من هو الانتحارى؟

وقفت كثيراً حائرة متعجبة أضرب أخماسا فى أسداس ومئات علامات الاستفهام تأكل فى رأسى، وتجعلنى أتمنى لو يخرج الانتحارى من التربة لمدة ساعة واحدة لأجرى معه حوارًا وأفهم منه من هو؟ وكيف هانت عليه نفسه؟ وكيف نسى قول الله الكريم:- "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا"
كيف اقنعوه أنه بعد تفجير نفسه سيدخل الجنة "حدف" وأنه سيكون فى عليين مع الأنبياء والصديقين والشهداء وينكح من الحور العين كل يوم واحدة ويوضع أمامه يوميا طبق فاكهة أكبر من اللى كان بيوضع أمام أبولهب فى فيلم فجر الإسلام، ويأكل بط ووز وفراخ ومحشى كرنب وورق عنب كل شوية! وإذا افترضنا أنه خضع لعملية غسيل مخ بأقوى أنواع مساحيق الغسيل، أين أهله وناسه من كل هذا؟ هل يرونه فعلا شهيد وكانوا من الداعمين لقراره أم تبرأوا منه وطردوه من حياتهم واعتبروه متطرفا ضل سعيه ويحسب أنه يحسن صنعا.
ولأن الانتحارى لن يخرج من التربة ليجيب على كل هذا، قمت بعمل دراسة مصغرة حول الشخصية ووصلت للآتى:-
الانتحارى هو شخص من ثلاثة:
إما شخصا أثقلت المواجع على نفسه وأصبح صاحب تاريخ طويل من المرمطة والذل والقهر والفقر المدقع فيأس من البحث عن عمل وكره حياته المظلمة وفقد الأمل فى عيش وحرية وعدالة اجتماعية، وبالتالى قرر ضرب كرسى فى الكلوب ومعاقبة الكل بذنب جريمة ارتكبها فى حقه البعض.
وإما شخصا "لابس جزمته فى دماغه" وتعمق فى القراءة "بالشقلوب" لكل كتب تفسير كتاب الله تعالى وكل الأحاديث القدسية والنبوية صحيحة الإسناد، وسلم ودانه لشخص لا يقل عنه غباء وحماقة وجهل فأقنعه أن الانتحار هو استهشاد وأن قتل النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق هى نصرة لدين الله، وأن الإسلام يقوم على كتاب يهدى وسيف ينصر بغض النظر عن آيات قرانية مثل "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ".
وإما خروفا يدين بالسمع والطاعة لقائد القطيع الطامع فى سلطة حكم البلاد، ومن أجل هذا الهدف سخر عناصر القطيع كله، ولأن العقد شريعة المتعاقدين بايع الخروف قائده على السمع والطاعة والولاء والتضحية بالنفس والولد مقابل المدد المادى وتأمين المستقبل والحياة الكريمة فى زمن ندرت فيه الحياة الكريمة، وقرأ طرفا التعاقد الفاتحة على ذلك وبالتالى لا يتردد عندما يطلب منه الانتحار باسم الجهاد طالما هو ضامن أن أسرته لن تتشرد من بعده.
على أى حال فليعلم الجميع أن الانتحارى طالما خرج من مكانه لا توجد قوة تستطيع إثناءه عن إحداث التفجير، فلو فشل فى الوصول لهدفه سيفجر نفسه فى أى هدف يراه هو مناسب، وبالتالى على وزارة الداخلية أن تعمل على وأد الفكرة قبل أن تدور فى رأس صاحبها أصلا ولهذا الهدف أساليب كثيرة تتنافى مع كل معايير حقوق الإنسان هم يعلموها جيدًا وممتازين فى تنفيذها، فليعملوا بها.