الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنسنة الإعلام والأمن المجتمعى (1)


ورد مصطلح (الانسنة) في كتاب (نزعة الانسنة في الفكر العربي) للمفكر العربي محمد أراكون، حين دعا إلى تنمية الجزء الأكثر إنسانية في الإنسان، من أجل حمايته من نفسه، مع اقتراح حالات أو صيغًا للعقل، ومسارات للمعرفة، واستراتيجيات للتدخل من أجل تحجيم المواقف اللاإنسانية، وحتى استئصالها إذا أمكن ذلك ،  كما عرف فكر الانسنة في تراثنا العربي من خلال أبي حيان التوحيدي، والجاحظ وغيرهما، وعرفه الكثير من الشعراء والأدباء في الثقافة العربية والإسلامية في القرون المختلفة، ومن خلال نتاجهم الأدبي الذي ورثوه ممن سبقوهم، كما استخدمت الانسنة في الأفلام السينمائية وفي المسرح وفي الرسوم المتحركة التي اعتمدت الانسنة لإيصال أفكارها، خاصة تجاه الأطفال في أنسنة الحيوانات المتحدثة، وعن طريق النصوص والشخصيات والمسرحيات المؤنسنة، واُستخدم هذا المصطلح لدى مناهضي العولمة للتعبير عن عولمة أكثر إنسانية، تحمي حقوق الفقراء والعمال والدول الناشئة والنامية.

ومن هذا المنطلق يتحدد المعنى الخاص "بأنسنة الإعلام" فى اهتمام الاعلام بحقوق الإنسان وكرامته وقضاياه، بغض النظر عن دينه أو قوميته أو جنسه، ومعناه أن يركز على ما يجمع البشر لا ما يفرقهم، وعلى ما يرسخ القواسم الإنسانية الإيجابية المشتركة بين الأديان والمذاهب والمعتقدات والشعوب، والانفتاح على ثقافات الإنسان المختلفة وإضاءة الأوجه الإيجابية النافعة للشراكة بين الشعوب والمجتمعات.

كما يتضمن المفهوم  أيضا نشر ثقافة التسامح والمحبة ونبذ التعصبات والطائفية وفكر الكراهية والإقصاء، ومعناه إعلاء حقوق الإنسان واحترام التعددية الدينية والمذهبية والسياسية والثقافية، ومعناه الدفاع عن المظلومين والمضطهدين والمهمشين واحتضان الإنسان لأنه إنسان مكرم من قبل خالقه.وهذا يفرض على الإعلام أن ينحاز للإنسان وكرامته، وأن يزرع الأمل وينشر التسامح وينمى الدافعية و الإيجابية في نفوس الشباب، حماية لهم من الفكر المتطرف.

ويتطلب ذلك أن تصاغ السياسات الإعلامية ورسائلها الفرعية و منطلقاتها الفكرية ليكون  بؤرة اهتمامها هو الإنسان، ليس في كونه هدفا أو غاية وسيلة تسويقية إعلانية، أو كرقم للمتابعة والتنافس واستعراض عدد المتابعين، بل اعتباره جوهر و هدف لأى تناول و تفاعل اعلامى مع أى قضية مجتمعية 
ولمفهوم "أنسنة الإعلام" أكثر من معنى،منها  أن يتعاطف الإعلامي مع الحالات الإنسانية الناتجة عن الحروب والكوارث والمآسي، مع اللاجئين والهاربين والمشردين والمظلومين والمضطهدين وهو أمر  مطلوب، لكنه مفهوم ضيق، (فأنسنة الإعلام) لها مفهوم أوسع من التعاطف الإنساني في حالات الكوارث، والأزمات والحروب، هذا المعنى الأوسع هو الانحياز للإنسان وقضاياه وحقوقه، وأن تكون الأولوية لاهتماماته واحتياجاته ومتطلباته وآماله
فالدعوة لضرورة أنسنة الإعلام هي جزء من مواجهة التأثيرات النفسية والاجتماعية لها، فضلا عن دور تلك الأنسنة في تنمية المشتركات الوطنية بين أبناء الشعب الواحد، في محاولة الوصول إلى وضع الصيغ الكفيلة لأنسنة الأحداث، والموضوعات، والمشكلات، وخلق عقد اجتماعي متواز وثابت يقوم على مرتكزات بين جميع الأطراف، لخلق طقوس يومية تمنحنا الشعور بالنظام والأمان،مع  ابراز الجانب الإنساني في التغطية و التناول الإعلامي للقضايا المجتمعية.

فالإعلام له دور حيوى ومؤثر في خدمة قضايا المجتمع والتّعاطف الإنساني، من خلال ما يتبّناه بكافة وسائله من قضايا اجتماعية شاملة ومتعدّدة. وهنا نتحدّث عن الإعلام الإنساني، أي التعاطف الإنساني مع القضايا العامة، التي تمسّ مشاعر الرّأي العام وتهمّه أكثر من أي قضايا أخرى من خلال نقل صورة صادقة عن الواقع 
و كذلك مراعاة المواثيق الأخلاقيّة المتعارف عليها عند تغطية الموضوعات الإنسانيّة وتبنّيها، سواء لجهة العمل الإعلامي نفسه أو لجهة الموضوعات المهمّة التي يتناولها يوميًّا، مما يترك أثرًا ايجابيا ويسهم فى استقطاب أكبرعدد من الجمهور للعمل التّطوعي.

كما يقصد بهذا المفهوم أيضا أن يسهم الإعلام فى طرح تصورات ورؤى عند طرح قضايا إنسانيّة مهمّة  تُساعد في حلّ الكثير من المشكلات.

ولتعميق مفهوم أنسنة الإعلام يجب أن يتقاطع مع مفاهيم أخرى ضرورية تتضمن 
«الصدق»
«الموضوعية»
« المعالجة المتوانة بدون مبالغة أو تهويل»
«البعد عن الإثارة»
«نقل الحقائق و محاربة الأخبار الزائفة »
«تنوير الرأي العام»
«النقد البناء»
«الكلمة الصادقة والخبر الصحيح»
«صيانة الحريات»
«السعى نحو إحداث التطور النوعي والفكري»

 ويتزامن مع ذلك العمل على  بناء المجتمع وتنميته، ومعالجة  قضايا التغيير الاجتماعي فكلمة ( أنسنة الإعلام) يعد مصطلحا ورؤية وهدفا ينهل من الإنسان  كمعين لا ينضب، الإنسان بالمعني الجزئي والكلي، وبالمنظور الشامل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط