الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هو كل حاجة إخوان!

سامح فايز
سامح فايز

صارت الكلمة المسيطرة الآن ضد كل من ينطق بخطورة الإخوان بين الناس سؤال شديد السماجة من أربع كلمات،" هو كل حاجة إخوان؟". سؤال أعادني بالذاكرة قبل عشر سنوات عندما شاهدت محمد مرسي رئيس مصر السابق في حكومة الإخوان وهو يعلن نفسه رئيسا، أذاع الخبر فجرا كاللصوص دون انتظار الإعلان الرسمي، في تلك اللحظة أدركت أن مصر العظيمة ضاعت أو كادت تضيع، ثم وفي شدة ألمي أمسكت القلم وكتبت؛ وبدأت في سرد كيف أن تنظيم الإخوان الإرهابي لا يصلح أن يكون في رأس حكم دولة هى الأقدم في التاريخ!

(1)

على مدار عام كامل فترة حكم الإخوان لم أتوقف عن الكتابة ضد إرهاب التنظيم، ثم ثار الشعب في 30 يونيو 2013، لكن وبمرور الوقت نسي الناس، أو تناسوا خطورة تنظيم الإخوان، وظنوا أن المعركة بين نظام وتنظيم، متناسين أنها معركة بين الدولة الوطنية والتنظيم الدولي، بدأت رحاها قبل مائة عام مع مطالبة المصريين بحق مصر في تقرير مصيرها، ثم ظهرت في نفس التوقيت جماعات دينية متطرفة تطالب بأن تصبح مصر مجرد ولاية تركية!

 

بعد عشر سنوات من المواجهة شاهدت التنظيم يعود مرة أخرى من خلال دوائر مخلتفة، حلقات دفاع حول التنظيم تتغذى على استثمارات التنظيم في مجالات الثقافة والتعليم والصحة والأوراق المالية وتجارة التجزئة.

 

انتهى التنظيم بسبب الضربات العسكرية والأمنية المتلاحقة بداية من عام 2013، والمواجهة البطولية من ضباط الجيش والشرطة مع أذرع التنظيم الإرهابية مثل حسم ولواء الثورة وكتائب الشرعية والمقاومة الشعبية وأنصار بيت المقدس وجند الإسلام وأنصار الشريعة وغيرهم العشرات من التنظيمات الإرهابية المسلحة. لكن ظلت دوائر الدفاع حول التنظيم الكامنة داخل صفوف الناس في المؤسسات التجارية والثقافية والنقابات والجمعيات تتغذى على مصالحها مع التنظيم ومكتسباتها المادية المتحققة من استمرار استثماراته وحركة أمواله.

 

تسعى تلك الدوائر مؤخرا الى تشكيل حزمة دفاع حول الإخوان في مسعى خبيث لعودة الجماعة مرة أخرى إلى المشهد العام، مستخدمة في ذلك العديد من سبل المواجهة ليس مع الدولة فقط، لكن مع الرفض الشعبي الذي تشكل ضد التنظيم الإرهابي بعد ثورة 30 يونيو 2013، وخروج الملايين إلى الشوارع لتفويض الرئيس عبد الفتاح السيسي في المواجهة مع التنظيم الدولي للإخوان.

(2)

سعى التنظيم منذ اللحظة الأولى بشكل حثيث من أجل كسر حدة الرفض الشعبي لوجوده، مستخدما في ذلك العديد من الوسائل كان في مقدمتها الإيحاء بأن هناك "فوبيا الإخوان"، على شاكلة فوبيا الإسلام في الغرب، التي ربطت بين المسلمين والإرهاب ودفعت الناس في أوروبا للخوف من كل ما هو إسلامي. غير أن تنظيم الإخوان الإرهابي ليس هو الإسلام ولا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد، إنما استطاع أن يستخدم الدين وسيلة للسيطرة على عقول أتباعه، نفس المسألة التي نجح فيها المتطرفون على مدار التاريخ الإسلامي بداية من الخوارج الذين قتلوا سيدنا علي بن أبي طالب أحد العشرة المبشرين بالجنة بحجة أنه كافر، مرورا بالأزارقة والحشاشين والتكفير والهجرة والقاعدة وداعش.

 

بيد أن تنظيم الإخوان الإرهابي بمساعدة من دوائر الربط العام في الداخل التي تمثل حلقات خطيرة للدفاع عنه وإن لم تنتمي للتنظيم استطاع نشر ذلك الشعور بين الناس، فوبيا الإخوان، أو بالعبارة الشعبية الدارجة "هو كل حاجة إخوان"، وصار كلما ارتكب التنظيم عملا تخريبيا إو إرهابيا سواء قتل أو تفجير أو تخريب في الاقتصاد تحركت حلقات الدفاع عنه من غير الإخوان التنظيمين المعروفين مرددة نفس العبارة بشكل منظم،"هو كل حاجة إخوان؟"، ثم يستمر الضغط في رهان من التنظيم على الملل الشعبي من مقاومة الاخوان، فلم يعتاد الناس مقاومة عدو كل تلك السنوات، خاصة وإن كان عدوا غير ظاهر يعتمد على الكمون والتشرنق والعمل السري.

 

(3)

تحركات التنظيم السابقة ليست عشوائية، إنما الهدف منها هو سحب المكون الاجتماعي العريض من عملية المقاومة، ذلك المكون الذي رفض حكم الإخوان عام 2012؛ بسبب إدراكه الشديد أن دين الإسلام لا علاقة له بهؤلاء أولا، وأن دولة مثل مصر أكبر من أن تقع تحت سيطرة تنظيم إرهابي علاقاته الدولية أقرب إلى شبكات التجسس منها إلى العمل السياسي.

 

وبمقارنة بسيطة بالرفض الشعبي للإخوان أعوام 2012 و 2013 و 2014 ثم الرفض الشعبي الآن سنكتشف حجم التراجع الكبير في تلك المقاومة؛ ليس السبب في ذلك تراجع الناس عن رفضهم الشعبي للتنظيم الإرهابي، فالمصريون على مدار التاريخ ترفض شخصيتهم الانقياد تحت لواء التطرف، بيد أن دوائر الربط العام وحلقات الدفاع عن الإخوان استطاعت أن تخترق ذلك المكون بحجج انتهاء التنظيم، وزوال الإخوان، وأن ما يحدث الآن لا علاقة له بتحركات التنظيم التخريبية للضغط على مصر في الداخل والخارج.

 

ثم انتقلت حلقات الدفاع العام عن تنظيم الإخوان إلى مرحلة أشد خطرا من كل ما سبق، وهى الإيحاء بأنعقيدة الشعب بالدولة الوطنية أضعف من العقيدة الإخوانية التنظيمية، فيظن الناس خطأ أن التراجع في مواجهة ورفض التنظيم سببه ضعف عقيدة الشعب بالدولة الوطنية، دون أن ندرك أن المسألة حدثت على مراحل بدأت بعد سقوط التنظيم في 2013 بنشر وهم فوبيا الإخوان ثم دفع الناس للملل من الحديث المتزايد عن الإخوان حتى نصل في النهاية للترويج أن صمت الناس عن الإخوان سببه ضعف عقيدتهم الوطنية، وأن استمرار ذكر الإخوان حتى الآن وثبات أتباعه نتيجة قوة العقيدة الإخوانية التنظيمية!

 

(4)

الهدف من تلك التحركات المنظمة هو سحب كل وسائل الدفاعات الشعبية وترك الدولة مكشوفه في مواجهة قصف اخواني سيعود بضراوة، وتحييد الدفاع الشعبي تماما وتحويل المعركة من معركه وجوديه للدولة الوطنية لمعركة سياسية بين النظام والتنظيم وليس بين الدولة الوطنية والتنظيم الدولي.

 

تلك العودة مخطط لها بقوة وبدأت بوادرها مؤخرا بتهدئة مدبرة من التنظيم الدولي للإخوان وحديثه المستمر عن السلمية وطلب المصالحة مع النظام المصري، متناسيا أن الدول تتصالح مع دول ولا تتصالح مع تنظيمات إرهابية.

من مظاهر تلك العودة أيضا نشاط حلقات الدفاع عن التنظيم مؤخرا وتكتلهم ضد كل من يتحدث عن خطر عودة التنظيم، بحجة أن الدولة تعرف كل شئ وأن حديث الأفراد عن عودة التنظيم معناه أن مؤسسات الدولة وأجهزتها تجهل تلك العودة، وهو حق يراد به باطل، تلك العبارة التي صدح بها سيدنا علي بن أبي طالب ضد الخوارج عندما قالوا إن الحكم إلا لله، فرد عليهم كرم الله وجهه، إنه حق يراد به باطل؛ فالحق هنا أن الدولة ومؤسساتها تدرك منذ اللحظة الأولى خطر التنظيم ومحاولات العودة، غير أن حلقات الدفاع تلك تسعى بكل قوة لكسر التأييد الشعبي للنظام والرفض الشعبي للتنظيم حتى إذا عاد الإخوان للواجهة ترك النظام وحده في مواجهة ذلك التنظيم الإرهابي، وهى المسألة التي سنظل ننبه لها ما كان في العمر بقية!