الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صدى البلد ينشر قصة آلة السمسمية .. دخلت بورسعيد عن طريق النجي وكبربر.. وذاع صيتها من داخل مقهى السبع حصون.. وطورها رائدها الريس حسن متولي.. صور

السمسمية
السمسمية

النجي ارتحل من النوبة إلى منطقة القناة أثناء حفر قناة السويس حاملًا على يديه الطنبورة
عبدالله كبربر.. الساحر النوبي عاش في الثلاثينيات وسافر الي القناة حاملا السمسمية
الفنان حسن متولي الرائد الحقيقي لتيار السمسمية الوطنية
زكريا الحجاوي غنى لأول مرة على الهواء بخماسي حسن متولي في الخمسينيات
عبد العزيز محمود و إسماعيل يس والملاح وشكوكو ابرز العاشقين للسمسمية


تعد آلة السمسمية آلة بحر خرجت من مياهه، واعتلت أمواجه ووصلت إلى كل شواطئه حتى اختلطت أدوارها وألحانها إختلاط الزمان بالمكان بالبشر، والشواهد مثل النوارس تطير من شاطىء إلى بر إلى بحر.

ويعتبر الفنان الشعبي محمد عثمان النجي والفنان عبدالله كبربر الساحر النوبي اثنين من أساطين الة السمسمية وهما من عملا علي انتشارها في العالم.

وارتحل النجي ، من النوبة إلى منطقة القناة أثناء حفر قناة السويس (1859 ـ 1869) حاملًا على يديه الطنبورة (الآلة الأم للسمسمية) والمكونة من ثمانية أوتار والمشابهة لآلة الهارب الفرعونية القديمة"ووضع البذرة الأولى لفن السمسمية على طول مدن القناة الثلاث وخلدته أدوار السمسمية بدور "الحمد الله أنه جي".

اما عبدالله كبربر ، الساحر النوبي فقد عاش الحياة وكأنها رحلة لا تنتهي في ثلاثينيات القرن الماضي، وارتحل من النوبة إلى السويس إلى الإسماعيلية إلي بورسعيد وتحت إبطيه "السمسمية" بعد أن صغّر حجمها وقلل من عدد أوتارها إلى خمسة أوتار لترتحل معه من مدينة إلى مدينة ومن بر إلى بحر إلى بر.

كما كان الاثنان "النجي وكبربر" شاهدان على انتقال فن السمسمية كالهواء من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان.

وعن نشأة فن السمسمية و الضمة البورسعيدية، يقول القدامى أن فنانًا نوبيًا يُدعى «محمد عثمان النجي» عبر من البحر الأحمر إلى منطقة حفر قناة السويس وفى يده «الطنبورة» الشقيقة الكبرى لآلة السمسمية، وبدأت معه تباشير الحكاية، ومُبتدأ فصول الدهشة على هذه الأرض المنسية التى عمّدها البحر بعد حفرها إلى عروسة أخرى من عرائسه.

هذا ولم تنس السمسمية للنجى فضله، فاحتفظت باسمه فى ذاكرتها وأدوارها: الحمد الله انه جى محمد عثمان النجى وطر الطنبورة لى.

ويحكى آخرون أن نوبيًا آخر يُسمى «عبد الله كبربر» جاب كل مدن القناة في الثلاثينات، وتحت إبطه آلة «السمسمية» ولم يجد مكانًا يتسع لفنه سوى مقهى «السبع حصون» لصاحبه الريس: حسن متولي، الذى استضافه ثلاث سنوات متواصلة، وتحولا إلى ظلين لروح واحدة، لأن الإثنين جمعهما الشغف بسحر أوتار السمسمية.

وللسمسمية اداور ربطت فنها ببلدان العالم فمنها بالله عليك يا طير يا رمادي/ افرد جناحك ودينى بلادي ... عدن عدن ياللى عليك بحرين/ فيه الحليوة ليه شهرين، عبّر الطائر الرمادى من اليمن إلى مدن القناة، ومن بحر عدن إلى بحورنا المصرية، ومنها أيضًا الدور الشهير (يا لدانه) وصلنا من البحر الأحمر وتحديدًا من السعودية إلى شواطئنا على البحرين الأبيض والأحمر، كما أن منها دور: روح بالسلامة يا جدع مطروح/ طريق السلامة يا جدع مطروح/ روح بالسلامة أمان أمان أمان، دور معبق بروح «القواصة الأتراك» أثناء تواجدهم فى مصر، ودور»السمسمية» البديع «زارنى المحبوب فى رياض الآس» انتقل من الشام إلى دمياط ومنها إلى مدن القناة

هذا غير الأدوار النوبية البديعة للسمسمية ومنها دور «علشان جرجيه وعلشان جرجوه، كما أن للسمسمية أساطير حاضرة ودائمة منهم محمد أبو يوسف «كاتب السمسمية الأغزر الذى كتب آلاف الأدوار، ومنها: من العزبة لرأس البر، وتعلم بُكايا ونوح يا حمام، وظل ابويوسف طيلة عمره مُعتزًا بذاته وبفنه مثل طاووس متيم بجمال ريشه، ولا يرى غيره بديلًا، وحينما نصحوه بالذهاب إلى «القاهرة» رد قائلًا: القاهرة من تأتينى إلى مكانى.

ويعد من اشهر الاساطين الداش الدمرداش فقد عمل فى صباه فى الميناء، وفى منتصف الثلاثينات تقلد «فتونة» شارع البلدية مع صديقه «شعنون، وأدارا معًا مقهى صغير فى عزبة فاروق وكانت وقتها منطقة فقيرة وعشوائية على هامش المدينة وأُزيلت منذ أربعين عامًا وحل محلها اليوم منطقة ارض العزب .

وإقترن إسم الداش باسم «أبو يوسف» كوجهين لكتابة واحدة أساسها العفوية والتلقائية، ويأتي ضمن كتاب السمسمية محمد المصيلحى الذى غفله الدارسون برغم أنه كتب مئات الأدوار الشهيرة ومنها: إحنا البورسعيدية/ إحنا ولاد الميّه، هانت يا بلاطوة، ومن الشعراء المعروفين كامل عيد، وابراهيم البانى، اللذين انتقلا بقصيدة «السمسمية» من عفويتها ونزقها إلى سبكها الجمالى والشعري، خاصة فى أدوار «فجر الرجوع أهو لاح» لإبراهيم البانى، و»طازة وعال يام الخلول» و»بلدى يا بلد الفدائيين» لكامل عيد.

ويعتبر الفنان حسن متولي هو الرائد الحقيقي لتيار السمسمية الوطنية ، فليس بصحيح ما هو شائع ، بأن السمسمية قد تحولت فجاءة للغناء الوطني أثناء مواجهة الحرب عام56، بل سبق قبل ذلك حين جذبها إلى ذلك الاتجاه حسن متولي ،عندما قدم في الأربعينيات ، أول الألحان الوطنية عقب الحرب العالمية الثانية إذا أستعصي على القاسي دوائي ولم يجد السبيل لبرء دائي فقل يا نيل مصر اليوم تبغي من الحلفاء تعجيل الجلاء.

وكان من الطبيعي أن تجري علي آلته نغمات أولى أغنيات المقاومة أثناء 56- " دا كنالنا وبحرنا " كلمات احمد الصياد و الحان حسن متولي.

ويرجع الفضل الي الريس حسن في تطوير آلة السمسميه بإضافة المفاتيح عوضا عن (الحوي) مما سهل على العازفين فيما بعد ضبط الآلة و الحفاظ علي درجة شد الوتر طوال مدة العزف.

وتأتي مقهى السبع حصون،لمالكها حسن متولي التي بناها في الثلاثينيات ، ليجلس فيها مع أصحابه و كتب عليها " النادي المصري السوداني " وأسماها الناس فيما بعد " قهوة السبع حصون " لتلعب دورا مهما في تاريخ السمسمية.

وكانت المقهي تقع في اول حي المناخ ناحية البحر، فى المنطقة الرابعة ،وصممت بسبعة أبواب ، منها أربعه أبواب في مواجهة البحر.

واستقبلت المقهي عبد الله كبربر مرتحلا من السويس ، وتحت إبطه آلة السمسميه و استضافه فيها حسن متولي ، يأكل و يشرب ، و ينام فيها لمدة ثلاث سنوات متواصلة . عشره وصحبة وضيافة.

ولأن كان حسن متولي كان فتوة الحي كله ، خناقات فتوات الحارات مع بعضهم تنتهي بالصلح في مقهاه – السبع حصون - ، فهو فتوة المناخين ، الفوقاني و التحتاني ، طولا بعرض ، و صاحب صاحبه ، ولما كانت كل حارة من حارات المناخ تسمى حصن ، كان لكل حارة باب في المقهى تجلس فيه، فجمعت كل طوائف الحي.

وارتاد القهوة كافة أصناف البشر من كل الطوائف، فهي تتسع لجميع الجماعات ، كجماعة البمبوطية وتجار البحر وسائقي اللنشات -زملاء المهنة -و أصحاب الفلايك ، جماعة تجار سوق الجملة ، حتى العربجية كان لهم جانب وحصن الحاج حسين الشلودي في قهوة حسن متولي ، إلي جانب بعض الأثرياء و كبار عائلات بورسعيد كالشيخ صديق لهيطه ، و الأخوان احمد ومحمد الصياد - وكانا أيضا يكتبان الشعر ، والشيخ المعمم "العتمة " أظرف ظرفاء بورسعيد ،و أول من احرق دميه اللنبي، ووسط تلك الجماعات.

وتجلس جماعة الفن و الضمه و السمسميه ، تتحلق حول حسن متولي ، وفيها يزوره زكريا الحجاوي الذي زامله في المدرسة الابتدائية في المطرية دقهليه ، و ظلت صداقتهما علي حالها ، فيقدم الحجاوي خماسي السمسمية الذي كونه حسن متولي ليغني في الإذاعة المصرية علي الهواء في الخمسينيات.

فكانت المقهي ملتقى للفنانين و الشعراء ، بداية من الشاعر الكبير أحمد رامي الذي كلما حضر إلي بورسعيد ، كان يجلس بالساعات ليستمع إلي عزف إبراهيم خلف على السمسمية ، و مرورا بالمطرب عبد العزيز محمود و إسماعيل يس ، وحتى جيل سيد الملاح ، أما الفنان محمود شكوكو ، فكان علي علاقة قوية بالمكان ، وكان لديه صديق من رواد القهوة يعمل بمبوطي اسمه حسن صفريته ، تعلم منه شكوكو حركات وإيقاعات الرقص البورسعيدي ، بعدما كان يكتفي بالرقص البلدي التقليدي ، فكانت الرقصة التي سجلها تمثاله الشهير ، وهو يضع يده علي رأسه ، تماما كاللزمه التي كانت تلازم حسن صفريته أثناء رقصه ، والذي غنى له شكوكو منولوج خاصا له يقول فيه :

الود حسن صفريته أجدع ولد في النطيطه
يطلع شليع ع الفرقيطه ويجيب فلوس بالطورنيطه
ضيع فلوسه ع الشيكوليطه والجميل وينه و النبي يابا

وفي عام ٥٦ احترقت القهوة و الحي علي يد الإنجليز و الفرنسيين واختطف الإنجليز الريس حسن واحتجزوه لمدة تزيد على شهر داخل معسكراتهم في الإسماعيلية التي تسمى الآن (معسكر الجلاء ).وهو جانب آخر في شخصيته.