الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علاء عبد الحسيب يكتب: ما يستحق التعليق في حادث معهد الأورام

صدى البلد

دعونا لا نقف طويلا أمام مشهد ألسنة النيران وهي كانت تتطاير في السماء لحظة وقوع الانفجار الذي وقع أول أمس أمام المعهد القومي للأورام بالمنيل .. ودعونا لا نعلق كثيرا علي أسباب الحادث الإرهابي الخسيس فإنه لا يزيد مصر إلا إصرارا في مواصلة حربها علي الإرهاب.. ودعونا لا نضيع أوقاتنا أمام كيف سار هذا الإرهابي الخسيس عكس الاتجاه في هذا الشارع الحيوي في هذا التوقيت .. لنسأل فقط ما الذي يستحق التعليق حقا في هذا الحادث؟ ..

علي بعد قرابة ١٣ مترا فقط من البوابة الرئيسية لمبني المعهد يفترش مجموعة من المواطنين الأرض.. يجلسون بطول كورنيش النيل الذي يواجه هذا المبني الضخم .. هؤلاء ما بين مرضى ينتظرون دورهم للدخول إلى جلسات العلاج .. ومابين مرافقون ينتظرون زيارة مرضاهم بعدما فشلوا في توفير أماكن مبيت لهم داخل أحياء القاهرة، رغم أن المعهد يوفر لعدد كبير من المرضى أماكن إيواء ..

هؤلاء هم من يحتاجون التعليق والمساندة والتضامن والدعم .. هؤلاء هم من يستحقون حملات المناقشة والحوار لإيجاد حلولا جذرية لمشكلاتهم وهمومهم .. يحتاجون لأن ننقل شكواهم ونعرض مأساتهم ومعاناتهم التي يواجهونها يوميا بسبب التنقل من وإلى مقر المعهد.. خاصة وأن السواد الأعظم منهم يأتي من قري ونجوع المحافظات، قاصدين البحث عمن يداوي مرضه ..

هؤلاء يحتاجون لأن توفر لهم الدولة مؤسسات علاجية كاملة الإمكانيات والتخصصات المختلفة في علاج أمراض السرطان لتخفيف المعاناة عنهم .. خاصة في محافظات الصعيد التي تعاني نقصا شديدا في تخصصات هذا القاتل الصامت من الأطباء والاستشاريين، إضافة إلى الأدوية والأجهزة الطبية المختلفة..


قضيت ٣ أشهر في هذا المكان مع والدي الذي كان مريضا بالسرطان .. ورأيت بعيني هؤلاء البسطاء الذين كانوا يفترشون الأرض في انتظار الفرج .. نظرات المرضى وهم ينتظرون الدخول لجلسات الكيماوي والإشعاعي تستطيع للوهلة الأولى أن تفجر بركان كبير من المعاناة والمأساة والألم ..

يوم أن وطأت قدماي بصحبة والدي رحمة الله عليه مبني الاستقبال وكان تحديدا داخل العيادات الخارجية.. طلب مني الموظف أن أسدد رسوم تذكرة الدخول وكانت وقتها ١٠ جنيهات .. دخلت بعدها إلي الطبيب المعالج والذي أبلغني أن الحالة تحتاج بشكل عاجل إلى الخضوع ل ٣٥ جلسة إشعاعي، وإلا فإن هناك خطورة علي صحة والدي .. نظرات والدي الذي قطع مسافة ٥٠٠ كيلو متر من سوهاج إلى القاهرة للعلاج كادت تقتلني .. فقد كانت البداية في المكان الذي قصده من أقصي شمال الصعيد لعلاجه غير مبشره ..

ليس ضروريا أن أوضح كيف تصرفت وقتها حتى استطيع أن أرسم البسمة علي شفتي والدي، بعد أن تمكنت من أن أجعله يخضع بشكل فوري لجلسات الإشعاعي التي أمر بها الطبيب .. لكن الأهم هو أن أوضح لكم كيف يعاني الكثير من مرضى السرطان القادمون من المحافظات عند تلقيهم العلاج في المعهد القومي للأورام..

هذا الصرح الطبي الكبير الذي يستقبل آلاف المرضى يوميا، يحتاج بشكل عاجل إلى توسعات كبيرة تستوعب الأعداد الغفيرة التي تتردد عليه كل صباح.. يحتاج بشكل سريع لنقل لفروعه في شتى المحافظات، خاصة بعد المبادرات الطيبة بتبرع العديد من الرموز الوطنية في الداخل ومن الأشقاء في الخارج لصالح هذا المستشفى الضخم .. رحم الله شهداء الحادث الأليم ..