الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ابن رشد.. قصة فيلسوف لا يرى تعارضا بين الدين والفلسفة

ابن رشد الفيلسوف
ابن رشد الفيلسوف

يرى أنه لا تعارض بين الدين والفلسفة، ولكن هناك بالتأكيد طرقًا أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة، ويؤمن بسرمدية الكون ويقول بأن الروح منقسمة إلى قسمين اثنين: القسم الأول شخصي يتعلق بالشخص والقسم الثاني فيه من الإلهية ما فيه، وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء، فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة.

فى هذا التقرير نرصد حياة ابن رشد، أهم فلاسفة الإسلام، فى ذكرى وفاته التي توافق الثالث من ربيع الأخر لعام 594هجرية.

هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، هو فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضٍ وفلكي وفيزيائي عربي مسلم أندلسي.

نشأ في أسرة من أكثر الأسر وجاهة في الأندلس، والتي عرفت بالمذهب المالكي، حفظ موطأ مالك، وديوان المتنبي، ودرس الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري.

يعد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام، دافع عن الفلسفة وصحح للعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو، قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيبًا له ثم قاضيًا في قرطبة.

تولّى منصب القضاء في إشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، تعرض ابن رشد في آخر حياته لمحنة، حيث اتهمه علماء الأندلس والمعارضون له بالكفر والإلحاد، ثم أبعده أبو يوسف يعقوب إلى مراكش وتوفى فيها (1198 م).

نشأ ابن رشد وسط أسرة أندلسية بارزة مارست الفتوى والزعامة الفقهية، فجده المشهور باسم ابن رشد الجد، للتمييز بينه وبين حفيده الفيلسوف، كان شيخ المالكية وقاضي الجماعة وإمام جامع قرطبة، كما كان جده من كبار مستشاري أمراء الدولة المرابطية، أما والده فهو أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد، الذي كان فقيها له مجلس يدرس فيه في جامع قرطبة، وله تفسير للقرآن في أسفار، وشرحٌ على سنن النسائي وتولى القضاء في قرطبة عام 532 هـ، بينما كان ابنه ابن رشد آنذاك في الثانية عشرة من عمره، فترك أبو القاسم القضاء لينقطع إلى التدريس والتأليف، في الفقه والتفسير والحديث، إلى أن توفى سنة 563 هـ عندما كان ابنه في أوج نشاطه الفلسفي، فعايش ابن رشد الحفيد في شبابه أواخر العصر المرابطي، وتميز ذلك العصر بسلطة الفقهاء على الفكر والثقافة والمجتمع والسياسة.

درس الفقه على يدي الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، واستظهر كتاب الموطأ حفظا للأمام مالك على يدي أبيه الفقيه أبي القاسم، ودرس أيضا على أيدي الفقيه أبي مروان عبد الملك بن مسرة، والفقيه ابن بشكوال وأبي بكر بن سمحون، وأبي جعفر بن عبد العزيز، الذي أجاز له أن يفتي في الفقه مع الفقيه أبي عبد الله المازري، كما درس على يد أبي جعفر هارون، وأبي مروان بن جبرول من بلنسية، وكان أقرب من أبي بكر بن زاهر (أحد أبناء ابن زهر)، وفي الفلسفة تأثر بابن باجة، كما كان صديقا لابن طفيل.

يرى ابن رشد أنه لا تعارض بين الدين والفلسفة، ولكن هناك بالتأكيد طرقًا أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة، ويؤمن بسرمدية الكون ويقول بأن الروح منقسمة إلى قسمين اثنين: القسم الأول شخصي يتعلق بالشخص والقسم الثاني فيه من الإلهية ما فيه، وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء، فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة.

ويدعي ابن رشد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأول معرفة الحقيقة استنادًا إلى الدين المعتمد على العقيدة وبالتالي لا يمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل، والمعرفة الثانية للحقيقة هي الفلسفة، والتي ذكرت أن عددا من النخبويين الذين يحظون بملكات فكرية عالية توعدوا بحفظها وإجراء دراسات جديدة فلسفية.

كان ابن رشد مغرمًا بعلوم الفلك منذ صغره، فكان يلاحظ الفلكيين حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء في وقت الظلام، وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدأ ابن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينته مراكش، والتي من خلالها قدم للعالم اكتشافات وملاحظات فلكية جديدة، واكتشف نجمًا لم يكتشفه الفلكيون الأوائل، وكان ابن رشد يتمتع بملكة عقلية باهرة، فكان يناقش نظريات بطليموس بل إنه نبذها من أصلها وأبدلها بنماذج جديدة تعطي تفسيرات أفضل لحقيقة الكون، وقدم للعالم تفسيرًا جديدًا لنظرية رشدية جديدة سميت "اتحاد الكون النموذجي"، ومن بعض انتقاداته لنظريات بطليموس حول حركة الكواكب أن قال: "من التناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية، فعلم الفلك في عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود في الحقيقة".

انطلق ابن رشد في آرائه الأخلاقية من مذهبَي أرسطو وأفلاطون، فقد اتفق مع أفلاطون على أن الفضائل الأساسية الأربع هي "الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة"، لكنه اختلف عنه بتأكيده أن فضيلتي العفة والعدالة عامتان لجميع أجزاء الدولة (الحكماء والحراس والصناع)، وهذه الفضائل كلها توجد من أجل السعادة النظرية، التي هي المعرفة العلمية الفلسفية، المقصورة على "الخاصة".

وأناط بالمرأة دورًا حاسمًا في رسم ملامح الأجيال القادمة، فألحَّ على ضرورة إصلاح دورها الاجتماعي في إنجاب الأطفال والخدمة المنزلية، وقال بعض الباحثين: «"لقد تساءل الفيلسوف ابن رشد في القرن الثاني عشر الميلادي وهو يعاين انطفاء آخر أنوار الحضارة العربية التي سمت في الشرق الأوسط وإسبانيا إلى ذرى شاهقة عما إذا لم يكن هذا الانحطاط يرجع جزئيًا على الأقل إلى الوضع الذي حبست فيه المرأة، وإلى انتباذها خارج الحياة الاجتماعية".

عُرف ابن رشد في الغرب بتعليقاته وشروحه لفلسفة وكتابات أرسطو والتي لم تكن متاحة لأوروبا اللاتينية في العصور الوسطى المبكرة، وقبل عام 1100م كان عدد قليل من كتب أرسطو عن المنطق هو الذي تمت ترجمته إلى اللغة اللاتينية على يد الفيلسوف المسيحي بوتيوس (بالإنجليزية : Boethius)، على الرغم من أن أعمال أرسطو الكاملة كانت معروفة في بيزنطة.

بعد أن انتشرت الترجمات اللاتينية لأعمال الأخرى لأرسطو من اليونانية والعربية في القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، أصبح أرسطو أكثر تأثيرًا على الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى، وساهمت شروح ابن رشد في ازدياد تأثير أرسطو في الغرب في العصور الوسطى، وفي أوروبا العصور الوسطى أثرت مدرسة ابن رشد في الفلسفة، والمعروفة باسم الرشدية تأثيرًا قويًا على الفلاسفة المسيحيين من أمثال توما الأكويني، والفلاسفة اليهود من أمثال موسى بن ميمون وجرسونيدوس.

وعلى الرغم من ردود الفعل السلبية من رجال الدين اليهودي والمسيحي، إلا أن كتابات ابن رشد كانت تدرس في جامعة باريس وجامعات العصور الوسطى الأخرى، وظلت المدرسة الرشدية الفكر المهيمن في أوروبا حتى القرن السادس عشر الميلادي، وقدم كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال تبريرًا للتحرر من العلم والفلسفة من اللاهوت الأشعري، وبالتالي اعتبرت الرشدية تمهيدًا للعلمانية الحديثة.