يمضي الإنسان في حياته وسط الزحام، بين الناس والأماكن والأحلام، يعيش تفاصيل كثيرة، يمر بمواقف لا تُنسى، يقابل أشخاصا يشاركونه الضحك والحزن، النجاح والفشل، الحب والخذلان. أصدقاء كانوا أقرب من النفس، أهل كنا نظن أنهم لن يغيبوا أبدا، مواقف كنا نعتقد أنها خالدة، أياما ضحكنا فيها حتى دمعت عيوننا، ليالٍ بكينا فيها ونمنا في أحضان من نحب. ثم فجأة، كأن لم يكن.
كم من أشخاص كانوا معنا في كل لحظة، نأكل معهم، نسافر، نخطط للمستقبل، نشاركهم أسرارنا، نثق فيهم ثقة عمياء، ثم حدث شيء ما، خلاف بسيط، مسافة زادت، حياة فرقت، اختيارات اختلفت، أو قدر قرر أن يسحبهم من حياتنا دون إنذار.
في لحظة، يختفون، لا رسائل، لا مكالمات، لا لقاءات، فقط غياب، وسكون، وصور باهتة في الذاكرة، كأن لم يكن.
الحياة لا تتوقف، ونحن لا نملك رفاهية التوقف عند كل من غادر. نكمل، نبتسم، نضحك، لكن في القلب فراغ لا يُملأ، ومساحات من الحنين لا تجد عنوانا. نتذكر ضحكاتهم، كلماتهم، تفاصيلهم الصغيرة، ثم نصمت، لأن ما كان، لم يعد له وجود، كأن لم يكن.
ومن جهة أخرى، تمضي حياة الإنسان ككل بنفس الطريقة، يركض خلف أحلامه، يتعب، يجاهد، ينجح، يفشل، يفرح، يحزن، يصنع تاريخا خاصا به، يحاول ترك أثر، يظن أن الزمن سيتوقف له، ثم تأتي النهاية. يتوقف كل شيء، ويصمت كل شيء، وتنطفئ الأضواء، وتُغلق الصفحة، كأن لم يكن.
تلك الحقيقة القاسية تعلمنا الكثير، أن لا نتمسك بالأشياء الزائلة، أن لا نؤجل الحب، ولا نكتم الكلمة الطيبة، أن نتصالح، ونسامح، ونعبر عن مشاعرنا دون خوف. لأن اللحظة القادمة لا نعلم إن كانت ستأتي، ومن نراه أمامنا الآن، قد يكون غدا مجرد ذكرى، أو لا شيء، كأن لم يكن.
ولذلك، علينا أن نعيش كل لحظة بصدق، أن نعطي من نحبهم ما يستحقون، أن لا نتورط في كراهية، ولا نضيع أعمارنا في خلافات تافهة. فالرحيل قادم، سواء رحيل الأشخاص من حياتنا، أو رحيلنا نحن عن الدنيا كلها، والمهم في النهاية ليس من بقى ومن رحل، بل من بقي له في القلوب أثر، ومن ترك شيئا جميلا يُذكر، فلا يُقال عنه كأن لم يكن.