الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: لماذا لا يستقيل المسئول في مصر؟!

صدى البلد

سؤال يلح في ذهني معظم الوقت وخصوصًا عند حلول اَي مصيبة او كارثة تحدث في البلد تفجع قلوبنا ولا تؤلم ضمائرهم، فلماذا لا نملك ثقافة ان يستقيل الوزير او المسؤول بوجه عام عندما يخفق في مهام مسئولياته او يتورط في حالات الفساد المختلفة، وعندما تضيع الملايين من الأموال العامة، والحوادث الذي يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء، وغيرهم من حالات الفشل وعدم المسئولية ويستبدل بآخر من منطلق "ادي العيش لخبازه" مثلًا!!

ولكن الحقيقة تقول ان : "من أمن العقاب أساء الأدب" فالمسؤول الذي نعرفه وتعودنا عليه لا يهتم فقط غير بمصالحه الشخصية ويظل متمسكًا بتلك المكانة طالما انه لم يحاسب على تقصيره، وفِي ظل إننا نفتقر الي ثقافة الاعتراف بالخطأ او التقصير فطبيعي أن تغيب عنا ثقافة التنحي الإرادي من جانب المسؤولين، علي الرغم من ان الاعتراف بالتقصير وترك الكراسي ثمة الحضارة والشجاعة، واعلي مراتب المسؤولية هو عند الإحساس بالعجز وجب الإبتعاد لإسنادها لمن هو أقدر.

وحتي الوزير الذي تدفعه الظروف الي التنحي عن مسئولياته والاستقالة في الحوادث والظروف الطارئة إذا اشتد الأمر وكثر "القيل والقال" ولعل آخر ما أتذكره من موقف مشابه كان وقت حكم الرئيس محمد حسني مبارك وأثناء حادث اصطدام قطارين بالعياط عام ٢٠٠٩ والذي علي أثره ضاعت ارواح بعض الركاب ومن بعدها قدم وزير النقل محمد منصور إستقالته بعد ثلاثة أيام من الحادث واُسند عمل الوزارة الي وزير جديد، وخلال مؤتمر صحفي عقده منصور بالقرية الذكية آنذاك قال إنه تقدم باستقالته انطلاقًا من إحساسه بالمسؤولية السياسية عن هذا الحادث الأليم"! وعند كلمة المسؤولية نضع خط عريض وهذا ما نقصده من مقالنا هذا، فالمسؤولية ليست في تقلد المناصب واعتلاء الكراسي ولكن في إحساسك بالمسؤولية طوال الوقت وحتي إن فشلت في مهمتك لا عيب او ضرار من انسحابك فورًا عن ساحة المعركة حتي لا نخسر جميعنا الحرب، فبقاء المسؤول الذي يثبت فشله هو قمة الإخفاق والفشل.

ورأينا الكثير من الأحداث المؤلمة والكارثية التي لا يحاسب عليها مسؤول او آخر يستقيل، وآخرهم حادث المنيا الإرهابي الذي استهدف أتوبيس يقل مجموعة من الأخوة الاقباط بالقرب من دير الأنباء صموئيل، وراح ضحيته مجموعة من الأبرياء! ذلك الحادث الذي نئن من اجله، فقد جفت الحلوق عن كل كلمات العزاء والمواساة امام هول وفداحة الجُرم الذي يغتال سلامنا وأهالينا، ولم يعد هناك كلمات تطفئ نار قلوبنا وتجبر كسرنا، فقد أعلنت جماعة داعش الإرهابية مسئوليتها عن الحادث، وموضوع داعش في المنيا أمر يحتاج التوقف كثيرًا وسنتطرق له من خلال بضعة السطور القادمة.
فما يبعث علي القلق هو كوّن إنه حادث إرهابي مفتعل مسؤولة عنه جماعات إرهابية دولية تنفذ عملياتها الخسيسة بإسم الدين، والدين بريء منهم ومن افعالهم حد البراء، ففي تقديري الموضوع سياسي اكثر منه ديني خاصة في توقيت إقامة منتدي شباب العالم بشرم الشيخ، ولكن ما يزعجنا ويجعلنا نتسائل هل أصبح لداعش أذرع داخلية في محافظات مصر، فالكارثة لم تكن في سيناء كما تعودنا ونعلم انها مليئة ببؤر الإرهاب، وإذا قولنا ان الأمر اكثر خطورة والتحديات أكبر فهذا ليس من باب المبالغة وحسب، بل مؤشر خطير يبعث برسائل عدة لا يمكن التهاون في استقبالها وفك رموزها الذي باتت واضحة للكثيرين، وبالفعل مصر تحارب الإرهاب ولكن ونحن نحاربه لم نفكر ذات مرة في معالجته نهائيًا، وهو ما يندر بأننا سنظل على هذا الحال إلي ان يتغير الفكر وتتغير طريقة التأمين في بلاد الصعيد.!

وللعودة الي صلب الموضوع والمغزي الذي نقصده، والسؤال الذي يفرض نفسه إذن : لماذا لم نر استقالة لمسؤول واحد في تلك الحادث تشفي غليل أهالي الشهداء والضحايا وتثبت ان هناك احساس بالمسؤولية وحجم الكارثة وبالتالي يطمئن الجميع، مع العلم ان هذه الكارثة ليست الأولي من نوعها في نفس المحافظة، فعل باتت المنيا خارج نطاق الخدمة أو الحدود !!؟

ولعل ما لفت نظري منذ البداية وكان السبب الأول في فكرة مقالي هذا وسرد بضعة الحروف الذي احاول أن اجتهد في كتابته وقبل سماعي لخبر منيا المشؤم والذي بسببه عزمت علي الكتابة بإصرار، فقد سبقه بيوم خبر إستقالة وزيرة السياحة الأردنية على خلفية حادث البحر الميت والذي راح ضحيته عددًا من الأطفال، جعلني افكر كثيرًا لماذا لم يحدث ذلك في مصر، فنري المقصر يتنحي والمسؤول عن الكوارث يحاسب ونتبادل تلك الثقافة!! ولكن ما يتصدر المشهد هو ثقافة العيب للأسف، بمعني من العيب ان يستقيل مسؤول أو يتم إعفاء آخر من منصبه، وحتي وان تم يعزل لأسباب آخري غير السبب الرئيسي كأسباب مرضية او غيرها من منطلق عدم إحراجه!!! فإنعدام ثقافة الإعتراف بعدم تحمل المسؤولية والتكبر أحد أسباب فشل المسؤولين في اداءهم وخاصة في ظل غياب الرقابة الرقابة السياسية داخل البرلمان الذي من اهم اختصاصاته محاسبة المسؤول واستجوابه وطلب إستقالته إن لزم الأمر .

وفِي النهاية .. ثقافة إستقالة الوزراء والمسؤولون هي ثقافة مجتمعية لم نعتادها بعد، وان كانت من أهم الأمور الحضارية المتقدمة التي لم نصل إليها ايضًا، وتمارسها وتتقنها البلدان الغربية بشكل طبيعي بل وتحاسب المسؤول عن اَي تقصير، وعليه فإن غرس هذا المفهوم وإن كنّا بحاجة ماسة إليه في مجتمعنا ولو من منطلق تحقيق العدالة يتطلب الكثير من الجهد والوعي للعمل على تحويل هذه النظرة الاجتماعية السلبية الى خطوة إيجابية تصب في مصلحة المجتمع ومن ثم العمل من اجل مصلحة الجميع، وحتي ترسخ في عقيدة معتلي الكراسي ان المناصب لا تدوم، وان ثقافة التنحي او الإستقالة ليست هروب وخروج عن العرف والمألوف وإنما هي أمر طبيعي حتمًا سيكون إن خل عن مسؤولياته وما وكل إليه.

-