الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ليست كورونا ولا حرب أوكرانيا .. ما هي أهم أسباب أزمة الطاقة العالمية؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، مقالاً لاستاذة الاقتصاد السياسي في جامعة كمبريدج إيلين تومسون، حذرت فيه من تداعيات أزمة الطاقة العالمية الراهنة على الدول الغربية، مشيرةً إلى أن النمو الاقتصادي العالمي يتطلب زيادة في إنتاج الوقود الأحفوري، وهو ما يقوض أي طموحات طويلة الأجل لمكافحة التغير المناخي.

هذه المعادلة الصعبة والإشكالية، وصفتها تومسون في مقالها بأنها "شتاءً صعبًا يطرق على أبواب الغرب"، قائلةً إن "المناطق الآسيوية والأفريقية والشرق الأوسط، غارقون في العديد من الصعوبات السياسية والاقتصادية، وهو ما يدل على أن الأزمة الراهنة أزمة كارثية، وبالتالي على الذين يستوردون الغاز الطبيعي المسال التنافس الآن مع الأوروبيين الذين قدموا في وقت متأخر إلى سوق الغاز ساعين إلى إيجاد بدائل عن خط الأنابيب التي تورد الغاز الروسي إليهم".

وأضافت تومسون أنه "في أوائل الصيف، لم تتمكن باكستان من استكمال مناقصة وحيدة للغاز الطبيعي المسال. وفي الدول الفقيرة، تذهب نسبة كبيرة من الموارد لدعم استهلاك الطاقة. لكن وفقًا للأسعار السائدة، لا يستطيع البعض فعل ذلك، فقد فرضت شركة كهرباء سريلانكا زيادة بنسبة 264% على أفقر مستخدمي الطاقة في البلاد. فيما تحاول الحكومات في أوروبا تخفيف الضغوط الرهيبة عن الأسر وكذلك عن النشاطات التجارية الصغيرة وكثيفة الاستهلاك للطاقة مع ترك المناشدات بخفض الاستهلاك والمخاوف من الشتاء المقبل تقلل حجم الطلب".

وعللت تومسون هذا الأمر بالقول إن هذا يعني أن تمويل الدولة لخفض فواتير الطاقة المتصاعدة عبر دعم الموزعين، كما في فرنسا، أو نقل الأموال إلى المواطنين لدفع هذه الفواتير كما في المملكة المتحدة. هو الوسيلة السريعة لزيادة الإمدادات المادية للطاقة، مضيفة" ليست هذه الأزمة نتيجة غير مقصودة لجائحة كورونا أو الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لكن لها جذور أعمق بكثير تضرب في مشكلتين رئيسيتين".

وأوضحت الاستاذة البريطانية أنه "الرغم من أن هذا الواقع غير مستساغ لأسباب مناخية وبيئية، لا يزال النمو الاقتصادي العالمي بحاجة إلى إنتاج الوقود الأحفوري. فمن دون المزيد من الاستثمارات وأعمال الحفر والتنقيب، من غير المحتمل أن يكون هنالك ما يكفي من إمدادات في المدى المتوسط لتلبية الطلب المتوقع. ترجع أصول أزمة الغاز الحالية إلى الزيادة في استهلاك هذا المصدر من الطاقة سنة 2021 والتي تحركها الصين. ارتفع الطلب بسرعة كبيرة إلى درجة أن الشراء بأسعار مرتفعة جدًا كان متاحًا فقط أمام الأوروبيين والآسيويين. في هذه الأثناء، لم تأتِ ثمار ارتفاع أسعار النفط هذه السنة إلا بعدما بدا أن البيانات الاقتصادية الصادرة من الصين غير مشجعة".

هل يتوسع النفط الصخري مجدداً؟

حسب تقييم وكالة الطاقة الدولية، من الممكن جداً ألا يلبي إنتاج النفط العالمي حجم الطلب السنة المقبلة. فلفترة طويلة من العقد الماضي، دارت عجلة الاقتصاد العالمي بفعل ازدهار النفط الصخري. لولا زيادة الإنتاج الأمريكي بأكثر من الضعف بين 2010 و 2019، لوجد العالم نفسه أمام أزمة نفطية دائمة منذ 2005، حين أصيب إنتاج النفط الخام التقليدي أي غير المستخرج بواسطة التصديع أو الرمال النفطية، بالركود. لكن لا يستطيع النفط الصخري الأمريكي أن يتوسع مجدداً بالوتيرة نفسها وفقًا لتومسون.

بالرغم من توقع وصول أكبر تكوين للنفط الصخري في الولايات المتحدة، أي حوض بيرميان غربي تكساس وجنوب غربي نيومكسيكو، إلى إنتاج قياسي الشهر المقبل، لا يزال الإنتاج الأمريكي العام أدنى بأكثر من مليون برميل يومياً بالمقارنة مع 2019. حتى في حوض بيرميان، يتراجع الإنتاج اليومي للبئر الواحدة. وسيتطلب المزيد من عمليات الحفر في الأوفشور كما في خليج المكسيك وألاسكا من خلال قانون خفض التضخم أسعاراً أعلى أو مستثمرين راغبين في ضخ الرساميل بصرف النظر عن آفاق الربح.

ترى الكاتبة أن أفضل الآفاق الجيولوجية لتغيير قواعد اللعبة على غرار ما حصل في العقد الماضي يكمن في تكوين النفط الصخري الضخم في منطقة باجينوف السيبيرية. لكن العقوبات الغربية تعني أن احتمال مساعدة الشركات النفطية الغربية الكبرى لروسيا على المستوى التكنولوجي هو طريق مسدود جيوسياسيًا.

المشكلة الأخرى

المشكلة الثانية حسب تومسون هي أنه لا يمكن فعل الكثير من أجل التسريع الفوري للتخلي عن الوقود الأحفوري. لن يتم الانتهاء من تشييد المفاعلات النووية المصغرة في بريطانيا حتى العقد الرابع. وسيتطلب تشغيل التيار الكهربائي على الطاقة الشمسية أو الهوائية خرقًا تكنولوجيًا في التخزين. يستحيل إطلاق توقع واثق بما سيكون عليه أي تطور خلال السنوات العشر المقبلة ناهيكم عن السنة القادمة. لكن ولأن الانتقال الطاقوي أساسي أيضاً لتقليص استهلاك النفط الأحفوري، يجب أن تسود الواقعية على المدى القريب عبر الاعتراف بأن لا عودة إلى الوراء حيث الطاقة رخيصة، شرط إقرانها بطموح راديكالي على المدى الطويل.