع بقدر السنوات التي قضوها  في الحياة، يصرّون  في الحج أن يقضوا رحلتهم الأخيرة برحاب مكة فى بيت الله الحرام لينبثق من الأعماق صوت الإيمان والتوبة الحقيقية يأملون حسن الخاتمة وهم يرتدون ملابس الإحرام حجاجا لله، ولا ريب أن تلك الأمنيات تعيش في أذهانهم وهم لا يزالون يتذكرون كل الأجزاء الصغيرة والكبيرة التي عاشوها في ممر حياتهم شبابا ليطوقوا خاتمة حياتهم الطويلة بالحج يزيل بداخلهم وهم فى أرذل العمر جميع الأوجاع واللحظات التي مرت في حياتهم ليعودوا للرحمن كما ولدتهم أمهاتهم، ومن ثم وجب على جهات الإدارة أن تستخدم أكثر درجات الحرص مع المسنين فى تطبيق القواعد القانونية التى تضعها فى نظام الحج بالقرعة دون محاباة أو تفضيل أصغرهم على أكبرهم، وأن مبدأ حظر المحاباة يسرى على جميع المواطنين، خاصة المسنين منهم فى رحلتهم الأخيرة لفرص التطهير والقبول عن الخالق الكريم والتى ربما لا يسمح الزمن لهم بها لاحقاً.


وأشارت المحكمة إلى أنه تنظيما لراغبى أداء فريضة الحج بنظام القرعة وضعت الجهة الإدارية قواعد تنظيمية عامة مجردة  بتخصيص نسبة 10% من تأشيرات الحج لكبار السن (70 عاما فأكثر) ومرافقيهم رعاية وتمكينا لهم من أداء هذه الفريضة المقدسة، على أن يتم ترتيب المتقدمين تنازلياً الأكبر سناً فالأقل ويكون للفائز بالحج من كبار السن مرافق واحد فقط من أقاربه حتى الدرجة الرابعة، ويشترط بالنسبة لمن بلغ 75 عاماً فأكثر وكذلك أصحاب الحالات المرضية المزمنة (أمراض الكبد، السرطان، أمراض القلب والفشل الكلوي) أن يصطحب معه مرافقا من أقاربه حتى الدرجة الرابعة قادر على رعايته ولم يسبق له الحج خلال الخمس سنوات الهجرية الماضية عدا المرافق لأحد والديه مع مراعاة ضوابط المحارم الشرعية وفقاً لتعليمات الدخول إلى المملكة العربية السعودية، وبالنسبة لمن لم تشمله نسبة الـ 10% المشار إليها فإنه يتم إدراجه مع باقي الحجاج ضمن القرعة العامة، وهكذا تقديرا للمسنين وتكريما فلهم فرحتان الأولى بالتزكية وفقا لترتيب الأعمار حتى نفاد النسبة المقررة، والثانية الدخول ضمن القرعة العامة كباقى المتقدمين لأداء فريضة الحج.


واختتمت المحكمة أن الإسلام أمر بالبر بالوالدين ونهى عن العقوق، وجاء فى القرآن الكريم آيات كثيرة عن وجوب بر الوالدين، وعظيم فضل البر، والثابت بالأوراق أن الابنة السيدة “ر. ع. م. ا” ضربت مثالا عظيما للمرأة بالتميز بالبر بالوالدين، وحرصت على التقدم  للمسابقة لدى الجهة الإدارية لوالديها الأب “ع. م. م. ا”، 85 عاما، والأم “ن. م. ع. ش”، 73 عاما، لأداء فريضة الحج على أن تكون مرافقة لهما لكبر سنهما، إلا أن الإدارة رفضت فأصرت الابنة على أن تقاضى جهة الإدارة، فتبين للمحكمة أن الإدارة أدرجت أسماء (2) مرافقين للحجاج “م. م. ع” و"ر. ع. ا" و"ا. ح. س" و"س. ش. ش" بالمخالفة  للقواعد التى  وضعتها  فى  هذا  الشأن التى  تضمنت  حق  كبار  السن  فى  اصطحاب  مرافق واحد فقط، ومن  ثم  فإن  مسلك  الإدارة  بإدارج  أسماء  (2)  مرافقين  للحجاج  المشار  إليهم  ضمن  نسبة الـ10%  سالفة   الذكر  بدلاً  من  مرافق  واحد  فقط  من شأنه  المساس  بحق الأب والأم والابنة كمرافقة لهما فى ضوء  خلو  الأوراق مما يفيد بوجود من يكبرهما سناً ممن  لم  تشملهم  نسبة الـ 10%،  الأمر  الذى  يضحى  معه  قرار  الإدارة  مخالفاً للقانون ومكنت المحكمة الأب والأم والابنة مرافقة لهما لأداء مناسك الحج.