الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأضحية عن الميت.. شروطها وجميع أحكامها ليصل الثواب إليه

الأضحية عن الميت..
الأضحية عن الميت.. هذه شروطها وجميع أحكامها ليصل الثواب إليه

الأضحية عن الميت من الأحكام الشرعية التي تهم الكثييرين، ويبحثون عنها على مواقع الإنترنت، كما يبحثون أيضاعن حكم الأضحية عن الميت، وهل تجوز الأضحية عن الميت، وذبح الأضحية عن الميت، وشروط الأضحية عن الميت، وفي ذلك قالت دار الإفتاء المصرية إنه  
إذا أوصى الميت بالتضحية عنه أو وقف وقفًا لذلك؛ جاز بالاتفاق التضحية عنه، فإن كانت واجبة بالنذر وغيره؛ وجب على الوارث إنفاذ ذلك، أما إذا لم يوصِ بها فأراد الوارث أو غيره أن يضحي عنه من مال نفسه؛ ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز التضحية عنه، وقال الشافعية: الذبح عن الميت لا يجوز بغير وصية أو وقف.

هل تجوز الأضحية عن الميت:

جوزا الأضحية عن الميت قالت فيه لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف أنه يجوز للابن أن يضحي عن أبيه الميت على الراجح من أقوال أهل العلم، ويصل ثوابها إلى أبيه الميت مذهب الحنفية والحنابلة، وأن هذا مذهب أبو داود صاحب السنن حيث قال: «باب الأضحية عن الميت ثم ذكر بإسناده عن حنش قال: « رأيت عليًا رضي الله عنه يضحي بكشبين فقلت له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-أوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه، وكان ذلك بعد وفاة النبي- عليه الصلاة والسلام-».

حكم الأضحية عن الميت:

في بيان حكم الأضحية عن الميت قال الدكتور مجدى عاشور، المستشار العلمى لمفتى الجمهورية، إنه المتبادر لدى الكثير أن الأضحية تكون للإنسان الحى ولا تجزئ عن الميت، واختلف الفقهاء فى ذلك، فمعظهم يقولون أن الأضحية شأنها كشأن الصدقة تمامًا تجوز للحى وللميت، فيجوز ذبح الأضحية عن الميت ويصله الثواب مثل الصدقة؛ لأن الأضحية مثل الصدقة تمامًا فيجوز ولا حرج فى ذلك.

أحكام الأضحية عن الميت: 

تضافرت النصوص الشرعية الدالة على وصول ثواب الأعمال للأموات، ومن ذلك جواز الصوم عن الميت، وكذلك جواز الحج عنه، وقد ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة؛ فإذا كان الصوم -وهو عبادة بدنية- والحج -وهو عبادة بدنية مالية- يصل ثوابهما إلى الميت؛ فثواب  الأضحية عن الميت يصل أيضًا، كما أن العلماء أجمعوا على وصول ثواب الصدقات إلى الأموات، والأضحية من جملة الصدقات، ولا تخرج عنها. 

وقال الكاساني -رحمه الله-: "وجه الاستحسان أن الموت لا يمنع التقرب عن الميت، بدليل أنه يجوز أن يتصدق عنه ويحج عنه، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لا يذبح من أمته، وإن كان منهم من قد مات قبل أن يذبح، فدل أن الميت يجوز أن يتقرب عنه"، "بدائع الصنائع" (5/ 72)، ويقول ابن عابدين- رحمه الل-ه: "من ضحى عن الميت يصنع كما يصنع في أضحية نفسه من التصدق والأكل والأجر للميت والملك للذابح" "حاشية ابن عابدين" (6/ 326).

أما الحنابلة فقالوا: "التضحية عن ميت أفضل منها عن حي؛ لعجزه واحتياجه إلى الثواب، ويعمل بها كأضحية عن حي من أكل وصدقة وهدية". ينظر "مطالب أولي النهى" (2/ 472)، أما المالكية فقالوا بالجواز العام المشوب بالكراهة، كما جاء في "شرح مختصر خليل" للخرشي (3/ 42): "يكره للشخص أن يضحي عن الميت خوف الرياء والمباهاة ولعدم الوارد في ذلك، وهذا إذا لم يعدها الميت وإلا فللوارث إنفاذها"، وقد خالف في ذلك الشافعية في معتمد مذهبهم، يقول الإمام النووي رحمه الله: "أما التضحية عن الميت، فقد أطلق أبو الحسن العبادي جوازها؛ لأنها ضرب من الصدقة، والصدقة تصح عن الميت وتنفعه وتصل إليه بالإجماع. وقال صاحب "العدة" والبغوي: لا تصح التضحية عن الميت إلا أن يوصي بها، وبه قطع الرافعي" "المجموع" (8/ 380).


ذبح الأضحية عن الميت:

لا يقوم غير الأضحية من الصدقات مقامها حتى لو تصدق إنسان بشاة حية أو بقيمتها في أيام النحر؛ لم يكن ذلك مغنيًا له عن الأضحية، لا سيما إذا كانت واجبة، وذلك أن الوجوب تعلق بإراقة الدم، والأصل أن الوجوب إذا تعلق بفعل معين لا يقوم غيره مقامه كالصلاة والصوم بخلاف الزكاة، فتعد الضحية أفضل من الصدقة؛ لأنها واجبة أو سنة مؤكدة، وهي شعيرة من شعائر الإسلام.

الأضحية عن الميت تعريفها:

تعريف الأضحية لا يختلف بين ميت أو حي، فالأضحية في لغة العرب: فيها أربع لغات على ما ذكر الإمام اللغوي الأصمعي: إضْحِيَّةٌ، وأُضْحِيَّةٌ والجمع أضاحي، وضَحِيَّةٌ على فعيلة والجمع ضحايا، وأضْحَاةٌ والجمع أضحًى كما يقال: أرطاةٌ وأرْطًى، وبالأضحية سمي يوم الأضحى؛ أي اليوم الذي يضحي فيه الناس، كما عرفها اللغويون بتعريفَين؛ أحدهما: الشاة التي تذبح ضحوة، أي: وقت ارتفاع النهار والوقت الذي يليه، وثانيهما: الشاة التي تذبح يوم الأضحى، وهذا المعنى ذكره صاحب "اللسان" أيضًا.

تعريف الأضحية عند الفقهاء: الأضحية هي ما يذبح من النعم تقربًا إلى الله -تعالى- من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق بشرائط مخصوصة، وعليه فليس من الأضحية ما يذكى لغير التقرب إلى الله -تعالى-، أو جزاء التمتع أو القران في النسك، أو جزاء ترك واجب أو فعل محظور في النسك، أو يذكى بنية الهدي، وهذا حسب ما ذكرته دار الإفتاء المصرية، عبر بوابتها الإلكترونية الرسمية. 

شروط الأضحية عن الميت:

شروط  الأضحية عن الميت هي نفسها شروط الأضحية عن الحي، وهي ثلاثة أنواع: نوع يرجع إلى الأضحية، ونوع يرجع إلى المضحي، ونوع يرجع إلى وقت التضحية.


الشرط الأول: وهو متفق عليه بين المذاهب، وهو أن تكون من الأنعام، وهي الإبل بأنواعها، والبقرة الأهلية، ومنها الجواميس، والغنم ضأنًا كانت أو معزًا، ويجزئ من كل ذلك الذكور والإناث.

فمن ضحى بحيوان مأكول غير الأنعام، سواء أكان من الدواب أم الطيور لم تصح تضحيته به؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 34]، ولأنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو ذبح دجاجة أو ديكًا بنية التضحية لم يجزئ.

ويتعلق بهذا الشرط أن الشاة تجزئ عن واحد والبدنة والبقرة كل منهما عن سبعة؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»، أخرجه مسلم.

الشرط الثاني: أن تبلغ سن التضحية، بأن تكون ثنية أو فوق الثنية من الإبل والبقر والمعز، وجذعة أو فوق الجذعة من الضأن، فلا تجزئ التضحية بما دون الثنية من غير الضأن، ولا بما دون الجذعة من الضأن؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» رواه مسلم في "صحيحه".

والمسنة من كل الأنعام هي الثنية فما فوقها، حكاه الإمام النووي عن أهل اللغة، وعليه فأقل ما يجزئ من السن ما يلي: الجذعة من الضأن: والجذع من الضأن ما أتم ستة أشهر، والمسنة من الماعز هي الثني: وهي ما أتم سنة قمرية ودخل في الثانية دخولًا بينًا كأن يمر عليها شهر بعد بلوغ السنة، والمسنة من البقر هي الثني: وهي ما بلغ سنتين قمريتين، والجاموس نوع من البقر، والمسنة من الإبل -الجمال- الثَّنِي: وهو ما كان ابن خمس سنين.

ولكن المفتى به في دار الإفتاء المصرية أنه يمكن تخلف شرط السن في الذبيحة، فيجوز ذبح الصغيرة التي لم تبلغ السن إن كانت عظيمة بحيث لو خلط بالثنايا لاشتبه على الناظرين من بعيد، حيث إن وفرة اللحم في الذبيحة هي المقصد الشرعي من تحديد هذه السن، فلو حصلت وفرة اللحم أغنت عن شرط السن.


الشرط الثالث: سلامتها من العيوب الفاحشة، وهي العيوب التي من شأنها أن تنقص الشحم أو اللحم إلا ما استثني.

وبناء على هذا الشرط لا تجزئ التضحية بما يأتي:

1- العمياء.
2- العوراء البين عورها، وهي التي ذهب بصر إحدى عينيها، وفسرها الحنابلة بأنها التي انخسفت عينها وذهبت؛ لأنها عضو مستطاب، فلو لم تذهب العين أجزأت عندهم، وإن كان على عينها بياض يمنع الإبصار.
3- مقطوعة اللسان بالكلية.
4- ما ذهب من لسانها مقدار كثير، وقال الشافعية: يضر قطع بعض اللسان ولو قليلًا.
5- الجدعاء، وهي مقطوعة الأنف.
6- مقطوعة الأذنين أو إحداهما، وكذا السكاء وهي: فاقدة الأذنين أو إحداهما خلقة، وخالف الحنابلة في السكاء.
7- ما ذهب بعض الأذن مطلقًا، والأصل في ذلك كله حديث: "أن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم نهى أن يُضَحَّى بعضْباءِ الأذنِ" أخرجه أبو داود.
8- العرجاء البين عرجها، وهي التي لا تقدر أن تمشي برجلها إلى المنسك -أي المذبح-، وفسرها المالكية والشافعية بالتي لا تسير بسير صواحبها.
9- الجذماء، وهي: مقطوعة اليد أو الرجل، وكذا فاقدة إحداهما خلقة.
10- الجذاء، وهي: التي قطعت رءوس ضروعها أو يبست، وقال الشافعية: يضر قطع بعض الضرع ولو قليلًا.
11- مقطوعة الألية، وكذا فاقدتها خلقة، وخالف الشافعية فقالوا بإجزاء فاقدة الألية خلقة بخلاف مقطوعتها.
12- ما ذهب من أليتها مقدار كثير، وقال الشافعية: يضر ذهاب بعض الألية ولو قليلًا.
13- مقطوعة الذنب، وكذا فاقدته خلقة، وهي المسماة بالبتراء.
14- ما ذهب من ذنبها مقدار كثير، وقال المالكية: لا تجزئ ذاهبة ثلثه فصاعدًا، وقال الشافعية: يضر قطع بعضه ولو قليلًا.
15- المريضة البين مرضها، أي التي يظهر مرضها لمن يراها.
16- العجفاء التي لا تنقي، وهي المهزولة التي ذهب نقيها، وهو المخ الذي في داخل العظام، فإنها لا تجزئ؛ لأن تمام الخلقة أمر ظاهر، فإذا تبين خلافه كان تقصيرًا.
17- مصرمة الأطباء، وهي التي عولجت حتى انقطع لبنها.
18- الجلالة، وهي التي تأكل العذرة ولا تأكل غيرها، ما لم تُستبرأ بأن تحبس أربعين يومًا إن كانت من الإبل، أو عشرين يومًا إن كانت من البقر، أو عشرة إن كانت من الغنم.

وذكر الشافعية أن الهيماء لا تجزئ، وهي المصابة بالهيام وهو عطش شديد لا ترتوي معه بالماء، فتهيم في الأرض ولا ترعى، وكذا الحامل على الأصح؛ لأن الحمل يفسد الجوف ويصيِّر اللحم رديئًا. انظر: "المجموع شرح المهذب" (8/ 400).

وما عدا ذلك من العيوب فلا يؤثر في صحة الأضحية، والأصل الذي دل على اشتراط السلامة من هذه العيوب كلها ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ -فَقَالَ-: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى» أخرجه أبو داود، وما صح عنه عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه سيدنا علي أنه قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ" أخرجه أحمد، أي: تأملوا سلامتهما من الآفات، وما صح عنه عليه الصلاة والسلام "أنه نهى أن يُضَحَّى بعضْباءِ الأذنِ"، أخرجه أبو داود.

طروء العيب المخل بعد تعيين الأضحية:

من أوجب أضحية معينة بالنذر أو الجعل، ثم طرأ عليها عيب يمنع إجزاءها قبل دخول الوقت الذي تجزئ فيه التضحية أو بعد دخوله وقبل تمكنه من الذبح، ولم يقع منه تفريط ولا اعتداء لم يلزمه بدلها، لزوال ملكه عنها من حين الإيجاب، ويلزمه أن يذبحها في الوقت ويتصدق بها كالأضحية وإن لم تكن أضحية، وإذا طرأ العيب باعتدائه أو تفريطه أو تأخره عن الذبح في أول الوقت بلا عذر لزمه ذبحها في الوقت والتصدق بها، ولزمه أيضًا أن يضحي بأخرى لتبرأ ذمته.

ولو اشترى شاة وأوجبها بالنذر أو الجعل، ثم وجد بها عيبًا قديمًا، فليس له أن يردها على البائع؛ لأنه زال ملكه عنها بمجرد الإيجاب، فيتعين أن يبقيها، وله أن يأخذ أرش النقص من البائع، ولا يجب عليه التصدق به؛ لأنه ملكه، وعليه أن يذبحها في الوقت، ويتصدق بها كلها لشبهها بالأضحية، وإن لم تكن أضحية، ويسقط عنه الوجوب بهذا الذبح، ويسن له أن يردفها بسليمة، لتحصل له سنة التضحية.

ولو زال عيبها قبل الذبح لم تصر أضحية إذ السلامة لم توجد إلا بعد زوال ملكه عنها.

ولو قدم المضحي أضحية ليذبحها، فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه، فانكسرت رجلها، أو انقلبت فأصابتها الشفرة في عينها فاعورت أجزأته؛ لأن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه؛ لأن الشاة تضطرب عادة، فتلحقها العيوب من اضطرابها.

الشرط الرابع: أن تكون مملوكة للذابح، أو مأذونًا له فيها صراحة أو دلالة، فإن لم تكن كذلك لم تجزئ التضحية بها عن الذابح؛ لأنه ليس مالكًا لها ولا نائبًا عن مالكها؛ لأنه لم يأذن له في ذبحها عنه، والأصل فيما يعمله الإنسان أن يقع للعامل ولا يقع لغيره إلا بإذنه.



الشرط الأول: نية التضحية؛ لأن الذبح قد يكون للحم، وقد يكون للقربة، والفعل لا يقع قربة إلا بالنية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، أخرجه البخاري.

الشرط الثاني: أن تكون النية مقارنة للذبح أو مقارنة للتعيين السابق على الذبح، سواء أكان هذا التعيين بشراء الشاة أم بإفرازها مما يملكه، وسواء أكان ذلك للتطوع أم لنذر في الذمة، ومثله الجعل كأن يقول: جعلت هذه الشاة أضحية، فالنية في هذا كله تكفي عن النية عند الذبح، وهذا عند الشافعية وهو المفتى به.

دليل الأضحية عن الميت:

الأضحية مشروعة بالكتاب والسنة القولية والفعلية، وانعقد الإجماع على ذلك، أما الكتاب: فقال -تعالى-: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، قال القرطبي: [قال قتادة وعطاء وعكرمة: فَصَلِّ لِرَبِّكَ صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَانْحَرْ نُسُكَكَ. وقال أنس: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَنْحَرُ ثُمَّ يُصَلِّي، فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْحَرَ]، وأما السنة: فهناك عدة أحاديث تروي لنا فعله صلى الله عليه وآله وسلم لها، وأخرى تحكي قوله في بيان فضلها والترغيب فيها، فأما السنة النبوية الفعلية، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضحي وكان يتولى ذبح أضحيته بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم فمن ذلك: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "ضَحَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا"، متفق عليه، وغير ذلك الكثير من الأحاديث.

وأما السنة النبوية القولية: فقد وردت أحاديث كثيرة في الأضحية؛ منها:عن البراء -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ»، رواه البخاري ومسلم، وعن جندب بن سفيان -رضي الله عنه- قال: شهدتُ الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعدُ أن صَلَّى وفرغ من صلاته سَلَّمَ، فإذا هو يرى لحم أضاحِي قد ذُبحت قبل أن يفرغ من صلاته، فقال: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ -أَوْ نُصَلِّيَ-، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ» رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وقد أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية.


متي شرعت الأضحية ولماذا:

شرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وهي السنة التي شرعت فيها صلاة العيدين وزكاة المال، وذلك لحِكَم كثيرة منها:

أولًا: شكرًا لله -سبحانه وتعالى- على نعمه المتعددة، فالله سبحانه وتعالى قد أنعم على الإنسان بنعمٍ كثيرةٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصى كنعمة البقاء من عام لعام، ونعمة الإيمان ونعمة السمع والبصر والمال؛ فهذه النعم وغيرها تستوجب الشكر للمنعم سبحانه وتعالى، والأضحية صورةٌ من صور الشكر لله سبحانه وتعالى، فيتقرب العبد إلى ربه بإراقة دم الأضحية امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى، حيث قال جلَّ جلاله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2].

ثانيًا: إحياء سنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين أمره الله عز وجل بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام في يوم النحر، وأن يتذكر المؤمن أن صبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإيثارهما طاعة الله ومحبته على محبة النفس والولد كانا سبب الفداء ورفع البلاء، فإذا تذكر المؤمن ذلك اقتدى بهما في الصبر على طاعة الله وتقديم محبته عز وجل على هوى النفس وشهوتها.

ثالثًا: ذبح الأضحية وسيلة للتوسعة على النفس وأهل البيت وإكرام الجيران والأقارب والأصدقاء والتصدق على الفقراء، وقد مضت السنة منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التوسعة على الأهل وإكرام الجيران والتصدق على الفقراء يوم الأضحى، فقد ثبت في الحديث عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ»، فقال رجل: هذا يوم يشتهى فيه اللحم وذكر هَنَةً من جيرانه فكأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عذره، وقال: عندي جذعة خير من شاتين، فرخص له النبي صلى الله عليه وآله وسلم. الحديث رواه البخاري ومسلم.

حكم الأضحية:

اختلف الفقهاء في حكم الأضحية على قولين:

القول الأول: أنها سنةٌ مؤكدةٌ في حق الموسر، وهذا قول جمهور الفقهاء، ومنهم الشافعية والحنابلة، وهو أرجح القولين عند الإمام مالك وإحدى روايتين عن القاضي أبي يوسف، وهو كذلك قول أبي بكر وعمر وبلال وأبي مسعود البدري وسويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر، وهو المفتى به في الديار المصرية، وبه أخذت دار الإفتاء المصرية.

واستدل الجمهور على السنية بأدلة، منها: قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذَا دَخَلَت الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» رواه مسلم في "صحيحه"، ووجه الدلالة في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ» فجعله مفوضًا إلى إرادته، ولو كانت التضحية واجبة لاقتصر على قوله: «فلا يمس من شعره شيئًا حتى يضحي»، ومن الأدلة أيضًا أن الشيخين أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- كانا لا يضحيان السنة والسنتين مخافة أن يُرى ذلك واجبًا، رواه البيهقي، وهذا الصنيع منهما يدل على أنهما علما من الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عدم الوجوب، ولم يُروَ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.


القول الثاني: أنها واجبة، وذهب إلى ذلك الإمام أبو حنيفة، وهذا المذهب هو المروي عن صاحبيه الإمام محمد بن الحسن والإمام زفر وإحدى الروايتين عن القاضي أبي يوسف، وبه قال من أئمة الفقهاء: ربيعة، والليث بن سعد، والأوزاعي، والثوري، ومالك في أحد قوليه.
واستدل الحنفية على ذلك بقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، فقد قيل في تفسيره: صلِّ صلاة العيد وانحر البدن، ومطلق الأمر للوجوب، ومتى وجب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجب على الأمة لأنه قدوتها.

واستدلوا أيضًا بقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» أخرجه ابن ماجه، وهذا كالوعيد على ترك التضحية، والوعيد إنما يكون على ترك الواجب، واستدلوا كذلك بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ»، رواه مسلم في "صحيحه"، فإنه أمر بذبح الأضحية وبإعادتها إذا ذكيت قبل الصلاة، وذلك دليل الوجوب.
ثم إن الحنفية القائلين بالوجوب يقولون: إنها واجبة عينًا على كل من وجدت فيه شرائط الوجوب، فالأضحية الواحدة كالشاة وسبع البقرة وسبع البدنة إنما تجزئ عن شخص واحد.

وقت التضحية مبدأ ونهاية:

يدخل وقت ذبح الأضحية بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي، وهذا قول الشافعية والحنابلة، وبه قال ابن المنذر وداود الظاهري والطبري، وهو المفتى به.

وينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، أي أن أيام النحر أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وهو قول الشافعية.

وقد احتج الشافعية على ذلك بقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «كُل أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبَحٌ» أخرجه ابن حبان، قال الإمام الشافعي: [فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق ثم ضحى أحد فلا ضحية له]  "الأم" (2/ 222).