الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستشار محمد البياع يكتب: أول وثيقة قانونية وضعها النبي محمد قبل 14 قرنًا

صدى البلد

ذكرى ميلاد سيدنا محمد عليه السَّلام، وفيها يقرأ الجيل الجديد سيرة مليئة بمبادئ قانونية، سبقت دساتير وقوانين دول عالمية بآلاف السنين، أسَّست للعدالة، وقبول الآخر، ونظَّمت حياة الإنسان وفق مبادئ راسخة، فرغم اتهامه وغيره من أنبياء الله بالجنون والسِّحر وحاولوا ازدرائه عدَّة مرات، إلا أنَّه بنى دولة قائمة على المساواة والعدل والتَّسامح، بقيت هي ولم يؤثر بها من اتهموه حتى اليوم ولم يستطيعوا طمس شخصية عظيمة في عين الأجيال المتعاقبة

فبعد أكثر من ألف و400 عام، تقف الإنسانية جمعاء مَديْنَة؛ لأسس قانونية عادلة، ومبادئ دستورية راسخة، وضعها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليست هوى ولكنها وحيًا، تقوم على احترام الآخر، وتنبذ العنف والتطرف، وتبني أجيالًا بعيدة عن الكراهية واغتيال الشَّخصية
لقد كان الرسول محمد عليه الصَّلاة والسَّلام،  رسول كريم وقائد سياسيّ في آنٍ واحد، فقد أسسّت دولته في المدينة المنوّرة بموجب الدستور الأول - صحيفة المدينة  -  وقد حوى دستور المدينة المنورة، وهو أول دستور مدني في تاريخ الدولة الإسلامية، تمت كتابته فور هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم  52 بندًا، كلها من رأي رسول الله، 25 منها خاصة بأمور المسلمين، و27 مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى

ودُون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء، ووضع هذا الدستور في السنة الأولى للهجرة، أي عام 623 م

وبالتدقيق فى  بنود هذه الوثيقة  نجد بأنّ الدولة الأولى في الإسلام هي دولة مدنيّة ديموقراطيّة أرست قواعد المُواطنة في الدولة
فقد كانت قواعد المواطنة حسب صحيفة المدينة ترتكزت على أركان تأسيسيّة سياسية  قائمة على المشورة مع مواطنيها بإعتبارها  نوعاً من أنواع الرِّقابة الشعبيّة، بما يحقّق مصلحتهم
أنّ كل التشريعات التي جاء بها سيدنا محمد عليه السلام لم تكن عن الهوى بل كانت وحيًا ربانيًا في الكتاب والسنة، وهذا سبب حضاري في النَّجاح الذي حققه عليه السَّلام منذ البداية وانتشار الإسلام في مساحة واسعة وفي أقل من قرنين من الزمان

ولقد كانت هذه القوانين الاسلامية  سببًا في نشوء حضارة تمتاز بالإنسانية والسماحة والتعددية وقبول الرأي الآخر وإعطاء الحريات التعبدية والاعتقادية، فمن وافق في الإسلام فهو أخ لجميع المسلمين ومن كان له دين، فله الحرية التعبدية والاعتقادية كما يشاء داخل الدولة الاسلامية، فقد كانت الحضارة الاسلامية مزيج من الطَّاقات لمختلف الشعوب والأديان وأتباع الأديان المختلفة

أنَّ الحضارة الإسلامية هي دليل على صدق نبوة الرسول وانَّه على خلق عظيم، وأنها نشأت وأقيمت على الوسطية بين التشدد والإفراط والتفريط والتساهل، وتمتاز بالاستقامة والأفضلية والخيرية والبينية وانتهاج ما فيه خير الإنسانية على مستوى الفرد والجماعة، وقائمة على التسامح,  فالاخلاق هي الأساس في الوحي والعقيدة والقوانين الإسلامية، وهذا ظاهر في أفعال الرسول ودولته والتاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية.

ولعل الإسلام من أول من أقر بالمبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورها  وأوسع نطاق لها ؛ وذلك حينما قرر مبدأ كرامة الإنسان باعتباره إنساناً؛ فالناس جميعاً أمة واحدة، ربهم واحد، وأصلهم واحد. يقول البارئ جل وعلا -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

ويقول جل في علاه - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 
وبذلك نجد فساد دعاوى بعض الأمم المعاصرة بأسبقيتها في وضع حقوق الإنسان , فالإسلام  قرر في القرآن الكريم منذ أكثر من خمسة عشر قرناً هذه الحقوق كما أشرت إليه في بعض الآيات القرآنية الكريمة، وكما تحدث الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع السنة العاشرة للهجرة؛ حيث جاء فيها: «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى ألا هل بلغت اللهم فاشهد»

وقد تضمنت هذه الخطبة الجليلة مضامين عظيمة منها حرمة الدماء والأموال والأعراض،.والوصية بالنساء وبيان ما لهم وما عليهن وبهذه المضامين الإنسانية الرائعة في حفظ حقوق الإنسان نجد أن الإسلام سبق كل النظم والحقوق الإنسانية التي جاءت منظمة لهذه الاحتياجات الإنسانية، سابق بكل جدارة لما عرف بميثاق حقوق الإنسان والصادر عام 1948م، فالإسلام سبق هذا الميثاق بـ (1350) سنة.