ملعون أبو "كورته"

لم يكن متصورًا فى الشهور الأولى التى لحقت يناير، أن من كان ينادى بالديمقراطية، وحكم المصريين، لأنفسهم، مهما كان الذي سوف تسفر عنه الانتخابات، هو نفسه الذي يدعو فجأة لمجلس رئاسى بـ "رئاسته"، بدعوى أنه الأقدر على إدارة المرحلة الانتقالية للمصريين!.
بعضهم مستمر فى "القىء"، وبعضهم مازال يتحدث عن سبل الخروج من أزمة استمرار المجلس العسكرى فى الحكم، مع أن الانتخابات انتهت، فى الطريق إلى سحب اختصاصات العسكر، وإقامة دولة جديدة.
والدولة الجديدة، دولة للجميع، لا هى دولة فلان، ولا دولة علان، وإذا كان فلان قالك "مش لاعب" على طريقة صاحب الكورة فى الاحياء الشعبية، فلا يجب على الآخرين الاعتقاد فى أن "الثورة" ضاعت، والدنيا انهدمت على الرءوس.
معظمنا مثاليون، وبعضنا ممثلون. الأزمة فى أن الذين يمثلون، صوتهم أعلى، ونبراتهم أشد، رغم أن لا النبرات ولا الأصوات، يمكن أن يساهما فى بناء ديمقراطيات.
الديمقراطيات تبدأ من صناديق التصويت فى الانتخابات، ولا تبدأ من حيث يرى الذين حركوا أحداث محمد محمود، ومجلس الوزراء، ولا الذين دفعوا بالشباب إلى الاعتصام فى التحرير، عندما شكل الدكتور الجنزورى الحكومة، ورفضت كثير من القوى السياسية، فكرة "مجلس رئاسى" بصلاحيات مطلقة.
أذكر أن "الصلاحيات المطلقة"، انخفض سقفها إلى "صلاحيات كاملة" بعد أيام من تشكيل الجنزورى حكومته، وبعد فترة، انخفض السقف إلى القبول بـ "حكومة انتقالية".
كما أن بعضهم "ممثلين"، ونجوم "سينما" فى ساحة السياسة، فإن آخرين فى المقابل "ثوريين" بالضرورة ، أو "ثوريين" بالطبيعة، وبالتكوين، وبالنشئة، وبالجينات، رغم أن الثورات تهدم ولا تبنى، ومع أن لحظات ما بعد الهدم تستوجب، ساعات من البناء.
"استمرار الثورة" ليس مطلبًا عامًا. والانتخابات كشفت أن التغيير مطلوب فى الطريق للديمقراطية، لا فى الطريق لاستمرار الثورة بدعوى المطالبة بالتغيير، دون الاقتراب من التغيير، أو الاقتناع بخطواته.
تعبيرات "الشرعية الثورية" عُرفية، بينما لا تعرف كتب السياسة إلا مصطلحات بعينها، منها الشرعية القانونية، والشرعية الدستورية.
فـ "الشرعية" و "الثورية" لا يجتمعان، وإن اجتمعا لا يستمران.
الألفاظ الدالة على الشرعية، مخالفة بالضرورة لتلك الدالة على الثورات. الثورات، تمرد، وانفجار، وغليان، ونزق جارف، أسبابه ومحدداته مختلفة، ومعقولة أحيانا كثيرة، بينما الشرعيات تعنى الاستقرار، واستيعاب الثورة، والفورة، فى الطريق للتأسيس.
المطالبات، بترك المجلس العسكرى للسلطة، قد تحترم، لكنها فى الوقت نفسه لا يمكن، الآن، الصاقها بالأغلبية.
كما أن الانتخابات كانت الحل، فإن الحل الآخر هو أن تكف بعض القوى عن تصدير أنفسهم بوصفهم هم "كل القوى".
فالذى يعرفه المصريون، أن يناير اشتعل، لتمليك الجميع، لا لأن يختفى مبارك، ثم يجىء من كان يعادى مبارك، ليقيم نظامًا مثل نظام مبارك .. ثم لا يتوقف عن صب اللعنات على الذى عود المصريين على الا يقدرون ما هم فى حاجة إليه.
بعد يناير، هناك من مازال يعتقد أنه الأوحد، والأقدر، والافضل.. وإذا لم يكن، فإنه يأخذ كورته ويذهب، على طريقة "صاحب الكورة"، الذى كان يشكل فريقه، والفريق المضاد، وعلى الجميع أن ينفذ .. وإلا رحل بكورته.
ملعون أبو كورته!.