الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التدين الشكلي


يعد التناقض بين العبادات والمعاملات أو التدين الشكلي لدى بعض الناس من أخطر الأمراض، وهو باب ينتهي بصاحبه إلى النفاق والعياذ بالله، وهكذا فإنني أحذر من مغبة هذا السلوك الذي يُبعد الشخص عن الله تعالى؛ فالمسلم الحق يجب أن يكون ظاهره وباطنه سواء.. يجب أن تكون أقواله وأفعاله سواء.. يجب أن يكون سلوكه في الشارع والعمل والبيت وفي دنيا الناس كسلوكه بين يدي الله..

ولما كان الإسلام قد جاء لإصلاح النفس والكون وإسعاد الحياة، فإنه أكد كثيرا على التحذير والتنفير من خطورة النفاق والمنافقين على المجتمع هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية أكد على الترابط الواضح الذي لا ينفك أبدا بين العبادة والعمل (السلوك)، فجعلهما وجهين لعملة واحدة، ومن ناحية ثالثة فإن العبادات في الإسلام ليست شعائر تؤدى فقط، ولكنها موجهات للإنسان إلى طريق الله ومراقبته.. وإلى طريق الصلاح والإصلاح والسعادة والإسعاد.

فالشهادتان ليستا ألفاظا تنبس بهما الشفاه، ولكنهما موجهتان للمسلم لتظل كينونته في معية الله ومراقبته والإخلاص له، والاعتراف الدائم لله تعالى بالألوهية والوحدانية، ولسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة.

والصلاة معراج المسلم إلى ربه؛ تُذكِّرُ العبدَ بخالِقِه على الدوام، ويستشعر العبد من خلالها بمعية الله؛ ففيها عبوديةُ للقلبِ وانقياده وإخلاصه وخشوعه وخضوعه ومراقبته لله، وبالجملة تمرينه الدائم على ديمومة الذكر حتى لا يتعطل؛ فالقلبُ المعطلُ عن ذكرِ الله، معطلٌ عن كلِّ خيرٍ.. وفي الصلاة أيضا عبودية للسان بالذكر والثناء والدعاء والاستغفار.. إلخ، وفيها عبودية للجوارح بالقيام والركوع والسجود والاعتدال والخفض والرفع، وما يسبق ذلك من أعمال كالوضوء والغسل والطهارة، وغير ذلك مما لم يجتمع في غيرها من العبادات؛ لذلك فمن الغرابة بمكان أن تكون الصلاة بهذه المكانة ويكون بعض المصلين بعيدين عن تحقيق مقاصدها في ضبط حركة المسلم في هذه الحياة، قال تعالى (..وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت: 45) وعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (من لم تنهَهُ صلاتُهُ عن الفحشاءِ والمنكَرِ لم يزدَدْ بها من اللهِ إلَّا بُعْدًا) (أخرجه القضاعي في مسند الشهاب، وإسناده حسن)، وهكذا ففي الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله.

والصيام الذي نعيشه ونعايشه ويعيش فينا وفي وجداننا وفي كل جوارحنا، يجب أن يربي الضمير فينا ويوقظه على الدوام؛ حتى لا يعتريه خلل في يوم من الأيام.. يجب أن يحقق في المسلم خصيصة المراقبة والإحسان وينميها.. يجب أن يُشعِر الغني بآلام الفقر، بحيث يدفعه إلى البذل والعطاء والسخاء والكرم.. يجب أن يُكسب الصومُ الشخصَ أخلاقًا رفيعةً تظهر دوما في العبادات والمعاملات، وإلا فرُّب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.. وما يُقال عن الصلاة والصيام يُقال أيضا عن سائر العبادات؛ حتى تتحقق نظافة الظاهر والباطن والضمير والجوارح، يقول الشيخ محمد الغزالي: "ما قيمة صلاة وصيام لا يُعلمان الإنسانَ نظافة الضمير والجوارح".

والواجب على المسلم الذي تلبس بمعصية أن يقلع عنها، وألا يترك نفسه لوساوس الشيطان، بل يجب أن تكون العبادة سببا في إقالة العبد من معاصيه وليس العكس.. وتبقى العبادات والمعاملات ومنظومة القيم الإسلامية ومقاصدها التي جاء بها رسولنا الكريم هي الأساس والقاعدة العامة التي يجب أن تتكاتف شتى مؤسسات الدولة لتكون حاضرة وفعالة ومؤثرة؛ لينهض المجتمع ويتقدم ويزدهر بإذن الله تعالى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط