الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.مصطفى عوض يكتب: نظرات وأحداث تاريخية في رمضان (2)

صدى البلد

رمضان في تاريخ المسلمين كان فتحًا ونصرًا وثقة وأملًا في الله، ففيه من الأحداث المهمة التي وقعت حادثة فتح مكة في العشرين من رمضان سنة 8هـ( )، وكان سبب فتحها: أن قريشًا نقضت عهدها الذي وقعته في الحديبية سنة 6هـ/ 628م بعد سبعة عشر أو ثمانية عشر شهرًا( )، حيث بيتت بنو بكر –حلفاء قريش- لخزاعة –حلفاء النبي - على ماء يقال له: الوتير ليلًا وقتلوا منهم عشرين رجلا( )، وقد ساعدتهم قريش بالسلاح والرجال حيث قاتل معهم رجال من قريش مستغلين ظلمة الليل مثل: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو وغيرهم.

خرج على الفور عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين رجلًا حتى قدم على رسول الله  المدينة المنورة قائلًا لرسول الله :
يارب إني ناشد محمدًا                              حلف أبيه وأبينا الأتلدا
إن قريشًا أخلفوك الموعدا                          ونقضوا ميثاقك المؤكدا
فرد عليه رسول الله  بقوله: "نصرت يا عمرو بن سالم"؛ لأن الاعتداء على خزاعة حلفاء المسلمين هو بمثابة اعتداء على النبي  وأصحابه، كما أنهم مسلمون ويجب نصرتهم.
أبو سفيان يحاول تجديد الصلح:
أدركت قريش سريعًا الخطأ الذي وقعت فيه ونقضها للعهد الذي كان مع المسلمين؛ فأرسلت أبا سفيان ليجدد العهد ويزيد المدة، والتقى بالرسول وأبي بكر الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم جميعًا، ولكنه فشل في ذلك، ورجع دون أن يحقق شيئًا( ).
أحداث الفتح:
1- الاستعداد في سرية تامة:
أمر الرسول  أصحابه بالاستعداد للخروج إلى مكة في سرية تامة؛ لأنه لا يريد أن تقع في مكة حربٌ، ويحفظ لها حرمتها، ولهذا قال: "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها"( ).
2- استخدام أسلوب الحرب النفسية:
وخرج الرسول  إلى مكة يوم الأربعاء بعد العصر العاشر من رمضان سنة 8هـ في عشرة آلاف، واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، ولما وصل إلى الكديد( ) رأى أن الصوم شاق على أصحابه، فدعا بإناء فشرب منه نهارًا ليراه أصحابه( )–وهذه رخصة أباحها الله للمسافر والمجاهد- فعلها رسول الله  ليكون قدوة لغيره، ولما وصل إلى مر الظهران قال لأصحابه: "إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم".
وفي مر الظهران أمر أصحابه أن يوقدوا نارًا فأوقدوا عشرة آلاف نار، وجعل الرسول على الحرس عمر بن الخطاب ، فحولت هذه النار ليل مكة إلى نهار، وألقت الرعب في قلوب قريش، وخرج أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء؛ ليستطلعوا الأخبار عن رسول الله وأصحابه، فلما رأوا النار قال أبو سفيان: والله ما رأيت كاليوم قط نيرانا! 
وأخذ العباس بن عبد المطلب عم رسول الله  أبا سفيان إلى رسول الله  ليستأمن له من رسول الله ، وأمنه رسول الله .
وأمر رسول الله  عمه العباس أن يأخذ أبا سفيان يوم الثلاثاءالسابع عشر من رمضان ويقف به عند مضيق الوادي؛ لتمر عليه جنود المسلمين فيراها، وبعد انتهاء العرض العسكري طلب العباس من أبي سفيان أن يلحق بقومه ليحذرهم، فخرج سريعًا إلى مكة وصاح بأعلى صوته عند المسجد: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل داري فهو آمن، فقالوا ويحك، وما تغني عنا دارك؟ فقال: ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم، وإلى المسجد.
3- دخول المسلمين مكة المكرمة:
اعتمدت خطة الرسول  في دخول مكة على الهجوم الشامل والتطويق، فقسم جيشه إلى أربع فرق، كل فرقة تدخل مكة من ناحية: الفرقة الأولى بقيادة الزبير بن العوام وهي ميسرة الجيش، وتدخل مكة من الناحية الشمالية، والفرقة الثانية بقيادة خالد بن الوليد وهي ميمنة الجيش وتدخل مكة من الناحية الجنوبية، وفرقة المهاجرين بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح وتدخل مكة من الشمال الغربي، وفرقة الأنصار بقيادة قيس بن سعد وتدخل مكة من الناحية الغربية من ناحية كداء، وتجتمع الفرق الأربع بأعلى مكة حيث سيكون الرسول  هناك، وأصدر الأمر بألا تقاتل هذه الفرق إلا إذا اضطرت للقتال( ). 
ودخل المسلمون مكة المكرمة سلمًا، ولم يقع قتال إلا مناوشات خفيفة من الجهة التي دخل منها خالد بن الوليد الذي قتل عشرين ممن اعترضوا طريقه، واستشهد من المسلمين اثنان، وفتحت مكة يوم الجمعة العشرين من رمضان سنة 8هــ، ليسجل التاريخ أن شهر رمضان كان شهر عمل وعبادة وفتحٍ ونصرٍ وانتصارٍ للمسلمين على مر تاريخهم الطويل.