قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

قانون الانتخابات الرئاسية‏..‏ أضعف الإيمان‏!‏!


لاتزال لعنة المادة ‏76‏ في دستور ‏1971‏ المعطل تلاحقنا ضمن تركة مثقلة تكبلنا وتعوق حركتنا‏.‏ شغلتنا تلك المادة الملعونة سنوات منذ أن تم تعديلها عام‏2005‏ للسماح باختيار رئيس الجمهورية في انتخابات بين أكثر من مرشح بدلا من الاستفتاء علي مرشح واحد‏.‏

ولكن هذا التعديل, الذي بدا لوهلة خطوة إلي الأمام, تم تفصيله بما يلائم مشروع التوريث الذي أحبطته ثورة 25 يناير, فضلا عن أن التحول من الاستفتاء إلي الانتخاب كان شكلا بلا مضمون. فكانت الانتخابات الرئاسية عام 2005 استفتاء مقنعا محسومة نتائجه سلفا. ولولا إصرار د. أيمن نور علي خوض معركة حقيقية دفع ثمنها من حريته, ولايزال, ما اختلفت تلك الانتخابات عن الاستفتاءات المتعاقبة منذ عام 1956 حتي في الشكل.
ولكن الثورة التي أسقطت مشروع التوريث لم تعتقنا من لعنة المادة 76 لأن الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة في 30 مارس 2011 تضمن جزءا كبيرا منها في المادتين 27 و28 اللتين تتعلقان بتنظيم الانتخابات الرئاسية. ومن أخطر ما أخذه هذا الإعلان من المادة 76 في دستور 1971 تحصين لجنة الانتخابات الرئاسية أي منحها حصانة ووضعها فوق القانون وحظر أي طعن قضائي علي قراراتها, فضلا عن الخلط المعيب بين دورها الإداري وتشكيلها القضائي وبالتالي إعطاؤها وحدها حق الفصل في اختصاصها.
فيالها من سلطة أكثر من مطلقة تتمتع بها لجنة معينة لإدارة انتخابات يفترض أن تكون ديمقراطية من اجل انتخاب رئيس يخضع للرقابة والمحاسبة والمساءلة ويمارس سلطته علي هذا الأساس. فقد بقي النص الدستوري المعيب الذي يحصن لجنة الانتخابات الرئاسية بعد الثورة في غفلة منا, وظل بالتالي أساسا لتحصين النص المترتب عليه في القانون رقم 174 لسنة 2005 بشأن تنظيم الانتخابات الرئاسية, الأمر الذي يمكن أن يلقي بظلال من الشك علي إجراء أو آخر تتخذه هذه اللجنة مادام الطعن عليه ممنوعا.
وقد لا يكون هذا الشك راجعا إلي عدم ثقة في حياد اللجنة, بل إلي خطأ وقعت فيه دون قصد. ولذلك يمكن أن يفتح تحصينها ضد الطعن القانوني أمام القضاء الباب أمام الطعن السياسي في نتائج الانتخابات أمام المجتمع والعالم كله.
وهذا هو ما ينال من مكانة منصب رئيس الجمهورية, وليس الطعن القضائي. فقد استند أنصار تحصين اللجنة في دفاعهم عن هذا العوار علي ادعاء بأن مكانة منصب الرئيس تقتضي عدم جعله موضعا لطعون تنال من هذه المكانة. غير أن هذا عذر أقبح من ذنب وتبرير لعوار بمثله لأن الفصل في أي طعن علي الانتخابات الرئاسية هو الذي يحفظ مكانة الرئيس, لأنه يصحح أي خطأ في إجراءاتها في حينه فيحميها من استمرار الشك في سلامتها, أو يحسم أي جدل حول نتائجها.
وهذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الثقة اللازمة في سلامة الانتخابات بما يحافظ علي مكانة منصب الرئيس, وليس حرمان المعترضين علي إجراء أو قرار تتخذه اللجنة من حقهم الطبيعي في التقاضي فلا يكون أمامهم إلا رفض الإقرار بنتائج العملية الانتخابية, وبالتالي عدم الاعتراف بالرئيس. فأخطر ما يواجه أي انتخابات هو أن يظل الشك مخيما علي نتائجها, وأن يرفض بعض المرشحين, وبالتالي الناخبين الذي اقترعوا لمصلحتهم الاعتراف بها.
أما المجادلة بأن لجنة الانتخابات الرئاسية تضم أعلي المستويات القضائية في البلاد تبريرا لتحصينها بدعوي أن الطعن علي قراراتها سيكون أمام قضاء أقل درجة إنما ينطوي علي خلط بين دور هذه اللجنة وصفات أعضائها. فهذه لجنة محض إدارية تقوم بعمل تنظيمي لا علاقة له بالقضاء ولا بمواقع أعضائها في قمة الهيئات القضائية. فهي لجنة تصدر قرارات وتتخذ إجراءات إدارية ولا تقضي بين الناس. وما يصدر عنها ليس أحكاما قضائية بأي حال. ولذلك لا يجوز تحصينها, أي تقييد مبدأ التقاضي المكفول في تقاليدنا الدستورية منذ عام 1923, وحتي الإعلان الدستوري الحالي في مادته رقم 21
ولذلك يستند المطالبون بإلغاء تحصين لجنة الانتخابات الرئاسية, وما يقتضيه من تعديل المادة28 في الإعلان الدستوري, إلي تعارض هذه المادة مع حق أصيل مكفول في المادة 21 التي تعتبر هي الأصل والأساس علي نحو يفرض تكييف أي مواد ذات صلة بالتقاضي معها وليس العكس. وهم يرون أن تعديل إعادة المادة 28 علي هذا النحو لا يحتاج إلي استفتاء يقول معارضوهم بضرورته لأنها كانت ضمن المواد التي تم الاستفتاء عليها في 19 مارس الماضي. وبالرغم من أن منطق الداعين إلي تعديل المادة 28 هو الأقوي والأقرب إلي التقاليد الدستورية, ربما يكون وضع ضوابط في المادتين30 و38 من القانون تضمن سلامة العملية الانتخابية وسد الثغرات التي يمكن أن يتسرب منها الشك كافيا خشية أن يمتد الجدل ويتحول إلي معركة قد تعطل الانتخابات أو تطغي عليها.
وتشمل هذه الضوابط فرز أصوات الناخبين في مقرات اللجان الفرعية في حضور وكلاء المرشحين وممثلين لمنظمات المجتمع المدني وإعلانها بشكل فوري وتسليم صورة منها مختومة إلي كل من أولئك الوكلاء, ثم ترسل إلي اللجان العامة. كما تتضمن إلزام اللجنة العامة بتجميع كشوف الفرز المعتمدة في اللجان الفرعية وإثبات إجمالي عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح في محضر يوقعه رئيسها في حضور مندوبي المرشحين وممثل منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام. وهذا هو ما اتجه إليه مجلس الشعب أخيرا باعتباره أضعف الإيمان.

نقلاً عن الأهرام