الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد إبراهيم يكتب: العبادة فوق سطح الجامع الأزهر

صدى البلد

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين , وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد ..

فإن الأزهر الشريف قام على ثلاثة أركان , قام على العلم , و قام على العبادة , و قام على الدعوة .

فالعلم خرج لنا الأزهر الشريف العلماء الأفذاذ المتبحرين النحارير .

و أما الدعوة فكان الأزهر الشريف يُخرج لنا الخطباء المفوهون المصاقع الذين تهتز لهم أعواد المنابر .

وأما العبادة , فحدث ولا حرج , وقد سجل العلامة : أبو سالم العياشى , نصًا فى منتهى الدقة , وذلك في رحلته المسمى بــ ( الرحلة العياشية ) وقد بات فى الجامع الأزهر فى ليلة القدر فقال : ( وبتنا تلك الليلة بالجامع الأزهر , لأنها ليلة سبع وعشرين , وفى الحقيقة كل الليالى بذلك المسجد كليلة القدر , لأنه معمور بالذكر والتلاوة والتعليم آناء الليل وأطراف النهار , لا تنقطع منه العبادة ليلًا ولا نهار صيفًا ولا شتاء , فهو عديم النظير فى مساجد الدنيا أجمعها حاشا المساجد الثلاثة لما لها عند الله من أعظم المزايا و أرفعها , وإن خص هو بهذه الفضيلة فغير مستنكر وجود مزية في المفضول ليست في الفاضل ) .

نعم لقد انعقد فى سماء الجامع الأزهر أنوار العبادة والذكر والعلم لكثرة توارد العلماء والأولياء والصالحين لهذا الجامع العريق على مر القرون المتعاقبة , فما خلت طبقة من طبقات علماء الأزهر من أناس أزهريين أصحاب زهد وربانية وذكر وقيام وشكر ومناجاة وعبادة يعرف الناس عنهم ذلك ويلجأ الناس إليهم فيدعون الله سبحانه وتعالى فيستجيب الله دعائهم فيعرف الناس أن هناك إله , وأن الإله لا يتركهم عبثًا , وأنه معهم في كل وقت وحين , وأنه يُستجاب الدعاء , فيصير أولئك النفر العباد الزهاد من الأزهريين أبوابًا يتعلق الناس بالملأ الأعلى ويدخلون من خلالها إلى حمى السماء .

فكان الأزهر الشريف تنتعش فيه الروح الإيمانية بل كان مصنعًا للرجال العلماء العارفين بالله .

ومن مظاهر ما انعقد فى أجواء الأزهر من عبادة , الخلوة فوق سطحه , فكان سطح الجامع الأزهر قديمًا ساحة للخلوة والمناجاة والتأمل والاستغفار والفرار إلى الله تعالى , و الخلوة سنة ماضية في الأديان السابقة , فموسى عليه السلام واعد ربه ثلاثين ليلة , ومريم ابنة عمران , كان لها اعتكافها وميقاتها في المحراب , وكان ليحيي عليه السلام , اعتكافه وميقاته ثلاثة ليال سويًا , وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلى قبل البعثة في حراء , وكذلك بعد البعثة في العشر الأواخر من رمضان , وربما في غيرها , إذًا الخلوة سنة نبوية .

وقد نهض عدد من الأزهريين لجعل سطح الجامع الأزهر محراب لعبادتهم وروضة جنتهم , ولا تزال الأخبار المنثورة فى كتب التراجم تُشير وتلمح لنا عددا كبيرا ممن أختص نفسه بتلك العبادة .

من أمثال العلامة الفقيه : قوام الدين أبو الفتوح مَسْعُود بن إِبْرَاهِيم الْكرْمَانِي الْحَنَفِيّ .ولد سنة 662ه وتفقه ببلده , ثم قدم مصر سنة 720 ه و انْقَطع بسطح الْجَامِع الْأَزْهَر ودرس وَأفْتى وَله حَاشِيَة على الْغنى للخبازي فِي أصُول الْفِقْه وَشرح كتاب الْكَنْز فِي الْفِقْه شرحًا لطيفًا وَمَات فِي شَوَّال سنة 748ه

ومنهم , إمام الورعين، كنز العارفين، علّم الزّاهدين :أبو المواهب محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التّونسي ثم القاهري المالكي الصوفي، يعرف بابن زغدان .

ولد سنة عشرين وثمانمائة بتونس، فحفظ القرآن، وكتبا، ثم قدم مصر، فأخذ الحديث عن ابن حجر، والتصوف عن يحيى بن أبي وفاء، وكان له اقتدار تام على التقرير، وبلاغة في التعبير، وكان جميل الصورة والملبس والتعطر، وأغلب أوقاته مستغرق في الله ومع الله، وكان له خلوة بسطح جامع الأزهر، مكان المنارة التي عملها الغوري .

وله تصانيف، منها «مراتب الكمال» في التصوف، و «شرح الحكم» لم يتم ولا نظير له في شروحها، و «مواهب المعارف» وكتاب «فوائد حكم الإشراق إلى صوفية جميع الآفاق»

ومن كلامه: ما اعترض أحد على أهل الطريق فأفلح.

ومنه: إنما نزلت سورة أَلَمْ نَشْرَحْ عقب وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ,إشارة إلى من حدّث بالنعمة، فقد شرح الله صدره كأنه قال: إذا حدّثت بنعمتي ونشرتها، شرحت لك صدرك.

ومنهم العلامة الكبير : الجمال الإصفهاني وكان ساكنا فى خلوة بسطح الجامع الأزهر.

ومنهم الْفَقِيه الزَّاهِد الْمُفَسّر : جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الْحسن بن الْحُسَيْن الْبَلْخِي ثمَّ الْمَقْدِسِي , عرف بإبن النَّقِيب .

ولد بالقدس سنة إِحْدَى عشرَة وست مائَة فى نصف شعْبَان , جمع التَّفْسِير وَله شعر حسن , وَقدم الْقَاهِرَة ودرس بالعاشورية ثمَّ تَركهَا وَأقَام بسطح جَامع الْأَزْهَر , ثمَّ خرج من الْقَاهِرَة قَاصِدا إِلَى الْقُدس فَتوفي فى الْقُدس فى الْمحرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وست مائَة عَن سبع وَثَمَانِينَ سنة .

ومنهم , الْعَلامَة تَقِيّ الدّين يُوسُف ابْن الْعَلامَة إِسْمَعِيل بن عُثْمَان الْقرشِي .

انْقَطع بسطح جَامع الْأَزْهَر وتزهد وَأفْتى وَدفن مَعَ وَالِده بالقرافة الصُّغْرَى بجوار قبر الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

ومنهم , العلامة : عَليّ بن يُوسُف بن صَبر الدّين بن مُوسَى الجبرتي ثمَّ الْأَزْهَرِي الشَّافِعِي الْمقري .

قدم الْقَاهِرَة فَقَرَأَ بهَا الْقرَاءَات على الشهَاب السكندري وَالشَّمْس بن الْعَطَّار وَسمع على جمَاعَة ، وسافر مِنْهَا وَدخل دمشق فِي سنة سِتّ وَسبعين وَقَرَأَ فِيهَا الْقرَاءَات على ابْن النجار ثمَّ توجه مِنْهَا إِلَى بَغْدَاد وَصَحب فضل القادري من ذُرِّيَّة الشَّيْخ عبد الْقَادِر , ثمَّ سَافر مِنْهَا إِلَى حلب فقطنها مُدَّة وَسمع فِيهَا من ابْن مقبل وَأبي ذَر ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة فقطنها وَعقد ناموس المشيخة وَجلسَ فِي خلْوَة بسطح الْأَزْهَر وَتردد إِلَيْهِ غير وَاحِد و كان يَقْصِدوه بالدعاء وقصده بالزيارة الْمَنَاوِيّ .

ومنهم , العلامة : مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن خَلِيل بن أَسد بن الشَّيْخ خَلِيل النشيلي ثمَّ القاهري الْأَزْهَرِي الشَّافِعِي .

أخذ عَن الْعلم البُلْقِينِيّ , و الْمَنَاوِيّ وَابْن حسان وَآخَرين , وَصَحب الشَّيْخ مُحَمَّد الغمري وَأقَام بجامعه مُدَّة بل أم بِهِ قَلِيلا وداوم التِّلَاوَة وَالْعِبَادَة وَالنَّظَر فِي كتب الرَّقَائِق والتصوف فعلق بذهنه كثيرا من الْفَوَائِد والنكت وَصَارَ يذاكر بهَا , ونوه خطيب مَكَّة أَبُو الْفضل الويري بِهِ , وَجلسَ فِي خلْوَة بسطح جَامع الْأَزْهَر وَتردد النَّاس إِلَيْهِ وَرُبمَا حصل التوسل بِهِ فِي الْحَوَائِج، ثمَّ لما هدمت الخلاوي تحول لبيته الأول وتقلل مِمَّا كَانَ فِيهِ، كل ذَلِك مَعَ كَونه لم يتَزَوَّج قطّ ومزيد عفته وإكرامه للوافدين بِحَسب الْحَال بِحَيْثُ لَا يبْقى على شَيْء وملازمته للتلاوة وَالْعِبَادَة

ومنهم , العلامة الكبير : مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُحَمَّد الشَّمْس الْقرشِي الأقفهسي القاهري الشَّافِعِي .

وَيعرف بِابْن سمنة. ولد بعد الْعشْرين وَثَمَانمِائَة بِسنة أَو سنتَيْن تَقْرِيبًا بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ

بهَا فحفظ الْقُرْآن والعمدة والمنهاج الفرعي والأصلي وألفية النَّحْو وَغَيرهَا،وَكَانَ يعْتَكف بسطح الْأَزْهَر فِي رَمَضَان , وَمَاتَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع رَمَضَان توجه للأزهر للاعتكاف على عَادَته فجيء بِهِ أثْنَاء يَوْم السبت وَهُوَ مَحْمُوم فَمَكثَ يَوْمَيْنِ وَمَات وَصلي عَلَيْهِ بالأزهر فِي مشْهد صَالح.

ومنهم العلامة اللغوي : كمال الدين بن الأثير

ولد: سنة (708 هـ) ثمان وسبعمائة , قرأ الفقه، والنحو والأصلين وبرع وساد وولي توقيع الدست بالقاهرة ثم كتابة السر بدمشق ومشيخة الشيوخ بها، ثم صُرف عنها وأقام بالقاهرة مُنقطعًا على العلم والعبادة إلى أن أدركه أجله ، وكان غالب مكثه بسطح جامع الأزهر فى خلوة .

فكم من قلب خاشع امتلأ خاطره إجلالًا وتمجيدًا لرب العالمين قد وفد إلى الأزهر الشريف و وعى رسالة الأزهر الشريف , وأنه قائم على ثلاثة أركان العلم والعبادة والدعوة , وقد استنار جدرانه وأروقته وسطحه بأنفاس التسبيح , وأنوار التلاوة .

أبقى الله مصر شمس الشموس , وحمى الله الأزهر الشريف , وحرس أبناءه .