«إمام الدعاة»: المنافقون أشد خطراً على الإسلام من أعدائه الحقيقيين

تستند الجماعات الإرهابية لتبرير أعمالها الإجرامية إلى آيات من كتاب الله تعالى التى يفسرونها تفسيراً خاطئاً بما يوافق أهواءهم حتى يقنعوا الناس بمشروعية ما يفعلونه من سفك الدماء واستباحة الأعراض، ويأخذون بظاهر الآيات، تاركين الاحكام التى من أجلها شرع الله تعالى الجهاد.
ويبين إمام الدعاة في تفسيره لبعض آيات الجهاد أن المنافقين الذين يدعون الإيمان ويخفون الكفر أو البغض للإسلام أمرنا الله بقتالهم لأنهم يحاولون تشوية صورة الإسلام الصحيحة والتجنى عليه بما ليس فيه، فهم أخطر على الإسلام من الكفار أنفسهم.
ومن هذه الآيات قوله تعالى«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» سورة التوبة: 73.
وقال الإمام محمد متولي الشعراوي فى تفسيره للآية: إن الحق سبحانه يطلب من رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يجاهد الكفار والمنافقين، حيث ينبهه تعالى إلى حقيقة هؤلاء الكفار المنتفعين بالفساد، وأنهم سيحاربونه، ولذلك لم يقل سبحانه وتعالى لرسوله "اتحد معهم"، ولكنه قال:«جَاهِدِ الكفار والمنافقين»، أي اصمد أمامهم في المعركة ، ويجب أن تحذر من المنافق أشد الحذر؛ لأنك لا تعرفه فتتقي شره مثل الكافر، فقد يطعنك المنافق من الخلف وأنتم آمنون له مطمئنون إليه، فتكون طعنته مؤثرة وأليمة.
وأضاف إمام الدعاة، أن الله تعالى يوضح لرسوله -صلى الله عليه وسلم- إن العداوة التي سيواجهها وهو يبشِّر بمنهج الله ستأتيه من اثنين؛ من كافر أو منافق، أي من مجاهر بعدم الإيمان، أو ممن كفر بقلبه وتظاهر بالإيمان بلسانه، أما المنافق فإنه عدو صعب؛ لأنه يغشنا فلا نأمنه، رغم أن النفاق في حد ذاته بالنسبة لمنهج الله هو دليل قوة هذا المنهج؛ لأنه لا ينافَق إلا القوي، أما الضعيف فلا ينافقه أحد، ولذلك لم يكن هناك منافقون أثناء وجوده -صلى الله عليه وسلم- في مكة قبل الهجرة؛ لأن المسلمين كانوا قلة ضعافاً، وكانوا مُعذَّبين مضطهدين.
ولفت الشعراوى أن الله تعالى قد قدَّم في هذه الآية ذكر الكفار على المنافقين، وقدَّم في آيات أخرى المنافقين على الكفار، وهذا لأن الصدام قد حدث أولاً مع الكفار، في أول الدعوة ولم يوجد منافقين فى هذه الفتره، بل كان هناك مؤمنون وكفار، وجهاد الكفار جاء على مراحل، وليس على مرحلة واحدة، وكانت أولى مراحل الجهاد هي الجهاد بالحجة؛ لأن المؤمنين في أول الأمر كانوا قلة ضعيفة لا يملكون قوة يواجهون بها هذا المد الكبير من الكفار، وكان رسول الله يعرض قضايا الإيمان بالحجة لإقناع العقل؛ لعل عقولهم تفيق فيؤمنون بمنهج الحق.
وتابع: «ثم يبين الله لرسوله إن فشل جهاد الحجة،«وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ» أى أن رسول الله يغلظ على الكفار لإيضاح المصير الذي ينتظرهم، فكل كافر هو عابد للدنيا ويخاف أن تضيع منه الدنيا لأنه لا يؤمن بالآخرة، فأنذرهم بالعذاب الرهيب الذي ينتظرهم في الآخرة عَلَّهُمْ يفيقون، ولا تأخذك بهم رأفة؛ لأن الرأفة قد تغرى بالذنب».
وبين إمام الدعاة أن جهاد المنافقين يكون بتوقيع العقاب عليهم، وقد كان المنافقون يرتكبون الإثم، ويسألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فينكرونه، فيصفح عنهم، فيأمره الله تعالى بأن يغلظ فى العقوبة عليهم إذا ارتكبوا إثماً، ولكن غلظة الرسول عليهم لن تعفيهم من عقاب الآخرة، لأن الغلظة عليهم في الدنيا هى لضمان سلامة حركة الحياة، وليعلم كل منافق أنه مفضوح من الله، ولكن هذا لا يعفي من عذاب الآخرة.
ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير» والمصير هو المرجع الأخير لأي شيء، وكل عقوبة يكون لها مظنة ألا تمتد إلى الفترة المقررة لها، ولكن العقوبة للمنافقين تكون بلا خروج، وفي هذا ترهيب منها؛ لأنك لو علمت يقيناً أن العقوبة أبدية، فسوف تخشى الإقدام على الجريمة.