قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

نرمين الشال تكتب: «صاحب المقام».. كيف أمسك العصا من المنتصف؟


دفعتني الرغبة في البحث حول الصوفية لمشاهدة فيلم "صاحب المقام" ومع أنني لست من مريدي إبراهيم عيسى، الذين يتحلقون حول أفكاره وآراءه، لكن أدهشني أن نسبة كبيرة ممن كتبوا عن الفيلم لم يشاهدوه أبدا، بل قاموا بنقد أحداث لم يتم تجسيدها من الأساس، ولن نتوقف عند هذه النقطة، بدأت المشاهدة وأعترف أني أخذت أفتش مع أول مشهد بالفيلم عن أحد هذه الأفكار الشائكة التي تعود "عيسى" طرحها في كتاباته الصحفية والسينمائية، وساعدني عرض الفيلم عبر منصة " شاهد " على تكرار المشاهدة والتدقيق في السيناريو والحوار.

فكرة الرسائل التي يضعها الناس في أضرحة الأولياء والبحث في خلفياتها تم طرحها قبل ذلك في أكثر من كتاب ورواية، " آية ياسر " في روايتها " باب النديم " ناقشت هذه الفكرة ربما من زاوية أخرى، لكن تذكرتها حين قرأت اسم " يحي " ، الذي جسد شخصية شديدة الشبه به في الفيلم محسن محي الدين ، باسم آخر، ومساحة أقل.

لكن " رسائل إلي الإمام الشافعي " كان عنوان كتاب للدكتور سيد عويس، عالم الاجتماع الشهير، صدرت الطبعة الأولى منه عام 1965، ثم الطبعة الثانية عام 1978، وحوى الكتاب 160 رسالة حقيقية، تركها المصريين بمختلف ثقافاتهم داخل ضريح الإمام الشافعي، فهل جاء اختيار الكاتب لاسم " الإمام الشافعي " من بين عصبة الأولياء المنتشرة في ربوع مصر من باب المصادفة خاصة أن الضريح الذي قام البطل "آسر ياسين" بهدمه مع بداية الفيلم بعيد تماما عن الإمام الشافعي.

ورغم تكرار الفكرة، واقتباس أسماء وشخصيات، نجح إبراهيم عيسى، في التغطية علي هذا برسم سيناريو جيد جدا، وحوار متناغم الإيقاع، ووجدنا الفيلم مع تناوله السطحي لقضية التبرك بالأولياء، يطرح بعض الأسئلة الهامة حول مدى هيمنة هذه الفكرة على عقول شريحة كبرى في مجتمعنا، الغالبية العظمى منهم لا ينتمون للمذهب الصوفي بل أشخاص عادين ألفوا وجود هذه الأضرحة، تأنس قلوبهم وتنشرح صدورهم عند زيارتها والتبرك بأصحابها، وإن كان هذا الطرح شابه بعض الأخطاء.

بدت شخصية " روح " التي جسدتها "يسرا " كالموجه الحاد، لكن أرجعت تقديمها بهذه الطريقة نظرا لافتقار شخصية البطل " يحي " لأى أبجدية روحية تمكنه من فهم الإشارات وربطها بما يجري حوله من أحداث، فكان وجود " يسرا " لتقوم بوظيفة المرشد الذي يساعده في فك رموز تلك الإشارات، لكن هذا التجسيد، نقصه شيئا من اللطف خاصة أنه حسب تصريح صناع الفيلم فهي تمثل " روح صاحب المقام " وكان الأفضل أن تحمل عباراتها شيئا من اللين، فهل قصد إبراهيم عيسى بذلك عدم الوصول بالبطل إلي نقطة التماس الروحي، الذي يدخله في زمرة المريدين؟

بمكر الكاتب ومهارته أبهرنا إبراهيم عيسى، بتمرير فلسفته حول القضية إلي عقولنا عبر ألسنة الممثلين في الفيلم، فعبارات ريهام عبد الغفور، محمود عبد المغني، سلوى محمد علي، و إبراهيم نصر، ستظل عالقة في أذهان المشاهدين طويلا، ومع انتهاء مشاهدة الفيلم من الممكن القول إن إبراهيم عيسى في " صاحب المقام " أراد أن يمسك العصا من المنتصف وترك المشاهد يطرح على نفسه بعض الأسئلة، بعدما وقف بعقله عند هذا الحد الفاصل بين نور وهدى الاتباع، وظلمة وضلال الابتداع، بين مشروعية احترام مكانة الأولياء والصالحين، وتقديس البعض لهم حد التأليه، بين الاعتقاد في ظهور كرامات للأولياء تدل على صلاح أعمالهم، والاستغراق في كونهم يحيطون بحياة البشر علما.