الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فوضى الإعلام


كنت من المحظوظين في بداية عملي ببلاط صاحبة الجلالة في الربع الأول من تسعينيات القرن الماضي، حيث تمكنت وبدعم من السياسي المخضرم الراحل مصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار وعضو تنظيم الضباط الأحرار من تأسيس " صحيفة آفاق عربية " وكنت في ذاك الوقت لم أتجاوز الثالثة والعشرين من عمري وكتب الله النجاح لنا أنا وزملائي وأساتذتي الذين شاء القدر أن يكونوا داعمين لي في هذه التجربة الصحفية " آفاق عربية" التي كانت تصدر " أسبوعيًا "، وهذا الشأن فيه حديث طويل ليس مجاله الآن ، لكن كان أهم ما في هذه التجربة هو مكوناتها وكان أهم ما في هذه المكونات العنصر المهني حيث كنا جميعًا نسعى للتعلم من أساتذتنا الذين سبقونا وكنا نتحين أي فرصة لنتعلم منهم ، ولذلك كتب الله النجاح لنا في تجربتنا رغم أننا كنا لا نمتلك من حطام هذه الدنيا سوى ما تعلمناه وما زلنا نتعلمه حتى الآن في هذه المهنة العظيمة .

ولكن عشنا وشاهدنا بأعيننا كيف تسرب إلى مهنتنا أفراد وأشخاص من غير المؤهلين لحمل أمانة الكلمة من الدخلاء وسمعنا للمرة الأولى مصطلح " الصحافة الصفراء " والذي كان يعنيه هذا المعنى هو صحافة الإثارة والتشهير والابتزاز ، الأمر لم يكن متوقفا فقط عند هؤلاء أو عند صناع هذا النوع من الصحافة ولكن أيضًا مكوناتها من موضوعات ومصادر تتحدث بلا خبرة وبلا وعي أو دراسة تتحدث لمجرد إحداث ضجة أو ما شابه، أشخاص غير مؤهلين أطلقوا على أنفسهم خبراء ومتخصصين ولا هم بخبراء ولم يكونوا أبدًا متخصصين، ولكن كان هذا هو الوضع ظل واستمر وكنا نظنه أنه لن يستمر ، ولكن للأسف استمر وتغلغل حتى نخر كالسوس في بنيان " صاحبة الجلالة " حتي نزفت دون أن يضمد جراحها أحد رغم المحاولات المضنية من جانب بعض الزملاء المهنيين لمواجهة هذا السوس إلا أن هؤلاء الدخلاء مازالوا يرتعون ويمارسون كل ألوان الابتزاز والعهر الإعلامي.

وكأن التاريخ يعيد نفسه ونفس ما تعرضت له " صاحبة الجلالة " يتعرض له " الإعلام المرئي " وبنفس الفجاجة فالوضع المزري لمهنة الإعلام أصبح كالآتي : كل من هب ودب أصبح مذيعًا أو أصبحت مذيعة ، وكل من هب ودب أصبح ضيفًا أو خبيرًا ، يطلون علينا في البرامج التليفزيونية ويفتون في كل شيء بعلم أو بغير علم ، وكل من هب ودب أصبح يحمل لقب إعلامي أو إعلامية أو رئيس قسم أو رئيس تحرير لبرنامج أو لقناة ، وكل من هو مؤهل أو غير مؤهل أصبح معدًا أو مراسلًا أو مخرجًا دون أي خلفية أو خبرة.

المشهد العام أصبح يحكمه شيء واحد وهو الفوضى ... نعم الفوضى الإعلامية هي التي تسيطر علي المشهد دون رادع أو مانع ولا أحد يستطيع المواجهة ، فبعض القنوات الفضائية الخاصة أصبحت ملاذًا آمنًا لمثل هؤلاء من الذين يطلون علينا عبر بعض القنوات ليقدموا لنا منتجا أجوف لا يتضمن أي مضمون أو محتوى مهني وكل مؤهلاتهم هي امتلاكهم للقيمة المادية لوقت الهواء الذي يشترونه بأموال من المؤكد أنها مسمومة أو لقيطة المصدر.

الوضع يتفاقم يومًا بعد يوم ولا أحد يبالي وهؤلاء الدخلاء يتمددون وبقوة بل ويسيطرون علي المشهد بشكل فج أصبح يهدد المهنة برمتها ويتطلب ذلك من كل من يحملون لواء المهنية أن يتصدوا لهذا التمدد التتاري ليخلصوا ويطهروا المهنة من هؤلاء الدخلاء حتى نصل بالمشهد الإعلامي إلي ما نريده له كرسالة نظيفة وسامية.

وهنا أوجه رسالتي إلي أستاذنا الكبير الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام ولكل أعضاء مجلسه وقاماته ، وأيضًا إلي نقابة الإعلاميين بقيادة الإعلامي القدير حمدي الكنيسي نقيب الإعلاميين وأقول لهم، ندق ناقوس الخطر ونطالبكم بالتصدي لهذه الظاهرة بما لديكم من صلاحيات قانونية وضوابط مهنية نص عليها القانون وميثاق الشرف الإعلامي ، وهنا لا أطالب بمصادرة الحريات أو غلق المؤسسات الإعلامية كما حدث مع فضائية " LTC " التي أغلقت دون سبب واضح وهذا بعث بداخلنا قلقا كبيرا وتخوفا شديدا على حرية الكلمة، وأظن أن حضراتكم تتفقون معي على إطلاق حرية الكلمة ولكن بالشكل الذي يحفظ للمهنة وقارها وقيمتها ويمكنها من أداء رسالتها ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال متابعة خلفية كل من يطلون على الشاشات من غير المؤهلين حتى نقدم للمشاهد المصري والعربي محتوى إعلاميا يليق به ويليق بتاريخ الإعلام المصري .

أيها السادة .. الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في بناء الأمم كما أنه يلعب دورًا كبيرًا في هدمها إذا كان يدار بشكل عشوائي أو تحكمه حسابات شخصية أو مصالح ولعلنا نتذكر كيف ضلل الإعلام شعبنا العظيم في 25 يناير 2011 وكيف ساهم في تشكيل وجدان المواطن تجاه الأحداث وأوصلنا إلي طريق مسدود كاد أن يفتك بمجتمعنا ووطنا لولا حكمة قادة جيشنا العظيم الذين حافظوا على هذا الوطن وتماسكه ووحدته.

الإعلام له دور كبير في نشر السلام الاجتماعي واستقرار المجتمعات إذا كان إعلامًا مهنيًا أما إذا كان خلاف ذلك فإنه يصبح كالطاعون يصيب كل من يقترب منه ولا علاج له، فلذا لزم علينا أن نضع أيدينا جميعًا بيد بعض للحفاظ علي مجتمعنا ووطنا من خلال تطهير هذه المنظومة من هذه الآفات عملًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " ، وهذا نص صريح من المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن المغير للمنكر لا يلزمه إزالته بطريقة واحدة، بل عليه أن يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أقل الأحوال ، ونحن نمتلك الكلمة وعلينا أن نستخدمها لتصويب المسار وهذه دعوة لكل غيور على هذه المهنة بأن يدافع عنها ويواجه مثل هؤلاء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط