الصحابي الذي هزم «هرقل» حاكم الروم

تظل مواقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجا يحتذى به على مر العصور والقرون واختلاف الأزمان، لهم منزلة عظيمة وحقوق على الأمة الإسلامية كثيرة، وهذه الحقوق من الأمور التي تدخل ضمن الاعتقاد فهم أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، إذ صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وآزروه ونصروه، واتبعوا هديه، وهم أول الذين يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا، وينصرون الله ورسوله، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة وموقفه مع هرقل حاكم الروم:
في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسلت القوات الإسلامية لتضرب طاغوت الروم الذي هدد دولة الإسلام، وعندما وصلت القوات الإسلامية ودارت المعارك أسر هرقل حاكم الروم الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة رضي الله عنه مع جماعة من أصحابه المسلمين، وأراد أن يجبره على الكفر فأوقفه أمامه في دار الملك ودار بين الطاغية حاكم الروم وبين الصحابي عبد الله بن حذافة حوارا يعد نموذجا يحتذى به في زماننا، فقال هرقل: يا عبد الله تتنصر أي تكفر بدين محمد صلى الله عليه وسلم وأعطيك نصف ملكي؟ فقال عبد الله: يا هرقل والله لو عرضت علي الدنيا كلها على أن أترك دين محمد ما تركته.
فقال هرقل: يا عبد الله إن لم تتنصر فسوف أعذبك العذاب الأليم، فقال عبد الله بن حذافة: افعل ما تشاء فإنما تعذب بدنا فانيا وجسدا موليا، أما الروح فلا يملكها إلا الله، فأمر هرقل أن يصلب على صليب وأن يضرب بالسهام في يديه ورجليه وفي غير مقتل حتى يعذب العذاب الأليم، وصلب ورمي بالسهام، وكلما أصابه سهم قال: لا إله إلا الله، قال هرقل: أنزلوه، فأنزلوه فغلى له ماء في قدر حتى كاد الإناء أن يحترق من شدة الغليان وقال له: يا عبد الله إما أن تنتصر وإما أن نلقي بك في هذا الماء، وإذا بعبد الله بن حذافة يمشى إلى الماء الذي يغلي فلما اقترب منه بكت عيناه فقال له هرقل: أبكيت يا عبد الله؟ فقال له: والله ما بكيت خوفا فأنا أعلم أني سائر إلى الله، ولكن بكيت لأني لي نفسا واحدة وكنت أود أن يكون لي مئة نفس تعذب في سبيل الله.
فقال هرقل: أرجعوه فأرجعوه فأحضر له امرأة جميلة من نساء الروم وقال: أدخلوه معها في غرفة لتراوده عن نفسه وغلقت الأبواب وأخذت تغدو وترجع أمامه وبعد ساعات مضت قال هرقل: احضروها لأسمع منها ما حدث فلما حضرت أخبرته وقالت له: يا سيدي أنت لست أدري إلى من أرسلتني أأرسلتني إلى بشر أم حجر كلما خطوت أمامه ما سمعت منه إلا قول لا إله إلا الله.
فقال هرقل: أدخلوه في غرفة ولا تحضروا له طعاما إلا الخمر ولحم الخنزير، فأحضروا له ذلك وأغلقوا عليه الباب وليس معه طعام سواهما، وظل عبد الله بن حذافة ثلاثة أيام لا يأكل لحم الخنزير ولا يشرب خمرا ثم دخلوا عليه فوجدوه يذكر الله ويصلي والخمرة كما هي ولحم الخنزير كما هو فقال له: يا عبد الله ما منعك من الشرب والأكل وأنت مضطر لذلك والجوع يعبث بأمعائك؟ فقال لهم عبد الله: خفت أن يشمت أعداء الله في دين الله.
فلما يئس منه هرقل قال له: يا عبد الله قبل رأسي وأطلق سراحك فقال له: بل تطلق سراح إخواني المسلمين، فوافق على ذلك، ولما ذهب ليضع فمه على رأس هرقل قال لرب العزة: اللهم إنك تعلم أنه مشرك نجس ولكني سأبصق على رأسه ولن أقبلها فإذا سألتني عن ذلك يوم القيامة سأقول لك وعزتك وجلالك ما فعلت ذلك إلا لأطلق سراح إخواني.
وذهب عبد الله ووضع فمه على رأس هرقل وبصق عليها دون أن يشعره فأطلق هرقل سراحه وسراح إخوانه وبعد ذلك ذهبوا إلى المدينة المنورة والتقوا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقصوا عليه ما جرى، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: حق على كل مسلم أن يقبل رأسك يا عبد الله وأنا أبدأ بنفسي، وقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقبل رأس عبد الله بن حذافة رضي الله عنه إكراما لعزته ودينه.