الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صرف النعم فيما يرضي الله.. خطيب المسجد الحرام: بينة على سعادة المرء

خطيب المسجد الحرام
خطيب المسجد الحرام

قال الشيخ الدكتور أسامة عبدالله خياط ، إمام وخطيب المسجد الحرام،  إن صرفُ النعم فيما يُرضِي المُنعِم، والتقوِّي بها على طاعته، وتوجيهُها الوِجهةَ الصالحةَ، واستِعمالُها في كل خيرٍ عاجلٍ أو آجِلٍ، آيةٌ بيِّنةٌ على سعادة المرء؛ إذ سلَكَ مسالِكَ أُولِي الألباب، واقتفَى أثرَ المُتقين.

آية بينة على سعادة المرء

وأوضح " خياط " خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنه لئن تتابَعَت النِّعَمُ وترادَفَت المِنَن، وتكاثَرَت الآلاء، فكانت غيثًا مِدرارًا لا ينقطِعُ هطُوله، وفيضًا غامِرًا لا يتوقَّفُ تدفُّقُه، عطاءً كريمًا من ربِّنا الكريم الرحمن الرحيم، وتفضُّلًا منه على عباده بغير استحقاق، وإحسانًا منه بغير استِكراه، إذ لا مستَكرِهَ له سبحانه.

وأضاف أنَّ النِّعمة الكبرى التي لا تعدِلها نعمةٌ، والمنَّة العظمَى التي لا تَفضُلُها مِنَّة، هي نعمة الهداية إلى دين الإسلام، وإحسانه عز وجل إلى عباده أن بيَّن لهم بما أنزل في كتبه، وأوحى إلى رسله، الغاية من خلقه لهم؛ كي لا تضلَّ الأفهام في معرفتها، فأوضح سبحانه أنَّه خلق العباد جميعًا لعبادته وَحده لا شريك له.

واستشهد بما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وأنه استخلف آدم في الأرض ثم استخلف ذريته من بعده، فقال عزَّ اسمه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، منوهًا بأن من أجلِّ النِّعم، نعمة بعثة النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- بالهدى ودين الحق، ليخرج الناس برسالتِه منَ الظلمات إلى النور، ولِيهديهم به سُبُل السلام، ويَضَع عنهم الآصارَ والأغلال.

وتابع:  وليسمُوَ بهم إلى ذُرى الخير والفضيلة، ويَنأَى بهم عن مهَابِط الشرِّ وحمأةِ الرذيلة، وليسلُكَ بهم كلَّ سبيل يبلِّغهم أسبابَ السعادة في العاجلة والآجلة، ولِذا كانت بعثتُه -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للخَلقِ كافَّةً، ونعمةً على البشَر قاطبةً، كما أخبر بذلك سبحانه في أصدَق الحديث بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.

وأشار إلى أنه كانت رسالتُه -عليه الصلاة والسلام- رَحمةً للخلق جميعا، عَرَبِيِّهم وأعجميِّهم، أسودِهم وأبيَضهم، ذَكَرهم وأنثاهم، إنسِهم وجانِّهم، منبهًا إلى أن من نعم الله تعالى على عباده، نعمة السمع والأبصار والأفئدة التي خصَّها الله بالذكرِ في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، وإنما خصَّها -سبحانه- بالذكر لشرفِها ومنزلتِها؛ إذ هي مفاتيحُ كلِّ علمٍ.

سببٌ مُوصِلٌ إلى الهداية

وواصل:  وسببٌ مُوصِلٌ إلى الهداية إلى صراط الله المُستقيم، وسبيلٌ يُدرِكُ به المرءُ ما يرجوه ويُؤمِّلُه، ويُميِّزُ به بين ما يضُرُّه وما ينفعُه، ومن نعمه أيضاً على عموم خلقه، نعمة الأزواج ليأنسوا بها، ولتكون بينهم الألفة والمودة والرحمة، ونعمة الذرية من بنين وبنات وحفدة، وما رزقهم به من الطيبات، كما قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾.

ونبه إلى أنَّه من نعم الله التي امتن بها على عباده، نعمة نزول الغيث والأمطار، وهطولها المدرار، قال عز اسمه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

وبين أنه قد وصف سبحانه نعمة المطر بالبركة والطهر وأنه سبب الحياة، فقال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ وقال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾.

منفعته مختصة بالعبد

ولفت إلى أن الرسول الكريم عليه صلوات الله مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على طريق من سبقه من الرسل في لزوم الشكر لله تعالى على نعمائه، وجزيل آلائه، شكرًا تترجم عنه الأعمال، وتصوِّره الأفعال، وقد جعل الله الشكر سبباً لزيادة فضله، وحارساً حافظاً لنعمته،  وإن من تمام نعمه سبحانه، وعظيم بره وكرمه وجوده وإحسانه، محبته لعباده على هذا الشكر، ورضاه منهم به، وثناءه عليهم به.

وأفاد بأن منفعته مختصة بالعبد ولا تعود منفعته على الله، وهذا غاية الكرم الذي لا كرم فوقه، ينعم عليك ثم يوزعك شكر النعمة، ويرضى عنك ثم يعيد إليك منفعة شكرك، ويجعلك سبباً لتوالي نعمك واتصالها إليك والزيادة على ذلك منها، وهذا الوجه وحده يكفي اللبيب لينتبه به على ما بعده ﴿وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.

وأكد أن شُكر نعمة الله عليكم، تَطِب حياتكم، وتَستقم أموركم، وتحظوا بالمزيد من ربكم، وتكونوا من الفائزين يوم الدين ، فإن خير ما يستمسك به من أخلص دينه الله، وابتغى الوسيلة إلى محبته ورضاه، هدي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في كل شؤون الحياة، فإنه أكمل الهدي، وأفضل الزاد ليوم المعاد ، وقد كان من هديه الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته أنه كان إذا رأى الغيث قال: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا" ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ.