كيف تتغلب على مشكلة التأخر عن العمل؟ «صور»

أقدمت "لورا كلارك" الصحفية بمؤسسة "بي بي سي" البريطانية على القيام بتقيري يفسر الأسباب المنطقية، التى ينتج عنها الذهاب دائمًا متأخرين إلى العمل دون تفسير واضح.
والتى اعترفت أنها تتأخر عن مواعيدها، لدرجة أنها تأخرت أكثر من مرة عن الموعد النهائي لتسليم هذا المقال، وذلك يتكرر أيضًا مع جليسة أطفال تأتي دوما متأخرة، أو زميل عمل يفوّت كل مواعيد التسليم النهائية التي تُحدد له، حتى وإن كانت بضع ساعات، أو صديقة لابد أن تُبلغها بأن تأتى مبكرا لكى تصل فى الميعاد المضبوط.
مع العلم أن التأخر من بين أكثر العادات الكفيلة بإثارة الغيظ والغضب،عند انتظارك صديقا أو زميلا تأخر عليك، وقد يكون تأخر لأسباب انسانية أو نفسية.
وفيما يلي تناول لتلك الأسباب وحلولها:
1- المتأخرون ليسوا كسالى
ينظر الناس طوال الوقت تقريبا بشكل سلبي إلى من لا يلتزمون بمواعيدهم. وتقول هارييت ميلوت، خبيرة العلاج المعرفي السلوكي والطبيبة النفسية تحت التدريب في لندن: "من السهل أن نعتبر هؤلاء أناسا فوضويين، ولا يراعون الآخرين".
اللافت أن ميلوت تقر بأنه بعيدا عن تعاملها في عيادتها مع أشخاص مثل هؤلاء، فإن احتكاكها في حياتها العادية مع أُناس يتأخرون عن مواعيدهم يشكل أمرا "يمكن أن يؤدي، وبشكل خاص، إلى إثارة غضبي."
كما أن هؤلاء غالبا ما يكونون على علمٍ كافٍ بالضرر الذي قد يسببه لهم تأخرهم عن مواعيدهم فيما يتصل بعلاقاتهم مع الآخرين، وسمعتهم، ومسيرتهم المهنية، ومواردهم المالية. بل يشعرون على الأغلب بالخزي إزاء ذلك الأمر أيضا.
لكن كثيرا من هؤلاء "المتأخرين عن مواعيدهم" منظمون بشكل ما على الأقل، ويرغبون في إسعاد أصدقائهم وأقاربهم ورؤسائهم في العمل.
2- حججٌ وأعذار
دائمًا مانقدم أعذار عند التأخر لكى نغفى أنفسنا من الحرج، مثل حادث ما، أو بسبب الإصابة بوعكة صحية على سبيل المثال، ليس من اليسير أن تلقى أعذارٌ أخرى تفهمًا مماثلًا.
ويتظاهر بعض المتأخرين بأن ما فعلوه ناتجٌ عن انشغالهم بأمورٍ أهم وأسمى من الالتزام بالمواعيد، مثل الهوس بالنزوات، والميول الغريبة، أو لأنهم لا يؤدون العمل سوى تحت ضغوط، أو لأن ساعتهم البيولوجية تشبه ساعة البومة، التي تصحو ليلا وتنام نهارا، وليس ساعة "كروان" يستيقظ مبكرا مع صياح الديك.
ومن جهة أخرى، قد يتضح أن كونك دائم التأخير غير ناجمٍ عن خطأ ما من جانبك، بقدر ما هو ناتجٌ عن طبيعة شخصيتك. وبحسب خبراء، غالبا ما تشيع - بين من يعتادون هذا الأمر - صفاتٌ مثل التفاؤل، وتدني القدرة على التحكم في النفس، والقلق أو الولع بالسعي للإثارة. كما أن الإحساس بمرور الوقت قد يختلف باختلاف نمط شخصية كل منّا عن الآخر.
3- أنت ألد أعداء نفسك
كتب تيم أوربان في عام 2015، وهو متحدثٌ في ما يُعرف بسلسلة مؤتمرات "تيد"، والذي يصف نفسه كذلك بأنه شخصٌ يتأخر على الدوام، أن لدى أقرانه من المتأخرين "دافعا قهريا غريبا من نوعه لإلحاق الفشل بأنفسهم". بل وأطلق على أصحاب هذه الأرواح التعسة وصف "المهووسين بالتأخر على نحو مزمن".
ونعود لـ" هارييت ميلوت" التي تقول إن التأخر عن المواعيد قد يرجع بالنسبة للبعض لمعاناتهم من مشكلات عصبية أو ذهنية شائعة "ومثيرة للقلق العميق".
وتضرب على ذلك مثالا بأن من تُشخص إصابتهم بالقلق "يتجنبون غالبا مواقف بعينها". وتستطرد قائلة إنه من المحتمل أن ينظر من يعانون من قلة الثقة والاعتداد بالنفس، بشك في قدراتهم، وهو ما قد يفضي بهم إلى استغراق وقت أطول للتحقق من أنهم أنجزوا أعمالهم على الوجه الأكمل.
أما من يصابون بالاكتئاب، فغالبا ما يعانون من تراجع للنشاط والطاقة، وهو ما يجعل من العسير عليهم بشدة حشد دوافع في نفوسهم للقيام بأي خطوة إلى الأمام.
4- هل يكفي العلاج الذهني فقط؟
هنا يمكن الاستعانة برأي ليندا سبادين، وهي طبيبة نفسية تعمل في عيادة خاصة بمدينة نيويورك الأمريكية، ومؤلفة كتاب "كيف تقهر التسويف والمماطلة في العصر الرقمي". وترى سبادين أن بعض حالات التأخر المزمن تنبع مما وصفته بـ"مشكلة التفكير الاستحواذي".
وبدلا من اكتشاف طريقة من شأنها تجاوز هذه المخاوف، تصبح ذريعةً للتأخير بالنسبة للمرء، حسبما تقول سبادين؛ التي تضيف أن الإنسان عادةً ما يعبر عن ذلك بعباراتٍ تدخل فيها مفردة "لكن"، كأن يقول لنفسه: "أردت أن أصل في الموعد، لكنني عجزت عن اتخاذ قرارٍ بشأن ما الذي يتعين عليّ ارتداؤه"، أو يقول: "بدأت كتابة المقال، لكن شعرت بالخوف من ألا يجده زملائي على المستوى المطلوب".
ولا ينبغي أن نغفل هنا إمكانية أن يكتشف الشخص المتأخر دوما عن مواعيده أن أصدقاءه وأحباءه باتوا ببساطة غير قادرين على التسامح أكثر من ذلك مع تصرفاته. وقد جاء مرضى إلى الطبيبة "سبادين"، تكبد أحباؤهم، ممن أصيبوا بخيبة أمل جراء تأخرهم الدائم، تكاليف خضوعهم لجلسة أو برنامج علاجي ما لديها.
ولكن ثمة أمل بالنسبة لأولئك الذين يُغضبهم الانتظار، فبوسعهم تحديد القدر الذي يمكنهم احتماله في هذا الصدد.
ووفقا لـ"سبادين"، بمقدور هؤلاء "اتخاذ موقف ووضع حدود" بدلا من الاكتفاء بالشعور بالغضب والانزعاج. وتضيف أنه يمكنك أن "تتحدث عما ستفعله إذا ما تأخر الشخص الآخر عن موعده".
فمثلا، يمكنك إخبار صديقك معتاد التأخير أنك ستدلف إلى دار السينما لمشاهدة الفيلم وحدك دون انتظاره إذا تأخر عليك أكثر من عشر دقائق. كما أن بوسعك إبلاغ زميلك - الذي لم يُنجز من قبل أبدا الجزء الخاص به من مشروعٍ ما في موعده - أن اسمه لن يُدرج في قائمة المشاركين في المشروع التالي، وأن مديركما سيعلم بأدائه المتراخي في هذا الصدد.
ويؤدى هذا الأسلوب إلى تفعيل أفضل لعامل يمكن أن يساعد على حل هذه المشكلة، وهو المساءلة، وتحديد المشكلات الحقيقية التي تُسبب التأخر بشكل مستمر، ومعالجة هذه المشكلات أيضا.